كان بيتنا كوناً وسطاً في عالم متناقض,قطعةمن بناء روحي جميل,يشعرني بألفة يومية بعيدة عن الملل ,لا يتسرب أليه الرفض ,تهفهفلغتهُ في فضاء علاقاتنا المتشابكة ,فيه من الضوء بقدرما فيه من الظلمة سـراً وعلانية كان سديما واسعاً,اختفت بعض نجومه مع بزوغ الحرب وغاب البعض في مواسم السفر وظلت رغباتهم معلقة على جدار الذكريات.لغة الشتاء في بيتنا حطب المواقد ولغة الصيف نور وشمس ولعب أطفال, استعار من الربيع اخضرار النفوس ونمو الأفكار ,ومن الخريف شيب الذوائب. كان بيتنا يقف على تلة مبهمة الارتفاع, يسرق ضوء الفراغ ويعتقه داخل الكلمات فيضيء به أرواحناويزيح الظلمة عن شخصياتنا, صارع كثيراًضد المطر ،خفف عن أذاننا صوت الصواعق ,منع الرياح ,أغلق المزاليج بوجه العواصف ,أذاب بدفئهِ ثلج الصقيع وصد بكفه عيون الحاسدين . أبي وأمي يكونان البيت أمي :تملأ المكان بطيب ثيابها وموقد دفئها ,وأنوثتها وحنانها وحفاظها على مكنوناتنا بخوف يتوالد يومياً ,بألوان تنبع من طبيعة روحها الناظرة بعشق الى محتويات البيت,وطرقها السرية للدخول إلى قلوبنا ، عواطفها(مشروع البوح المختفي وراء اللسان) . حملت أمي كل ماضي أبي وحكاياته الليلية المنقوعة بالهمس و زرعت كل بساتين الألفة ,وحرست أبي من سلطة الزمان ,هي أشبه بالمستودع الذي لا يشبع من طبيعة حجب المعلومات عن الآخرين , أضفت جمالها على جمال البيت ، وهي تجدد الحوارات بالممارسة اليومية عن الصبر ولقمة العيش ,لا تمل من حديث ولا تستمع لنداء غير نداء أبي وكل ما اجتمعت به تقلب صفحات الذاكرة تمسح عنها المتراكم من تراب الخوف ,وتنفخ بروح السوالف تجديد يتجدد معه عزمنا على مواصلة المستقبل . أبي:ماكان يقطع وصلاً,أو يؤسس لعداوةٍ لايفرخ الإحزان من بيوض السأم ,كان يطوي أمي بالبقاء وهوينشد الاستدامة لها .بعيداً عن الاهمال. كل شيء في أبي له معنى…… فالتجاعيد على وجهه تدل على قدم بيتنا . وهدوئه يمنح البيت هويته القدسية . سمرة بشرته تدل على قوةِحضور البيت . سمرتهظلمةِ مضيئة في فضاء بيتنا . لغته طلاسم منأسرار البيت . سكونه وصمته لغة أخرى مخزونه في غير المعلن من الأسرار,صوته سري وخفي وغامض وثقيل تخشاه كل بيوتات الحي تطل أمي يومياً بعيون ناهدة على عالم الأسرة بتاريخ سري تسأل أبي عن مكونات سماء البيت ….عن النجوم الساقطة والمسافرة إلاأنأبي يحتفظ بها وكأنها وديعة يوصلها إلىالأجيال القادمة . السر غشاء يغذي نسيج الأسرة (هكذا كان يقول)حين يتسرب السر يتداخل العالم الخارجي والداخلي ويضيع الجديد بتهمة القديم ،ماكان أبي ألا كائناًحافظ على جوعنا وغنانا في آن واحد. بعد الحرب وجدت أمي تنظف النوافذ بلا زجاج وأبي يخبز جوعنا بلا طحين . حينما ماتت أمي,قال أبي: مات جمال الأشياء وتناثرت المفردات التي أسست كل أفعالنا.