التجربة الشعرية حضور ذهني يتكىء على ثيمة موضوعية تؤكد النسق المتجاوز عبر الوعي الفكري بمنظور ابداعي يشكل امتدادا لمعطيات الزمن وصراعاته..لذا فهي رؤيا مغامرة يخوض غمارها المنتج(الشاعر) المسكون بهاجس التحديث واختراق صمت الكتابة وتجاوز المعايير المتداولة ببناء لغوي يوظف امكانات اللغة الصوتية والتصويرية والايحائية والوجدانية لايصال الفكرة المضمونية التي يحتضنها المبنى السردي..كون المهمه الاجتماعية تفرض التفاعل بين المنتج والوجود بكل تناقضاته ليخلق نتاجا واقعيا مؤثرا ومستفزا لذهن المستهلك(المتلقي) ناتجا عن نظرة متأملة وفكر واع..
والشاعر علي الامارة في منجزه الشعري( ابوذيات وموالات بالفصحى وقصائد اخرى) يحقيق حيزه الابداعي فتسهم شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة في نشره وانتشاره/2015….كونه يجاري الفصيح لما فيه من بلاغة وبيان وصور شعرية مستفزة للذاكرة..
حبيبي حبه في القلب حلا
اصيح وكـل شيء في حلا
لقد ورطــتني فــاريــد حلا
والا لن ترى مني بقية /ص25
جارت علينا التي تصبو لها ما لها؟
كأننا قـد سلبنا فــي الهــوى ما لها
ونحن قلب على طول النوى ما لها
ايامــنا انـفرطت فالسبت صار احد
وحبـــها صار من كل السيوف احد
ولم نفضل عليــها فــي الزمان احد
لكنها ميلة والقلب ذا ما لها /ص39
فالشاعر في نصه يمارس ذاتيته باخلاص حتى في تعبيراته عن ازمته..كونه يمتلك حساسية قلقة..مضطربة تكشف عن كوامن النفس الانسانية بلغة موحية اسهمت في تطوير البناء الدرامي للنص فاستطاع الشاعر من ان يخترق نفس المستهلك(المتلقي) ويستقر في مركز عواطفه عبر عالم مرئي معتمدا الرؤية الواقعية والموقف..
داري عذاباتنا بـعد النـــــــــــوى داري
كيف اختفت بعـد ان عانـــــــقتها داري
قال: اللظى..قلـت:اني بالــــــلظى داري
قال:الظما..قلت:حاول ان تـــرى ما ءنا
قال:الــدما..قلـــت:لم تفـــهم اذن ما انا
قال: احتمل جمرنا:..قلت: احتمل ماءنا
قال:الردى صاحبي..قلت: الردى داري /ص49
فالشاعر في نصه يحقق حركة المشهد وعاطفته مع نبرات حادة في نهايتها التي تجنح الى الغنائية التي تصاحبها النبرات المموسقة التي تعتمد الجو الايقاعي لعكس مناخ نفسي يثير الانتباه ويحرك الذاكرة بتكثيف العبارة وايجازها بالابتعاد عن الاستطراد واحتفاظ الشاعر بما يراه مناسبا لكيان التجربة الشعرية.. لذا فهو يتجاذب الحزن والالم برؤية كاشفة عن احساس ذات الشاعر الذي وظف ضمير المتكلم ليشكل المدار الدلالي لافقه الشعري وما يحيطه من خلال ومضاته الشعرية التي تتطلب وعيا بلاغيا وخزينا لفظيا متدفقا بدلالاته المكثفة..لذا فهو يبرز الحيز الوجداني في نصه لما يمثله من ارتباطات فكرية وروحية وسط تداعيات ذهنية واحلام يقظة تكشف عن كوامن النفس الانسانية بتوظيف الاشياء بطريقة موحية اسهمت في تطوير البناء الحركي للنص..
للوردة لخضراء
وجه في مرايا البوح
يبرق في الخفاء
صوت له تصغي الصخور
ويستظل به الحياء…
لغة الورود قصيدة
يشدو بها عطر
وينثرها على الزمن الوفاء
لا شيء يطوي كل هذا البعد
الا وردة….من كبرياء
للوردة الخضراء انهار المحبة
حين يسفح
في المدى حلم وماء
الوردة الخضراء مريم..
حين ياتيها المخاض
فتنتشي بالانبياء… ص92 ـ ص93
فالنص بمجمل تحركاته الرامزة وسرديته الشاعرة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية باسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها الجملية المتجاوزة والمتشكلة وفق تصميم ينم عن اشتغال حداثوي يعتمد الجزئيات وينسجها رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني من خلال ابحار الشاعر في خضم الذاكرة واعتماد اسلوب الاسترجاع لتشكيل صوره الشعرية التي هي عنصر بناء عضوي بصفتها(مجموعة ثقافية وعاطفية معقدة في برهة من الزمن) على حد تعبير ازرا باوند.. فكانت كثافة النص تجمع الايحاءات النفسية والحلمية والفنية بنثر تفعيلاته الشعرية(ليوهمنا بحداثة النص الذي حقيقته نص عمودي يكشف عن ذلك القافية الموحدة(اخفاء/الحياء/الوفاء/كبرياء/انبياء..)..مع اعتماد المفردة ككيان قائم بذاته..هذا يعني ان النص ينفتح على افق تجريبي من اجل اثبات وجوده وديمومته.فكان متميزا بجمله القصيرة..المركزة بشكل ضربات متوالية..
يابصرة الحب يبقى الحب والالق
أبقى اغنيك حتى ينفد الرمق
أبقى اغنيك مفتونا ومضطربا
حتى كاني اذا غنيت احترق
مدي يديك فما شط الغرام بنا
خوف الفراق ولا ضاقت بنا الطرق
ما زال كل احتراق نحن جذوته
وما نزال على الاوجاع نأتلق
هذا انا قادم من كل ناحية
يمشي معي صاحباي:الشعر والقلق
وكل ذرة رمل فيك ترقبني
لاجلها بجدار الموت التصق
فالنص مثقل بفضاءات المعنى وبؤر الاثارة الجمالية عبر نسيج شعري يتشكل من علامات تربط ما بين الدال والمدلول(التصور)..فضلا عن انه محمل بوجع ذاتي ونداء خفي وهو يقترب بتقنياته من الحكائية الشعرية بتوظيفه ضمير المتكلم والوصف والابتداء بفعل حركي قائم على انعكاس الحالة النفسية التي تترجم احاسيسها وانفعالاتها بنسيج يحقق وظيفته من خلال الفكرة والعمل داخل اللغة عن طريق خلق علاقات بين المفردات بوحدة عضوية متميزة بعالمها المتناسق جماليا مع دقة تعبيرية بالفاظ موحية ودلالة مكثفة بتوظيف تقانات فنية محركة للنص كالرمز السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعريته واتساع مساحة دلالته التي تجرنا الى قول النفري الصوفي(كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى..)..اضافة الى انسنتها للجمادات وجعلها فاعلة ومتفاعلة في البناء النصي والحدثي..
وكنت حيث نقلت الخطو في سفر
رايت وجهك مثل النبع ينبثق
المه بشغاف القلب احمله
فوق الجفون هوى عذبا وانطلق /ص127
..فضلا عن توظيفه تقنية التكرار الدلالة الاسلوبية التي تشير للتوكيد وازالة الشك باعتبارها ظاهرة صوتية تحتضن دلالة نفسية وعاطفية خارج الذات فتعبر عن الحالة القلقة التي يعانيها الشاعر وهو يقدم نصا اعتمد التكثيف والرمز بصمت ايحائي مقروء..مستفز للذهنية المتأملة لما خلف الالفاظ من اجل استنطاقها لتحقيق ذروة المتعة الشعرية والمنفعة الفكرية..
وبذلك استطاع الشاعر ان يخط بالحرف ويرسم صوره على الافق متجاوزا القوالب الجاهزة لينتج نصوصا تتماشى وفعل الحياة وصيرورتها..لارتباط راهنيتها بتحولات تقنية ونفسية استحوذت على جغرافية الواقع والعصر..باعتماد المضامين الوجدانية والانسانية..باتساع مديات الرؤية وطاقة اللفظ الجوهرية من اجل تحقيق فعل النص بتكثيف العبارة وتعميق الفكرة المضمونية عبر جمالية اللغة وانزياح المعنى..
—