تفتتح المجموعة بمقولة رائعة للكاتب عبد الرحمن منيف ( الذاكرة.. لعنة الانسان المشتهاة ولعبته الخطرة اذ بمقدار ماتتيح له سفرا نحو الحرية فانها تصبح سجنه … وفي هذا السفر تشكل العالم والرغبات والأوهام) يقسم الكاتب المجموعة الى ثلاث مجاميع سماها ذكرى واعطها ارقاما الذكرى الاولى، الثانية وهكذا اخيرا الذكرى الثالثة، وحين عنونها بأنا منهم ولي ذكريات ، ساق عددا من ذكرياته الشخصية ضمن نصوص المجموعة وان لم يكن باستطاعتنا او استطاعة القارىء تميز الشخصي من العام من خلال الاحداث الا ان الكاتب وكانه حين اطلق اسم مجموعته اراد ان يؤكد البعد الانساني الحقيقي للوجود الكوني لشخوص المجموعة فهم بالتاكيد ليسوا اشخاصا وهميين من وحي الكاتب نزلوا من كوكب الابداع الفني بل هم اناس من دم ولحم ،تبقت خلفهم خيوط متينة من الذكريات اجترتها الذكرة الانسانية لتذكرنا بالوجع الآخر لاناس آخرين قد تختلف اجناسهم واسماءهم ولكن تبقى خلفهم ذكرياتهم.
الذكريات هنا تمر وتعبر وبعضها يفشل في العبور من دهاليز الذاكرة تارة تتدافع الصرخات من خلف الجدران لتكشف الوجيعة الانسانية لاناس قد لايعرفهم المؤلف ، ما يربطه بهم فقط قيد السجن ، لكنه يتذكر صوت الطفلة التي يستدرجها السجان لتشي بوالدها حين يسالها كيف ومتى ترى والدها فتجيبه بكل براءة: ابي يأتي من السماء كل ليلة حين تترك والدتي ابواب منزلنا مفتوحة ،للمراءة حصة الاسد في هذه المجموعة فتارة تمر كأانها روح هائمة لتنثر حبا وسلاما بين ذكريات مفعمة بالقلق الانساني ،تزيح عن عينيه بشاعة المدينة الكونكريتية كما في قصة ذكرى او تزيح عنه مرارة سنين الحصار في قصة عناق او تزيح الملل كما في قصة شهرزاد ،لتعود لتظهر بقوة حضورها في قصص اخرى من المجموعة: فقر ، اغتراب، شبق، مكابدات الام في قصة ترنيمة، ليلة العيد.
قام الكاتب نفسه بتصميم الغلاف اماالرسوم التي رافقت قصص المجموعة فهي مهداة من الفنان الانكليزي غاي ديينغ ، الكاتب سجين سياسي سابق ساعدته التجربة المريرة في السجن في استعارة ذكريات مختلفة من وجع الاخرين، طرزها بوجعه الشخصي بحيث ضاع الحد الفاصل بين الخاص والعام فلايمكن ان نميز معاناته الشخصية عن معاناة حشد الافراد الذين انحشروا في زنزانات الظلم الاجتماعي سواء في زنازين الأمن العامة او زنازين الراي العام وعرف المجتمع كما في قصة اغتراب وقصة شبق وكأي عراقي لابد ان مر يوما ما على جسر من الجسور الممتدة على دجلة او الفرات تقمص الكاتب روح الجسر وكيف انه اصبح شاهدا على معاناة المارين فوقه كما في قصة الجسر، ابدع الكاتب في تخليد المهمشين في مجتمعنا حين سكب معاناتهم حبرا على ورق الذاكرة كما في قصة حلم مجنون ، خلد المجنون ، المهرج ، حفار القبور ، البائع المتجول والمشرد كانه يحاول انصافهم من اللاعدالة التي تسود مجتمعاتهم حيث كتب معاناتهم، غربتهم، وحدتهم ،ونهاياتهم المأساوية كما في قصة جبار،فكرة، مسرح، وجع، مناكدة.
—