أنور غني الموسوي :
ألا تسمعُ روح النهر و صوتَه الدافئَ ؟ و هو يخطّ على جسدي حكايات اللونّ ، بينما العطش مقيمٌ منذ آلاف السنين فوق رموش بابل . لقد أنهك حلمَها الغروبُ ، ليته لم يكن غروباً ، و لم يكن ذئبا ، فالمكاو يبني أعشاشه هناك ، والوانه تغنّي هناك ، بعيدا عن أرضنا ، بينما البصرة تغرق في النحيب ، آه يا شطّ العرب ، أيّها العاشق السماوي ، ذلك الجنين الاسود في رحم الأرض، يجلب الغربان ، مع ألاف السنين من الدموع .
عجباً كم هي زاهية ألوان الفجر الذي سرقوه ، وكم أخبرتني عروس النهر عن الأصداف التي حملها جدّي من المجرّات البعيدة ، كنت حينها جالساً تحت ظلّ شجرة أغرق في النسيم ، كان الاحتفال حينها كبيراً ، والسيّدة ذات البشرة البيضاء، التي تجاوزت السبعين ، ذات الخمار الأبيض ترمّم المزهريات التي كسرت أظافرَها بسمةٌ لعوبُ تتخفّى بين شطآن الفرات.
أيّها النهر الحبيب علّمني شهقة صباحيّة ، ونسمة برد ، علّمني وجهاً بنيّا يشبه خدود العراق ، أيّها النهر ألم تخبرك الثريّا عن شوقها البارد؟ فرسائل العشق صارت كحبّات الرمل الرخيص ، عجبا لكلّ هذا الصمت . حينها لم تكن قدماي تتمايلان كجدائل طفلة عادت قبل عام من روضة الأمل ، و لم تكن تتقافز كظبية أمام عينيّ في طريق العودة الى المساء ، ليتكَ كنتَ حاضراً بهجت حكاياتهم النبيلة !!! و أسرار أيديهم البريئة !!! لقد قتلوني بقسوتهم المعهودة ، وعصبوا عين دجلة و رموا به في الثلج . عشتار لم تحضر و لا ثورها المجنّح . كنت حينها كالطير المذبوح في جيبي عمارة شاهقة تقطنها أشباح معتمة و أطفال يعلبون في الزقاق ، قد كحل جبينَهم غبارُ الصيف البارد ، ليتك كنت حاضراً أيّها العالم الأعمى ، فانك تجيد الرقص على جراح المتعبين .
—