حسين السنيد :
في ركن منسي من البلاد , هناك قرية تدعى قرية البتران .وهذه القرية الحدودية كانت ميدانا للمعارك الدامية مع البلد الجار لسنين طويلة . لا يتذكرون اهالي قرية البتران كيف ولماذا نشبت الحرب ,ولكنهم يذكرون جيدا كيف انتهت . و في الحقيقة لم تكن الحرب انتهت تماما في هذه القرية ,بل تركت اطفالا بشعين مخفيين في طرقها ومزارعها . و اخفتهم بشكل جيد تحت الارض . اذ لسنين طويلة بعد انتهاء الحرب كانت تنفجر الالغام النائمة المتروكة على اهل هذه القرية, فتحصد ارواحهم او تبتر اقدامهم او اياديهم اذا كانوا محظوظين.
تمطر مزنةعابرة ..فتنفجر الالغام الزاحفة مع المياه على جرف النهر بوجه فتاة جائت لتغسل ملابسها , او يأتون عمالا من المدينة ليكسون شارعا فيه المدرسة الوحيدة في القرية فينفجر عليهم لغم , او يذهبون اطفال القرية ليلعبون في مزارع اطراف القرية بين النخيل والسنابل فيجدون لغما عجوزا بانتظارهم و ينتهي يوم اللعب بصوت انفجار يصل الى مسامع ابائهم من بعيد.
و هكذا كل ساكن في هذه القرية فقد جزءا من جسمه اثر انفجار لغم قديم ..ولذلك سميت بقرية البتران .
و مع مرور الزمن وتوالي السنوات ,صاروا ينجبون اطفالا بتران ايضا !! ربما بسبب طفرة جينية او وراثة من الاباء او اي سبب بايلوجي آخر,و ربما ابائهم كانوا ينامون مع الالغام في الفراش و الامهات الحوامل تتوحم الالغام ! لا اعرف سببا واضحا لهذا,ولكن الاطفال بدأوا يولدون بيد ناقصة او برجل واحدة.
و اذا وقفت امام باب المدرسة في وقت الظهرسترى اطفالا يخرجون بقدم واحدة , يتقافزون مثل افراخ الارانب او يحملون حقائبهم بيد وحيدة و البعض منهم كانوا بدون اقدام اصلا و يزحفون على الارض مثل الديدان.
و ذات فجر بارد ,ولد طفل و كان الطفل مشوها . و كما تعرفون فان الاخبار تنتقل بسرعة البرق في مثل هذه القرى الصغيرة . في غضون ساعات قليلة انتشر خبر ولادة الطفل المشوه في القرية و رحن النساء يتكلمن بحماس و يشكرن الرب لان ولدن اطفالا بصحة تامة وخلقة كاملة ,وفي اليوم الثاني كان الطفل المشوه اصبح حديث القرية الحار و الكل يتكلم عن مدى بشاعة هذا الطفل المشوه والذي ولد بيدين و رجلين !!
لطمت ام الطفل وجهها و خمشته حتى ادمته ,وحزن الاب حزنا شديدا و فضل ان يترك القرية لايام خجلا وخوفا من مواجهة الرجال . في النهاية لم يكن في يد الوالدين حيلة , كان عليهم ان يواجهوا مصيرهم بالاهتمام بهذا الوليد المشوه ذا القدمين واليدين.
بعد سبع سنين ..
وقف ذلك الطفل المشوه على ابواب المدرسة , تسمر كل الطلاب و راحوا ينظرون بذهول معجون بخوف لهذا المخلوق , الذي كان له رجلين و يدين ويستعين بعكازتين للمشي!
وهذا اليوم كان آخر يوم لي في القرية ..قرية البتران , فسبع سنين قضيتها طبيبا في مستوصف القرية الصحي كانت كافية ليوافقوا على طلب نقلي للمدينة وان يرسلوا طبيبا تخرج للتو بدلا عني . ربما بعد سنين سارجع زائرا لهذه القرية لارى الطفل المعاق , وساصرخ في وجهه , ارم عكازتيك !
و انت يا قارئي الكريم.. ان وجهك ليس غريبا علي ابدا , اين التقينا يا ترى ؟ اين رأيتك؟ ..دعني اتذكر .. ها ..ها ..الم تكن انت احد اهالي قرية البتران ؟ ارني قدمك ..هل لك قدما مبتروة ؟ اوانك تمشي على عكازتين؟
—