إن وراء كل رغبة دافع، يحركه ويقوده نحو ما يريد تحقيقه، هذا التحقيق هو الحصول على اللذة مهما كان نوعها، ولا تنحصر اللذة على نوع واحد فقط، فاللذة التي يحققها الفرد الذي يشعر بالتباهي هو الفخر، والشخص الذي يرغب بالإمتلاك، بدفعه حب التملك، وتزداد سمات الانانية في شخصيته أكثر من السمات الأخرى، والشخصية المبدعة ترغب في ايجاد الجديد من رحم القديم ولكن مختلف عنه، ويتخلق من خلاله، وتدلنا معرفتنا بالنفس الإنسانية بأن وجود الإنسان هو رغبة في رغبة، ورغبته لا تكون إلا بوجود رغبة آخر، لذا لا يمكن أن تكون رغبة بمعزل عن رغبة أخرى أو في فراغ، ولا وجود لها إلا في موقف محدد معين تنشأ لادائه موضوع محدد، قد تكون رغبة جنسية، أو رغبة في التفوق لسد عقدة الشعور بالنقص، أو رغبة الامتلاك، أو الرغبة في النجاح وتجنب ألم الفشل ، ويمكننا القول أن الرغبة تعبر عن نمط شخصية الإنسان، وهكذا فإن الرغبات تخفي وراءها دوافع، ولو استعرضنا بشكل علمي تعريف الرغبة كما عرفتها موسوعة علم النفس والتحليل النفسي بأنها إحساس الفرد بأن شيئًا ما سوف يشبع حاجته أو يسبب له الرضا والارتياح، مثل رغبة الجائع في تناول الطعام. أو رغبة الطالب المجتهد في تحقيق أعلى درجات يستطيع أن يتنافس بها مع الآخرين، وفي التحليل النفسي كما تذكر الموسوعة نفسها، تشير الرغبة إلى أحد قطبي الصراع الدينامي بين الرغبة اللاشعورية التي تنزع للتحقق ونقيضها، وترتبط الرغبة عادة بالآثار الذكورية، وقد تجد سبيلًا للإشباع في شكل هلوسي بديل كما نرى في الاحلام على سبيل المثال، أو في إشباع الرغبة في مستوى تفعيلي في الانحرافات، أو في إشباع متخيل بديل كما نرى في الاضطرابات النفسية. والرغبة كمصطلح في علم النفس تشير إلى ذلك الدافع الشعوري أو اللاشعوري لبلوغ هدف ما، وليس من الضروري أن تكون الرغبة مصحوبة بنزوع لتحقيق هذا الهدف.
تؤكد دراسات علم نفس الاعماق أن الإنسان وجود لا يتحقق إلا بوجود آخر، هذا الآخر هو رغبة. تقود هذه الرغبة إلى كشف في الإنسان، وكشف في الإنسان يقود إلى فهم للمرض، معرفة تقود إلى شفاء، وشفاء يتحقق من خلال معرفة ..كما عبر عن ذلك “د. فرج احمد فرج” رحمه الله.
أن الرغبة هي نرجسية في ذات الإنسان، فالسياسي يبحث عن تحقيق رغباته من خلال لفت أنظارنا له عندما يكشف عن مدى عمق الارتباط بين عشق السلطة وما تنطوي عليه من بعد نرجسي سرابي لا يرتوي أبدًا، والتاجر الذي لا يشبع إطلاقًا في اكتناز الاموال والحصول عليها حتى لو تعرض للسجن، أو التشهير أو المطارده ، وهي نرجسية عالية لا يمكن السيطرة عليها في ذاته، والفنان الذي يبحث دائمًا عن تحقيق الرغبة في التفوق وإظهار كل ما لديه من ابداع يؤديه في كل عمل، هذه الرغبات التي تجد لها سبيلا مقبولا اجتماعيا ولكن يراود صاحبها القلق والصراع وظهور العوائق الداخلية “الذاتية” والخارجية البيئية وربما الاحباط ، لذا أن علماء النفس يؤكدون دائما قولهم أن النفس البشرية ليست مجالًا متناسقًا، بل هي أِشبه بأرض معركة تسود فيها الصراعات بين الدوافع المختلفة والرغبات المجنونة، ومن تلك الرغبات، الرغبات الجنسية المحرمة، وحتى الرغبات الجنسية غير المحرمة، بها من النرجسية التي يسعى اليها الإنسان خلال مسيرة حياته، ويقول ” د.مصطفى زيور” رحمه الله أن الإنسان لا يرغب إلا ما يرغب الآخر، أي إن ما يجعل موضوعًا ما محط رغبة هو “وساطة” رغبة آخر هو أن الآخر يرغب هذا الموضوع.
وفي حديثنا عن الرغبات المقموعة التي نلمسها لدى بعض الناس، أو ممن يشعرون بها لكن لا يعرفون أسباب حدوثها فنجد حالة الرجل الذي يحب زوجته حبًا بولع، ومع ذلك فهو عاجز عن ممارسة الجنس معها، ولكن هذا الفعل الجنسي ممكن بالنسبة إليه إذا تعامل مع البغايا، أو بنات الشوارع، أو يكون سعيدًا جدا في جلسات الغجر ويستمتع بلذة ليست لها مثيل، أنها الرغبة المقموعة، يقول”بيير داكو” يعقد شاب خطبته عدة مرات، وكانت كل خطوبة رسمية منها تغرقه في حالة من الحصر والقلق يخرج منها مستعملًا سائر أنواع المناورات التي تؤدي إلى فسخ الخطوبة، ولكنه يتردد، في غضون ذلك، على “بنات الهوى” ويمارس الجنس معهن بنجاح منقطع النظير، فماذا يحث؟ أن الصورة التي خزنها هذا الرجل في طفولته عن المرأة، هي صورة أمه، الشريفه ، العفيفه، فكيف يمارس الجنس مع من تشبه أمه في الخلق والأدب، وربما التقوى، فيذهب إلى نقيض صورة أمه ، وهن بنات الهوى، ومن يبعن الجنس، ويستمتع أيما استمتاع بجلسات الغجر ورقصهن ومخالطتهن بسعادة دائمة، وينجح في ممارسة الجنس مع من تستهويه، أنه تثبيت في مرحلة الطفولة على الأم، وفي هذه الحالة “يتثبت” الأبن على أمه، ويتوحد بأمه. وهنا تكون الرغبة الجنسية مرتبطة باحترام مطلق إزاء أمه، وينقل الصبي هذا الحب والاحترام على جميع النساء اللاتي يشبهن أمه، وعندما يبلغ سن الرشد، يحاول الصبي أن يتجه نحو النساء الأخريات، ولكنه ينقل الحب الطاهر إلى هؤلاء النسوة، إنه يصبح عاجزًا في تحقيق العلاقة بين الحب وبين الفعل الجنسي، ويصبح كل حب يعانيه احترامًا مطلقًا يمنع كل فعل جنسي، ولكنه ينجح مع من تختلف في سلوكها مع أمه. ويرى علماء النفس أن على الأم أن تحب ابنها دون أن تتعلق به، صحيح أنه أمر صعب جدًا ولكن آثاره لا تظهر إلا في البلوغ، ودائما ترغب الأم لاشعوريا في أن يبقى ولدها”صبيًا صغيرًا” أطول مدة ممكنة، وهي في ذلك تحاول أن تخنث أبنها كي يبقى نفسيًا بقربها، وهي لا تدري ما ستكون النتائج في بلوغه، وكيف ستكون شخصيته؟ فيفقد إدارة قارب الحياة ويكون لديه رغبات مقموعة لا حصر لها.
—————————
– استاذ جامعي وباحث نفسي
– elemara_32@hotmail.com
—