الكارثة
كان لفليسوفٍ ولدٌ شاب , وشيء فشىء شعر الفليسوفُ قد حان الوقت كي يحدد مهنة ولده .وكان ابنه الشاب كبقية اقرانه في هذا الزمان بحيرة من امره في اختيار مهنة تناسبه وكجيله لم يدرك ماذا يريد من حياته , وظاهرا لم يكن الاختيار بالنسبة له مهما مثله مثل خلانه .وطالما شغله الحديث مع زوجته حول ابنهما:
وهي تجادله :انه الوحيد
وكان رده : اننا نحبه
أغمضت عينيها : فعلينا اذن ان نمنحه عينينا
تأوه: زرعنا في كل يوم فكرة في طريقه وكان يمر عليها مرور الكرام
فأكدت: حاول بحبك ان تزيد ثقته بنفسه
مازحها: ازداد انتفاخا.
فانفجرت بوجهه : عليك ان تسعى .
رد عليها: لايمكن ان امنحه تذكرة مجانية للمستقبل ,ان الرغبة لدى البعض شيء والمستقبل شي آخر, المهنة كلمة قليلة الأحرف وكبيرة المعنى ,وكثيرون من أنخدعوا بها.
محاولة اقناعه: ارجع لحكمتك , ولا تتفلسف علي .
تحسر : اخشى الفشل
فاصرت: حاول
وكانه حزم امره ليقول: حسنا .
في احد الايام والشاب في المدرسة , قرر والده الفليسوف امام زوجته المصرة, ان يختبر اهتمامات ولده دون علمه, وان يعد له تجربة لذلك . فذهب الى غرفة ولده ووضع اربعة اشياء مختلفة على منضدته الخاصة , وكانت الأشياء عبارة عن :
كتاب ديني , ومسكوكة ذهبية , وسيكارة , وقنينة خمر.
وكان الفليسوف قد قرر امرا موضحا اياه لزوجته المتسائلة عما يفعل:
ساقوم بتجربتي , وساخفي نفسي واراقب ولدي عند عودته من المدرسة الى غرفته. لأرى اي الاربعة سيختارمن على المنضدة .ان لم يختر شىء فسيكون مثلي فليسوفا ولا باس بذلك وهي صنعة اهله .
فقاطعته: سيؤلف كتب كثيرة ولكنه سيكون مثلك منهكا.
:وأِن اختار كتاب الدين فسيكون رجل دين وهذا الاختيار جيد لا لبس فيه .
عادت للقول: سيتبعه الكثير من الناس ويكون مرتاحا, وربما يضمن دنياه واخرته
:وأِن اختار الذهب فانه يرغب بالأعمال الحرّة والتجارية وهو امر جيد .
فاكملت : وذلك يجعلنا نطمئن حتى على ابناء ابنائه .
: وان اختار السيكارة فسيكون امر مؤسف لانه سيكون انسانا لا ابالي ومسرف
فقاطعته : لا تتشائم فاني اشعر به جديا
:ولكن أِن اختار قنينة الخمر , فذلك يعني ان ولدي لا فائدة ترجى منه وسيكون مورد خجلٍ لأهله.
ردت عليه بعتب: مستحيل فهو ابن حلال
: سنرى اذن
وتبادر لها سؤال مبكر: قل لي وان اختار حاجتين سوية؟
فرد عليها متأكدا: هذا مستحيل , كما اني لم اعهد بولدي النفاق
فحدقت الام بوجه الاب وكأنها اقتنعت بالفكرة مرددة:
اعتقد قد حان موعد جني ثمار فلسفتك
: هيا لننتظره
لم يطل انتظار الاب والام , وقد عاد ابنهما من المدرسة . فتح الباب , توجه بعد السلام لتقبيل والدته على رأسها واردف بقبلة على يد ابيه , وكعادته , ضج البيت بنغمة صفيره, فألقى معطفه جانبا وحذائه جانبا أخرا, واتجه مباشرة الى غرفته ,وهما يرمقانه كانهما لايباليان كالمعتاد لتصرفاته . وما ان احتوته غرفته حتى اندفع الاب للمراقبة .
وضع الشاب حقيبته المدرسية تحت سريره , والقى بنفسه عليه , وبعد لحظات من التحديق بالشباك حائرا بأمر يومه ومبتأسا انه يفتقد لبرنامج معين له , رن الهاتف فسارع مبتهجا , وكان صديقه يعرض عليه فكرة مرحٍ خارج البيت,فرحب بها وهم مسرعا يعدّ العدّة للخروج, وما ان نهض مندفعا خارج الغرفة حتى لفت انتباهه الأشياء المنتظمة على المنضدة.وبفضول تام اقترب من المنضدة يستعرض ما عليها من اشياء , متعرفا على واحدة بعد الاخرى وردد بدهشة:
هذه هدايا ابي , فهو فليسوف حكيم –
رافعا الكتاب الديني : واعرفه انه ملتزم –
وضعه ليرفع المسكوكة الذهبية : وقد اثبت لي انه عملي –
وضعها ليرفع السيكارة : لا شك انه مفكر –
وضعها ليرفع قنينة الخمر : عجيب ,ولكن الامر الجديد الذي لم اكن اعرفه, من ان ابي متحرر-
وضعها هي الاخرى وهتف: نعم فهذا هو ابي .
وكان الاب في حيرة هو الاخرى من وصف ابنه له , واندهش اكثر من الوصف الاخير , ولكن كان في شوق لمعرفة اختيارات ولده ,فلم يبالي كثيرا بوصفه واستمر مراقبا له. فاستطلع الولد الاشياء من جديد , وفي النهاية ,أخذ الكتاب الديني ووضعه تحت أِبطه, ورفع مسكوكة الذهب وادخلها في جيبه , وتناول السكارة وثبتها بأعلى أذنه , ومسك بقنينة الخمر ففتحها وتناول جرعة كبيرة منها … وانطلق خارجا…
وتملكت الاب صدمة الموقف واسند نفسه الى الجدار, لتدخل الام مسرعة منتظرة النتيحة لتستغرب من وجوم زوجها : ما بك؟
فتمتم بصوت خافت يراقب الغرفة الفارغة من حوله, وكأنه يخشى ان يسمعه احد:
: الهي , يا امراة, هذه كارثة فقد تخلى ولدي عن مهنة ابائه , والفاجعة الأكبر انه سيكون رجل سياسة .
………………
bahaaldeen@hotmail.com
bahaa_ideen@yahoo.com