مختارات من عقيل علي
المِرْآةُ
كَمَا لَوْ جَمَعَتْنَا مِرْآةٌ
كُنَّا نُحَدِّقُ بِالأَمْسِ
مَعَ كُلِّ قُبْلَة.
َمرْثِيَة
إلى عَبد الأمير الحُصَيري
كَانَ يُطِيلُ التَرَقُّبَ فِي وَدَاعِ حُضُورِهِ
ذَائِباً فِي ضَيْقِ اللَّحْظَةِ
يُحَدقُ بُِِشُحُوبِ البَهْجَةِ، وأَرْضُهُ قَدْ تَقَهْقَرَتْ
يُخْضِعُ مَا تَبَقَّى مِنَ الصَحْوِ
وَيَتَوَالَدُ مِنْ عَشِيَاتِ الشطُط.
“لاَ مَفَرَّ لَكَ
لاَ مَفَرَّ…”
أَيَةُ سَمَاءٍ تَرْتَكِزُ عَلَى حَتْفِكَ
دَائِماً
أَنْتَ، يَا طَائِرَ الغِنَاء؟
هُنَاكَ تَرْقُدُ ثمَالَةَ الجَسَدِ
هُنَاكَ تَلْتَقِي الثِمَارُ فِي مَرْقَى الدُمُوعِ
هُنَاكَ… ابْتَلَعَتِ الشَمْسُ ظُلُمَات قَلْبك
بِلا رَحْمَةٍ تَقَيَّأت الظُلُمَاتُ ثِمَارَ قَلْبك
كُنْتُ أبْقِي عَلَيْك آفَلاً فِي الزَّوْبَعَةِ المِيتَةِ
وَكُنْتُ، بِلاَ هَوَادَةٍ،
أَقْلبُ فُصُولَ وَحْدَتِكَ.
طير فضاء روحك
وروحك ليست ببعيدة عن داخل روحك
أنت أدرى بالنسائم تغفوا في روحك
أناملها الناحلة تداعب رغباتك
حيث المياه الطاهرة
في مدها وجزرها تمضغ وجعها على مهل
العذابات التي تجمدت فيها كل الانتباهات الثابتة
تابوت يخلع اظفاره
أولئك الذين حدقوا في الظلام كثيراً
لن يعرفوا البهجة
كذا لن يسمعوا لهجة الشمس التي تصرخ من الألم
ولن يسمعوا اغنيتها الصادحة.
مؤكداً
مؤكِّداً… مؤكِّداً أنَّني مسحوقٌ بفراغِ الطموحِ، لأنَّني لم أنتهِ بعدْ
أهرَعُ إلى أعدائيَ الأكيدينَ… ألوذُ بهم… أسْتَنْجِدُهُمْ، ومعَ ذلك
فإنني أحلُمُ وأحلُمُ، لذا أَتَعَذَّبُ، هكذا
هذه لعبةٌ لن يفهمَها الأولادُ، لأن هناكَ موتىِّ يتكلِّمونَ بضميرِ الحاضر
لأنَّ هناكَ أفراحاً زائفَةً، وكلماتٍ باطلةً يجبُ أنت تُقال
ومعَ ذلكَ، فإنني مطمئنٌ بكثير من الحذرِ إلى حرَّيتي
أودِّعُ يوماً، وأستقبِلُ آخر، وأبدأُ الثأر
أضرطُ على حياتي… أضرطُ… أضرط بكلِّ قواي الإنسانية
أدغدِغُها بضرباتٍ جدّ مؤلمة، بنفاذ صبرٍ لا خوفَ منه
ثم أتأمَّلُ أشلاءَها بهدوءٍ ورجاحةٍ- كنتُ فيما مضى لا أتوقُ لشيء،
مُضحكاً إلى حدِّ البكاء، ومتسائلاً بلا هوادةٍ: ما العمَل؟
وبعدَ أن يتلاشى أحدُنا بالآخر، أنَدِّدُ بها، أُلَوِّحُ بها، تاركاً ذخيرتي
من البديهيّات تنفذُ إلى آخر قطرةٍ، ساخراً حدَّ الشماتة
مؤكِّداً… مؤكِّداً أن صوتيَ غيرُ مميِّزٍ وسطَ هذه الضوضاء
وأنَّي مصابٌ بسيلانِ الألَمِ المُزمِن.
عندما يشع الاحفاد
المرايا واحدة
والايام واحدة أيضاً
هذا ماقاله الصبي حين تهشمت لعبته
وحار بترتيب أيامه
تعال أيها الصبي
كي نتعلم أشياء جديدة
فليس من السهل أن نقول كل ما نريد قوله
حياتك التفاتة للنور
كذلك اطراقتك
ابق
ذاك النبيل
ولا تنثن.
يا امرأة الخراب … ويا قصيدة حبي ..
تجعل نفسها ملكاً على دمي ..
هي نفسها ..
وتجعل نفسها قطة ..
تملك الحلم واليقظة ..
خذ رأسي والبسه قدرك ..
خذ صيفي وأجعله جسداً بقمر له لون العطب ..
ومن أصابعي أجعل أزمانك تتولى ..
أية حياةٍ مأهولة كنت؟
وأي يدين احتملتاني مبللاً بالجنون..
أتوسل للرجل أن يمنحني أعشابه..
وأن ينصف بقطعي..
توّسلت للرجل ذاته أن لا يكون المطعون ..
وأن لا تسفح أغنيتنا..
لكنها تجعل نفسها متاهةً على فمي..
ولأيماءة..
تقطع القصيدة..
وتجعل قلبي على السارية..
انظر..
إني أقضم الفرحة المغلقة الأجفان..
وأدثر مركبتك بموجة..
أنظر إني أقطع فيك الساحة..
وعليّ رداءً من أيامك..
***
أعبر منك..
ولا شيء يغزو مكاني غير دمك ..
اجعل الخطوة بيتك ..
وافتح الباب لعناق الشجر ..
من أين ستقودينني نحو نهارك؟
ذلك النهار الذي يسكن وجهك ..
ويترك في الظل نشيج المغني ..
واضحاً في ضجة الحضور ..
محترقاً في الهدأة ..
أعبر منك. تتملكينني. ..
قريباً من لحظتك
لماذا هذا الليل.. رجل واحد تجعلين نفسك شاهداً على فمه؟
يرتفع قلبي للسقوط ..
فتراهنين على الدائرة بكل الأنقاض..
ولا تبقين غير نجمة واحدة تتلوى خلفه ..
مخدوعة أن تتقدم ..
أنظر.. أنظر
أني أقطع فيك العزلة..
وعلي رداءً من أيامك..
***
هل يتقدم نحوك ذلك الضوء؟
والطفل في عينيك كل هذه الأصوات ..
كما لو أنه يمتلك من يدك فتقولين لا تأخذها بعيداً ..
فيرفع بصره نحو البحر.
وينادي على ذلك الحصان ..
ماذا تعطين لأسمي؟
أحياناً عنقوداً مضيئاً مثل ساحل ..
أنا أمسكه فاسمع رأسي يتقدّم نحوك ..
أحياناً زمناً راكداً ..
كان سماءً لم تطلها يدي ..
مارش لدون كيخوته
ولكن، آه، أيها المتوحد، فلتبتهج!
ففي يديك العاريتين تتلامع بضع شظايا
متوهجة!
بقية ليل قتالي، عزيز، راحل.
((اوكتافيو باث))
انها المساحة نفسها
انها الروح نفسها
لروح المرتلة من عبء حملها، الذي يرشح
بالازرق نفسه
نشيد تحوكه اصابع الشمس
وتاريخ لانعرف من شيده! ولمن!؟
انه المتوحد
انه يمم روحه صوب انهيال شمس السناء
الجاحدة
انه نقطة الماء المشطورة
لقد صارع
لسانه النحيل ينطق ببعض كلمات أخيرة
والآن
هوذا زمن حضوره الآخر
زمن حضوره الذي يقلب النهر
وينحت سحابة ضد كارهي الدلافين
وضد كارهي طير المنابع الحارقة
انه المتوحد
انه الفضاء، واحشاؤه، انه الفضاء نفسه
أمام الملأ
حزمة من النجوم لطخت المرايا بشمس
النبوءات
كانت تلك معركة أخيرة
معركة الأفراح الأخيرة
ياللهفة
أفراح صغيرة متآكلة من اللهفة
كانت المعركة الأخيرة
للمتوحد الذي رصدت اسمه الجمرة التي
انحنت له.
تقدم
تقدم بصدرك الهزيل، ولا تأبه بشيء
يازمنا من عقيق
يعلن بدقاته انهيار مرتقى الشمس
ان الكلام يتنفس من زوبعتك
والقوة القديرة
أمان ناضجة – هي حبيبة لعناتنا
لكنه الزمن نفسه
إذا ما تحدثنا بغير المألوف
كمن يقذف بعيداً صيفا لا صلاح فيه.
اقتربي يا غدران
هيئي زهور اسمه الهاذي
انه يهيء موعداً مع العناصر، تحت رحمة
الغبار
غبار المعركة الأخيرة
ونشيج الظلام الذي يكسر قلب الريح.
لكن أيضاً
هي ذي الزهرة الفانية
تحرك من ليلها الأخضر بدءاً جديدا لك
وتقود الضحى الاعمى إلى زريبته.