هاهو الحلم ينزل على أرض الواقع مرتديا أبهى حلته متجسدا بقصر حقيقي ضم بين أجنحته أحلام سنوات عجاف كان فيها الفضاء ضيقا لايتسع لكلماتنا التي كنا نحتار في نشرها وإطلاع الآخرين عليها ..
ها أنا أشهق بالفرح وأنا أحضر هذا الإحتفال البهيج بولادة هذا الصرح الثقافي العظيم بكل مايحمله من قيم حضارية وجمالية وما يمثله من خطاب حضاري يرتفع ويسمو فوق لغة القتل والدمار التي أصبحت ” عنوة ” صفة ملازمة لهويتنا العراقية ، ومن هنا أقول إن تشييد هذا الصرح الثقافي في هذا الوقت بالذات لهو أكبر دليل على اصالة وعراقة هذا الشعب المتجذر في الإبداع والضارب بعمق في جذور الحضارة منذ السومريين وحتى اليوم وهو إنتصار لهوية العراق الحقيقية بدليل احتفائه بالثقافة رغم الظرف الأمني الصعب الذي تشهده البلاد منذ سنوات ورغم كل المخاوف التي كانت تحيط بي شخصيا وكان الآخرون يشاركونني بها من أن تنسف فرحتنا بحزام مفخخ أو سيارة تحمل الموت ، ذلك لأن الجمال والإنسان هو المستهدف من كل ما يحدث ، رغم ذلك كله لم أستطع منع نفسي من الحضور لرؤية الحلم وهو يرتدي أحلى ثيابه ولأكون شاهدة على ولادة هذا الصرح الثقافي وبمباركة السيد وزير الثقافة الدكتور ماهر الحديثي الذي أكد في كلمته على أن البقاء للثقافة والإبداع وإن كل مايحدث هو عابر بكل الدمار الذي يحمله .
وكان في اجتماعنا هذا تأكيد على ذلك فقد كان اللقاء تحديا لانكسارالإنسان العراقي ودمار البنى التحتية وإعادة تكوين وتنظيم بعد الفوضى التي طالت كل شيء حتى الحلم .
رياض الجابر يحتفي بالماضي والحاضر في افتتاح قصر الثقافة والفنون
لايُذكر الإعلامي رياض الجابر إلا وتحضر معه ذكريات المدينة وملامحها القديمة فهو أحد أعمدة هذه الذاكرة العابقة برائحة الحصى والماء .. رائحة تكريت الوادعة الغافية في أحضان الجبل والخضرة والشمس ..
قبل أن تأتي الجرافات وتجرف معها معالمها القديمة التي تشكل ملامح سكانها وبساطتهم في التعاطي مع مفردات الحياة ، تلك البساطة المتمثلة في البيوت الطينية والعلاقات المبنية على الأخوّة والمحبة يوم كانت البيوت كلها بيتا واحدا وكان الحزن والفرح واحدا في قلوب الجميع ..
كل هذه التفاصيل وأكثر كانت متمثلة بالمعرض الذي أقامه الإعلامي رياض الجابر بمناسبة إفتتاح قصر الثقافة والفنون حيث حملت الصور الفوتوغرافية روح المدينة وملامحها الحقيقية وهذه ليست المرة الأولى التي يحتفي بها رياض الجابر بتأريخ المدينة فقد كانت له مشاركات عدة منها فلم وثائقي يصوّر مدينة تكريت في فترة الثمانينات ليؤرخ تلك الحياة البسيطة بأناسها البسطاء ، وعن سبب إهتمامه بتوثيق الماضي فوتوغرافيا وسينمائيا قال :
” منذ كنت طالبا كنت مهتما بالتصوير ولأنني مؤمن بأن التأريخ لاينتظر أحدا بقيت أوثق ما كنت شاهدا عليه لأني أعرف أن كل ما التقطه سيصبح جزءا من تأريخ المدينة ذات يوم وهذا ماحدث فعلا حيث إن أغلب صور هذا المعرض التي التقطتها وّثقت لأماكن لم يعد لها وجود فقد تحولت هذه الأماكن إلى مواقع حكومية ولم يتبق من تلك الأماكن الا ما أرّخته ذاكرة الكاميرا وقد التقطت بعضها على شكل بانوراما صورية تحكي تاريخ البساطة لهذه المد
لم يكن المعرض خاصا بالصور الفوتوغرافية فحسب ، بل اشتمل على العديد من اللوحات والزخارف والأعمال الخزفية وأعمال السيراميك لفنانين مختلفين هذا بالإضافة الى العديد من الفعاليات منها قراءات شعرية وعزف على العود وكانت الخاتمة هي معرض الكتاب الذي عُرضت فيه العديد من إصدارات دار الشؤون الثقافية مما أعطى لهذا الإحتفال تشاكلا وتداخلا مع كل أنواع الإبداع مؤكدا هوية هذا المنجز الثقافية ليكون بحق قصر الثقافة والفنون .
rasha200020@yahoo.com