مشرق جبار :
طرزنا الزمن بالأرقام
وأرتديناهُ ثوباً ضيقاً
ولشدة التصاقهِ بنا
ترك فينا خطوط التجاعيد
كورقة مجعده
ثقبنا الأرض آباراً للنفط وللماء
كامرأة بائسه تثقب ورقةً عليها اسماء حسادها
وتحرقها؛ كي تجلب الرزق
أنشأنا طرق رجعية لمسيرتنا نحو المستقبل
ومضينا بخطوات تتبع آثار خطانا عكساً
حتى نشأ الصراع فينا إعصاراً
كأنه حبلٌ ممتدٌ بين الأرض و السماء
يعصر الأشياء .. ويعصرنا !
وغبار يمتص الهواء؛ فلا هواء
لم تكن الحياة سهلةً
كأنها لغة قديمة جدا
وكأننا اطفال نتهجى حروفها
وفي الفم قلمٌ نعضه من الخلف لكسر الملل
لم يكن للحياة ميزان ذو كفتين
بل عدة أكفَّ ، وكل كفةٍ تحمل
ما حمل الوجود من معانيه وأشيائه
الخاوية .. كالطين الذابل
في الحياة لا توازن للأكفِّ
ما دام المنتصف خاليا من المرتكز!!
والمسافة منكسرة
لم تعد المرأة آلهة تقدس كما كان
بل شماعة تعلق عليها الخطيئة
وكأس عقلٍ يشرب نصفه الرجلُ ليمتلئ
ولم تكن الامم ذات اللغة الواحدة مسالمة فيما بينها
بل حروبهم لهجات متعددة
حتى أن سقوف بيوتهم مهترئه
ففي تحت احدها
كانت الأم تخبئ قنينة النفط
بعد ملء المدفأة
وحينما ذهبت لتشتري الطعام
شربتهُ ابنتها الصغيرة
ظنها ستشعر بالدفيء من تلقاء نفسها!!
تخلى الليل عن نجومه
واصبح مجرد حجاب لأرملة
تخلى الضوء عن مصابيحه
وأصبح مجرد لعاب يسيل من فم كلب
حتى أضعنا السلام
كطفلٍ ضاعَ في السوق
وكل البقالين ينادون باسماء الحروب
ولا ينادون باسمهِ!!
حينما يتكيف البشر مع الحرب
يولد سلاماً مسخاً، كحمامةٍ معوقة
تدهسها الريح من كل الجهات
وحينما نتكيف تحت عدلٍ اعوج
يأكل الظل نصفنا
وحينما نتكيف مع زمنٍ
زمنٌ كنهر أغلقوا منفذه حتى تخثر
نكون كطحالب يابسة تلتهمها الريح
لملم أوراق الخريف
صيرها ثوباً او خيمةً لكل يتيمٍ وهارب
-الهارب الذي سقط ظله في البئر-
صير من قضيب الدبابة نايا
تعزف به ليبكي العدو على القتلى
ومدَّ يدكَ مسافة ضوءٍ من نافذة
وضع رأسك تحت الميزان مرتكزاً
كعجوزٍ يضع على رأسهِ قَدِر الحلوى
وكحل حاجبي الطريق
كما تكحل العذراء حاجبيها
فكم من طائرة حربية نفثت دخانها حبالاً
فلم تُكبل خطى الغيم
وكم من مكوك فضائي غادر الأرض
فلم يثقب مظلة السماء
—