ألوذ بالفرار كلما شرع يزخرف لي المستقبل و يضفي بعضا من كلمات التملق. مؤطرا أياها بأبتسامة بريئة واعدة. قلب المراه بحر من الأسرار الذي لا يغوص بها الا الرجل الواثق, الذي يرى قاع البحر بوضوح. لم يغص عميقا, عشا بصره في منتصف المسافة بين السطح و القاع, ورجع الى السطح لاهثا يستنشق الهواء, ينشق انفه و قد أعترته نشوة خابية انه حقق المراد, عاد الى النقطة الانطلاق من دون أي أنجاز. صارع مرارا كي يحضى بتلك اللؤلؤة التي تصور اليه سرابا منعكسا على السطح, كلما ظن انه دنا منه, أبتعد عنه حتى أمسك صورته التي تلاشت بين أصابعه.
لم يعترف بهزيمته بل ظل يراوغ ضنونه و مخاوفه و يقنع نفسه أننا على ما يرام.
كان يعرف أنه امام مناجزة لا يفلح الا حين يصرع الخوف الذي تمكن منه, و الهون الذي لا يقوى على مقارعته.. احيانا لا يكفي ان تختار, بل يجب ان تكون أهلا لذلك الشئ الذي أخترته و الا فالاختيار يتحول الى هم يجبلك على ان تسلك طريق الحزن و الهم و الأرق.
شعرت ان ما عليّ ان احرره من نفسه التي القت به الى قبو معتم أسماه الحب. لا يمكن ان تكون المراه متكاملة من دون القليل من الذكاء و القليل من السم.. لان الرجل يحب المراه التي تفكر بجدية قبل قبول التحدي. المراه التي يقضي أياما يفك طلاسم كلاماتها, و يحلل ما تقوله له أشباحها..
لم نكن كالعديد من الأزواج, نقضي أوقاتنا معا, نمزح و نقهقه, بل نرمق بعضنا بنظرات خاطفة حين نمرق بطريق واحد.. كل واحد منا ينتظر المبادرة من الاخر.. و كأننا في هدنة, و على أحدنا ان يخرقها كي تعود الوغى الى ضراوتها و ضغينتها ثانية.. كنت أحترز أحيانا بالظلام و أحيانا اخرى بالسقم كي أتجنبه.. و لم يكن الا راغبا بهكذا نزال خفي صامت..
قررت أخيرا ان أخرق الهدنة:
– هل نستطيع؟
– أعتقد ذلك!
– لا يبدو كأنك واثق؟
– أتثقين؟
– أتفقنا ان لا نرد بسؤال!
– انا لست واثق.
– و لا أنا.
– متى؟
– غدا.
– ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتتحرر.
– و أنت ايضا.
– أخر سؤال و نحن متزوجان… هل ندمت؟
– لا أشك بذلك.
على المراه احيانا ان تبادر بتعجيل الامور, حتى لا تفقد شيئا من كبريائها, و لتبقى أنوثتها على علو من ان تطأها دموع التضرع او كلمات الاستسلام و الخضوع. ان ترافقت الأنوثة و الكبرياء تكون أكثر فتكا من السم الذي تلوث به أصابعها, و الذي تعده احيانا و تتذوقه.. لا احد يعلم بتلك الدهاليز المظلمة, فهي عصية على عقولهم الزجاجية.
– أنها بأنتظارنا, انها الخيار الوحيد..
– هل لا زلت تتحدثين عن الخيارات..
– هنـــــاك شرط واحد..
– هل أنت خائفة؟
– اذا لم أطمئن سأرجع..
أنطلقت بنا السيارة شمالا, الشمس تسطع كلما تقدمنا, أزددت تعرقا و ريقي يجف.
– ان غيرتي رأيك سنعود.
– لا.
مقصدنا كان بيتا لم أرى مثله من قبل, مبني من طين و مسقوف بالواح المنيوم, لا معلم للحياة سوى العبث و كأنه مسكون.. قادتنا أمراه سوداء طويلة الى غرفة منعزلة عن بقية البيت, تتكلم بلهجة غريبة بعض الشئ, توجست منها خيفة, الا ان أصراري على انه اليوم الاخير, دفعني الى المضي خلفها و أجابتها بأقل قدر ممكن من الكلمات.
لم أخطو الى الحجرة, فقلبي يخفق وجلا و أزدراءا. فسألت نفسي هل أقدر ان ألقي به من الامان بين أحشائي الى مكب النفايات هذا؟
في الطريق, أوقف السيارة في منصف الارض القاحلة الني نجوب به منذ ساعة, استطرد قائلا:
– أعلم انك تحبينه أكثر مما تكرهين البقاء معي.
– هل أحبه,, حقا؟
– لم لم ترميه بين قطع القطن الملوثة بالدم؟
– لا يستحق ان يموت بهذا المكان..
– ستكتشفين انك تحبيني مثلما أكتشفتي انك تحبينه اليوم.
– هل سنعود الى البيت؟
– علينا ذلك.
—