صرح الدكتور على الأديب رئيس كتلة التحالف الوطني وعبر وكالات إخبارية إن رئاسة مجلس الوزراء في العراق أصدرت تعليمات تقضي بإزالة نصب الشهيد الذي يعد واحدا من أجمل وأرقى النصب في العالم وإقامة نصب على أنقاضه بحجج ساقها الدكتور الأديب تتلخص في: أن نصب الشهيد من عمل البعثي إسماعيل فتاح الترك وانه أقيم زمن النظام السابق، وهي حجج تقع خارج القيم التشكيلية التي ينطوي عليها هذا النصب الراقي، ويبدو أن المشكلة الاعظم في هذه الأمة وقادتها السياسيين إنها امة لا تقرأ ولا تفهم وإنها غير قادرة على فصل (الجماليات) عن خارجها، وبالتالي فصل (المنحوتة) عن (خارجها)، وهذا ليس مقصورا على العامة بل يشمل المختصين في الشأن الثقافي: سياسيين وكتابا وفنانين ونقادا تشكيليين، إنهم لا يدركون إن للمنحوتة حياة ووجودا مستقلا لا علاقة له بصانعها، ولا بالنظام الذي انتجها سابقا كان او لاحقا، ولا بجيران العراق في اي من الاتجاهات الجغرافية والطائفية.. وذلك يثبت ان القائمين على الشان العراقي لا يحاكمون المنحوتة بسماتها الداخلية ليثبتوا هل ان فيها ما يمجد النظام السابق ام يمجد النظام الحالي؟ لنرى اين وكيف تم هذا التمجيد؟ أفي القبة المشطورة التي هي في غاية القداسة والجمال والايحاء ام في المساحات الرحبة التي تدخل ضمن قداسة فضاء المنحوتة.. لماذا يستند هؤلاء السياسيون في هجومهم على الثقافة العراقية على عكازات النحات البعثي وزمن النظام السابق؟ حاكموا المنحوتة بقوانينها الداخلية وليس بقوانين سياستكم..
ان ما يغفل عنه الكثيرون او الغالبية العظمى من متلقي الفن التشكيلي والنحت خاصة ان المنحوتة بعد اكتمالها تعيش حياتها الخاصة والمستقلة عن القيم المحيطة: الاخلاقية والسياسية والدينية، كما انها تعيش مستقلة عن صانعها وزمانه، فهل مازالت منحوتات المصريين ومنحوتات العراقيين القدامى ومنها مسلة العقبان التي تصور انتصار العراقيين على الفرس في احدى ملاحمهم الغابرة، هل تحاكم بمعايير زمنية، ام انها انتهت الى ان تحمل صفة عابرة للتحقيب اي للحقب الزمنية، وان نصب الحرية الان لا علاقة له بهدف انجازه ومن امر بذلك وبكل السرديات التي قيلت عنه، فقد رحلت مرحلته وما بقي من النصب ماديته وجماليته .. هذا كلام عسير على الهضم عند الكثيرين، المنحوتة الان غير مسؤولة الا عن نفسها ولا صلة لها لا بمنتجها ولا بزمانها ولا بدول الجوار ولا بالمفوضية العليا لحقوق الانسان أو مجلس الوزراء العراقي لانها تنتمي الى الثقافة العراقية وتاريخها، وهو ما لا يحق لاحد ان يتصرف به..
ان مأساة الفن التشكيلي عندنا انه مازال يرزح تحت نير الكلمات والايديولوجيات متصارعة المصالح والتي تفرض سلطتها وشراهتها في التهام اي شيء وتطويعه لصالحها.. لذلك عانى الفن من الهيمنة الايديولوجية المتعسفة منذ وصول هذه الايديولوجيات الى السلطة وحتى وقتنا الحاضر.. ايديولوجيات متناقضة ولكنها متفقة في اطلاق شراهتها الالتهامية ضد الفن والثقافة العراقية..
ايها المثقفون كفانا صمتا، ايتها الاحزاب (الوطنية) العراقية، يا منظمات المجتمع المدني المعنية بالفن التشكيلي: جمعية التشكيليين ونقابة الفنانين، ايها المعنيون بالشأن الثقافي العراقي: اتحاد الادباء ومنظمات العمل الثقافي، يا جامعة البصرة. دعونا نقول كلمتنا ضد هذا الهجوم البربري على الثقافة العراقية..