رابح دحمان :
– هكذا إذًا… أراكَ مُصِرًا على ما تدّعيه يا رجل !أتقولُ إنَّـــ مُغرَمٌ بي مُنـــذُ سِنــينٍ و سِنينٍ … وأنّكَ لا زِلتَ إلى اليوم ِ على عهدكَ القديم؟ أصحيح ٌ ما تقولُهُ يا رَجُل؟
بِاللهِ عليك َ أَعَلَى سذاجَتي أنتَ مُراهِـــنٌ أم بمعسُول الكَلام تُداهِـــن ؟
– يا سيًدتي …أنا و الله لا أَراهنُ إلاّ على صِدقِ ما قُلتُ …نعـــَ سيًدتي إنّي أُحـِـــبّكِ منذُ عقدين إثنـــين .
-أًوَ تًعيدها يا مُفتري ؟ أًوَ تًعيدها…و لا تخجل ؟
-نعَم أَعيدُها و أَعيدُها و أَعيدُها… للمرّة الألف و إن جَاز قُلتُـــها أيضا بِالحَلف…
أَحبّكِ سيّدتي منذ عــــقدين مُتتَـــــاليين
و لـَــم يكِلّ قَلـــبِي بعدُ و لــــــن يكِلّ
أَحبّكِ رَغم ضُعف الحِيلة و قِلّــــة الأمَل
و إنَّي على هَاتِهِ الحال لباقٍ إلى يوم الفراق…
أيُغضبُكِ هذَا الأمرُ يا سيًدتي ؟؟؟
– أيُغضبُني هذَا الأمرُ؟
يُغضُبني أن أفقدَ صُورَة الّرَّجُلِ الصَّادق فيكَ فلَطَالمَا عهدناكَ في الحيِّ كذلكَ…
-مهلاً, مهلاً, مهلاً سيًدتي…أنــَا و اللهِ صادقٌ فيمَا أقُول صَدُوقٌ…
و الحيُّ ُ كلّ ُ الحيِّ بأمواته و أحيائه شاهدٌ على ذلكَ…
فاسألي بِنتَ الجيران التي تَـــزوجَت
ثمّ اسألي إن شِئتِ أولادَها وبناتها
و اسألي من الجِيرانِ من قـَــد شَاخ وَهَــــِرم
و اسألي حيطَان البُنيَان المُتداعيَة و أسطُح البُيوتِ القديمةِ
وأبوابَ المنازلِ و شبابيكها و جُدرانها في حَــّيِنا العَتِيق
و إن شئتِ اسألي ذرّات التراب و أحجَار الطُّرقات هنالك أيضاُ
فـَــلِلجَماد ذاكرةٌ لا تخــُون
أو اسألي أوراق الشجرات العتيقة في حـــَيِّنَا
اسألي منها الأخضرَ و اليابسَ
وَسَتَروي لكِ لَهَفِي بكِ , حُبِّي لكِ,عِشقِي لكِ
نعـــَم… إنِّي أحِــــبّكِ منذ عقدين إثنين وإن كان هذا الذّنب يغضبُكِ , سيدتي معذرة… و ألف معذرة سيدتي …
فأنا عــَـنه إن شئتِ تائبٌ… تائبٌ… تائبٌ…
ولِكَن لــِتكُونَ توبَتي خالصة صَادقة يا سيدتي
سأُعلنها … بعد العِـــقد الـــّثالث
لأنّني سيّدتي- المعذرة المعذرة – سأظل ُّ أُحبُّكِ عقدا آخر …
و لًرُبٍّمَا أحبــــبتكِ فِيهِ أكثر و أكثر …
أنا واللهِ يا سيِّدتِي على غير ذلك لا أقدر و لن أقدر …
فلا تغضَبي و لا تَضجري…
– كلامُكَ خطير ٌ… خطيرٌ… خطيرٌ…
هلَكــــتُ إن أنَا صَدّقــــُتكَ و هـَلَكتَ إن أنتَ كذبتَ عليّ…
هلَكــــتُ إن أنا صَدّقــــُتكَ و هَلــَكتَ إن أنتَ كذبتَ عليّ…
أنَا الآنَ واللهِ…مقهورة ٌ قـَهرَ السَّبايا و الثــَّكــَالى…
في داخِلي يا رجُلا نَقمة ٌعليكَ لا تَسعُها الدٌنيا كلها…
-و لـمَ يا سيّدتي ؟
-لــــمَ ؟ أوَ تجرأُ وَ تقولُ لــــمَ ؟ ضَيّعتَ حياتَنا ياَ رجُل …هَدرتَ أجمَل أيّامَ عُمرِنا …شتّتّت آمالـــــنا…قـَتلتَ أحلامنا …
عشرون سنة يا رجُل و أنتَ تـُـــطفئ بلا شفَقَةٍ و لا رأفةٍ و لا رحمةٍ شُمُوع آمَالنا شَمعة شَمعة …
عشرُون سنةٍ , كلّ ما تفتّحت براعمُ سنةٍ جديدةٍ , بخلت َ عليها بالماءِ والهواءِ و العطاءِ حتّى ذبُلت و مَاتت …
أَوَ تجرأُ و تقولُ لِــمَ ؟
أيُّها الظالم …وَأدتَـــــنَا أحيـــَاءً عشرين سَنةٍ يا ظــــــــــالم!و أنـــَا التي كنتُ فِي الأَسرِ – وأنتَ تَدري- أنتظرُمن يُحَررُّنِي مِن القيود و مِنَ الأغلال و مِنَ الأصفَادِ ومن القَدَر!
عشرُونَ سنٍة و أنَا التِّي كـــُـنت حينئذٍ لا أحلمُ إلاَّ برَجُلٍ يَكسِينِي أَمَلاَ يُطعمُني حُبّا يُشبعُنِي هَواءً يُسقِينِي حُرِّيّة ! وكــنتَ أنتَ تنظرُ للأسرِ وَ للأسيرِ و تـــَنتــَظر…
وَ تختنقُ عشقأ وتحترقُ وَلَهـــًا و تــُفنِي أيّامَ العُمرِ
و لا تبوح؟
سامَحَك اللهُ يا ظاَلم ! سامَحَك اللهُ يا ظَالم !
الآن الآن تذكرتُ نــــَظراتك الولهى …و تذكرتُ إشاراتك المجنونة و رَسَائِلـُـــــــــكَ المَبحُوحَة …و تذكرتُ بعضًا من ابتساماتك و كثيرًا كثيرًا من التفاتاتك …و تذكرتُ تذكرتُ…كم من مرَّةٍ زَارَنِي طَيفك دون استئذان …بالليل كَمَا بالنَّهار…
الآن تذكرت ُ أيضا كَم مِن مَرةٍ تمنيتُ أيَّامَ الغُبن و الأصفاد لو يومًا تعترضُ طريقي عُنوَة و تَكسِرُ الحواجزَ و تهزمُ الأقدارَ و كم كنتُ أحِنُّ إلى تلك النظرات و كــَم…
إنهَض…
إنهَض أيها الظالم السّفّــاح المُـــستبد…إنهَض …ضَاعَ العُمر…و نحن نتخاطبُ همسا من وراء الحيطان … إنهَض…كَـــفَانـــَا ما أضَعنا من العُمر …هاتِ يدك و خــُذ بيدي …أرأيت؟ أليست هَذِه عشرٌ…ألم تكن تتكلمُ عن عقدٍ آخر من العمر سَــتُحبّني فيه أكثر و أكثر ؟ أو… لاَ… دَعكَ …دَعكَ مِن هذا …أحبَبتنِي عِقدَين سَأحبّكَ عِقدَين … إِنهَض كفى ما ضَاع من العمر يا حبيب العمر .
إِنهَض…أحببتني عِــقدَين إثنَـــين, سَأُحِـــبُّكَ كُـــلَّ العمر.
—