هذه الحکایة؛ حکایة بسیطة و إعتیادیة، یعرفه جمیع الذین عاشوا في المعمورة التي عاش فیها الزعیم.
کان الزعیم شخصا عادیا، لحین أن قتلت تصادفا و بشکل إعتباطي و بدون قصد، شخصا لم أعرفه قط!؟.. ومنذ ذلک الیوم و لسبب أو اسباب اجهلها، ذاع صیت الزعیم و أشتهر کشخص مهم..وسمي منذ ذلک الوقت بالزعیم.
لا أدري لماذا لم اقول في حینه،أو حتی بعد ذلک للجمع المعجب بالزعیم :
( أنا القاتل؛ أنا الذي قتلت ذلک الشخص المجهول.. لهذا إن کان هناک من یستحق أن تکون زعیما، فهو أنا).
وعجبي؛ فعلت عکس ذلک و تحولت طواعیة الی عبد مطیع للزعیم و قمت بدور کبیر في إستقطاب حب الجماهیر.
ونسیت أن اقول ومنذ بدایة سردي، أنا و الزعیم کنا متشابهین شکلا و صوتا و ….، لدرجة اني کنت أحظر بدلا منه جمیع المناسبات، بدون أن یحس احد بأني لست هو؟!.. وکنت اتلو في جمیع المناسبات المتشابهة، ما أکتبه شخصیا من خطاب.
منذ البدایة، بدأ جمیع قاطني المعمورة یلجأون الی الزعیم في جمیع المنازعات و القضایا و المشاکل المتشابکة و ألمعقدة، وکان الزعیم مع عدم معرفته القانونیة بماهیة المواضیع التي تطرح علیه، ولکن بالحدس أو الغریزة، وبعد اللعب بشواربه الطوال لمدة طویلة، کان یحل المسألة، حتی بعضا، بدون أن یقول شیئا، غیر:
( لیست هناک مشکلة..أنا لا أری ایة مشکلة، إن حلها لبسیط؟!).
مع مرور الأیام، تحول الزعیم الی بطل أسطوري، له سحر و جاذبیة غریبة، وخاصة علی الذین کانوا یجلسون مدة بقربه، یتغیر حالهم و یتحولون الی أشخاص غریبي الأطوار، وخاصة عندما کانوا یجهشون بالبکاء، للتعبیر عن فرحهم أو ولاءهم للزعیم.
إن إشتراک الزعیم في الحروب لم تکن إلا من خلال تخطیطه لمعارک قدیمة النوع و الشکل..وکان تخطیطه لذلک النوع من المعارک لسبب بسیط جدا، وهو انه لم تکن یطیق شم ریحة البارود و الدینامیت و الانواع الاخری من المواد المستعملة في ذخائر الاسلحة و المتفجرات.. لهذا تشبث بکل ماهو قدیم، وقد استخدم سلفا في المعارک.. هذا ومع العلم إن الزعیم کان تنظر الی مجمیع معارکه کلعبة متشابهة بینها في جمیع النواحي، ومختلفة من ناحیة واحدة و هي تسلسها العددي، وکانت ترقیم الزعیم لحروبه، غریبا و إعتباطیا و لاتنتمي الی التسلسل العددي للأرقام بشيء.
ولحسن الحظ إن الأعداء، قد إستحسنوا و منذ البدایة لعبة الزعیم في الحرب حسب نمطه التقلیدي القدیم..لهذا بدون إیة إستفسارات أو اسئلة، استعملوا نفس طرقه مع إستعمالهم لما یشبه اسلحته و ادواته الحربیة.
أحب الأطراف المتحاربة مع الزعیم؛ إطالة المعارک أیاما و لیالي، في خضام إصطدام الرماح و السیوف…وصوت السهام و الطبول و الصیحات الهستیریة للمحاربین ودوي الآف الحناجر من طرفنا بتمجید الزعیم، في حین کانت المئات من الشباب، ذوو عضلات مفتولة في خضام الـمعرکة، یطلقون صرخات حماسیة و احیانا و خاصة عندما یصرعون في ارض المعرکة و تسیل دمائهم الزکیة، ینطقون بکلمات مبهمة، لامعنی لها علی الإطلاق؟!.
وحسب الطریقة القدیمة في خوض المعارک؛ في البدء کانت تتقدم احد المحاربین الأبطال المنسوبة الی معسکرنا، ویصیح بأعلی صوته:
( هل من مبارز؟!).
هکذا کانت تبدأ معارکنا…
مع اننا خضنا معارک کثیرة، في مناطق مختلفة جیولوجیا و جغرافیا، ولکن الزعیم، ربما لسبب ما، کان یحب المعارک التي تقع في عمق الصحراء، مع علمه بصعوبة معارک الصحراء و خاصة عند مطاردتنا للأعداء و ولوجنا الی العمق.. لم انسی و لن انسی یوما، الأیام الذي تهنا فیها، ولحین ایجادنا طریق الخلاص، مات اکثر من احصنتنا عطشا و جوعا.
إن تقاربي و إنسجامي مع الزعیم وصل الی درجة علمي بکل خبایا و خفایا عالمه الجنسي؛ أي عدم مقدرته علی الجماع و خاصة عندما اجبره منصبه علی تقبل الکثیر من الجواري و تزوجه من زیجات کثیرات؛ مختلفات لونا و شکلا و طولا…حسب تقلید المتبع من قبل الزعماء لإثبات فحولتهم وإمکاناتهم الجنسیة الخارقة و الشبه الأسطوریة لممارسة جنس غیر سوي مع الکثیرات و بإستمرار، بدون کلل أو تعب!؟.
کان اتفاقي مع الزعیم، أو إتفاقه معي، ان اخبيء نفسي داخل غرفة نومه ، في تلک الحالات، الذي یجب علی الزعیم ان یباشر بمضاجعة احداهن و خاصة عند الزواج و في لیلة الدخلة، وعند انتظار الجماهیر خلف اسوار القصر الحصین للزعیم، کي یسمعوا زغارید الخادمات، حین یرون؛ المندیل المغطی بالدم، دلیل علی عذریة احدی زوجات زعیمهم الجدیدة و فحولته هو.
ولکن في الحقیقة و الواقع أنا الذي کنت اقوم بدور العریس و اضاجعهن بدل من الزعیم… دائما و حسب أوامر الزعیم کان یبقی الغرف شبه مظلمة..وبهذا لم تکون عملیة تبدیل بعضنا بالبعض مع الزعیم، أمرا عصیا أمام أنظار احدی الفتیات البائسات الحظ، المنتخبات؛ أن تکون احدی زوجاته.
وعندما کنت أقوم بمضاجعة احدی عروساته، أو حتی جواریه.. کنت احس بحزنها الدفین وبکائها المکتوم و نظراتها المشحونة بإحتقار مشوه!؟.
ألشيء الوحید الذي لم اکن اعرفه، حتی ذلک الوقت حول الزعیم، هو سر أو أسرار غرفته الشخصیة، المجاورة لغرفة نومه المغلقة بشکل جید.. ولم یکن یلجاء الیها إلا في تلک الأوقات، التي یکون متأکدا فیها من نومي أو وجودي خارج القصر أو أنشغالي بأمور تبعدني کل البعد عن أیة محاولة لولوج غرفته.
مضت الأیام، وأنا المحارب و ألمشارک في معارک المتتالیة للزعیم، أخوض بلا هوادة و توقف معرکة تلو ألأخری..ألا أن قابلت في إحدی الجولات، محاربا خشنا عنیدا، قویا کالثور..أنا الذي حتی ذلک الساعة، لم یطرحني احد أرضا..أستطاع هو أن یطرحني أرضا..إنتظرت أن یقتلني ولکن قال مازحا:
(بدل أن أقتلک، سأقطع أصابع یدک الیمنی…).
مع توسلاتي الکثیرة..لم یقتلني؟!؟.
بعد ذلک الحادث المؤلم، بقیت أیاما طوال، بین الوعي و ألاوعي طریح الفراش في غرفة نوم الزعیم.. وبهذا بعدت كثیرا عن کل الأشیاء الذي کانت من المحتمل أن تحصل في الخارج… وفي احدی أللیالي، عندما قمت من النوم مفزوعا، بعد رؤیتي لإحدی کوابیسي المتکررة في تلک الفترة، سمعت صوت خطی اقدام الزعیم… فتحت باب الغرفة ورأیته یدخل الی غرفته الخاصة..دخلت ورائه.
رأیت في القسم الأمامي من الغرفة، صور معلقة لمعارک قد خضناها، مع صور للقطات خاصة و غریبة، مثلا لي و للزعیم في أوقات نبکي فیها أو نضحک أو نغني، أو نلعب کالأطفال وما شابه ذلک أو اختلفت عنه من أمور غریبة و عجیبة؟!.
بین الصور ألمعلقة، أستوقفني صورة قدیمة، ربما لم یمضي زمن طویل علی تعلیقه.. عندما اقتربت منها کثیرا و أمعنت النظر، أستنتجت إن المصور کان ذکیا، في إلتقاط لحظة تراجیدیة، لبطل محارب لنا، کاد یقطع خمس أصابع من یده الیمنی، بسیف تلمع في ید حامله.
القسم الوسطي من الغرفة، کانت، ملیئا بأدواة قدیمة للحرب،المستعملة منه وخاصة السیوف و الرماح، کانت لایزال رؤسها ملطخة بدماء ذکية، کأنما أستعمل قبل ساعات في قتل أشخاص شاء لهم القدر ان یقتلوا؟!.
والقسم الأخیر من الغرفة، مع وجود صور معلقة لجمیع ألفتیات التي تزوجها الزعیم؛ رأیت فیها أیضا، مرآة معلقة مقابل الباب الرئیسي للغرفة، عندما وقفت امامها، بدل أن اری نفسي کما کنت انتظر، رأیت الزعیم، مصفرا، قصیرا، کئیبا، ذوو لحیة بیضاء طویلة، ولکن کصورة مشوهة في ماء عکر…بصعوبة کبیرة و جهد کبیر تعرف علي..کنت متأکدا بأنه یبکي، قلت له:
( لماذا…؟!).
نظرت الي نظرة ملیئة بالحزن و التقهقر، نظرة لم اری فیها الهیبة السابقة للزعیم..قال:
(- منذ زمن طویل، الجأ الی هذا الغرفة للبکاء…
– وما هذا القطع من العظام؟!).
بعد النظر الی القطع العظام الموجودة في یده الیسری، قال:
( – هذا قطع عظام أصابعک المقطوعة!
– ولکن لیست لدیها ایة قیمة، المهم هو سلامتکم…
– ولکن؟!
– المهم انک بقیت و ستبقی زعیما في هذا القصر..).
ضحک و قال:
( -أیها المحارب البطل، اننا قاطنین في قصر مهجور، علی ضفاف صحراء قاحل.
– ولکن..
– الذي کنا نراه معا، کان حلما، أو لنقل کان لعبة بدأناها منذ الطفولة…إذ انني کنت اتقمص دور الزعیم و أنت دور المحارب البطل…
– لا أفهم وماذا عن أصابعي المقطوعة؟!
– عندما کنا صغارا، وبالتحدید في هذا القصر اصبت بمرض خطیر، ادی الی سقوط اصابعک…
– لا أصدق… إذن لماذا نحن باقین في داخل هذا القصر؟!
– عندما کنا اطفالا، خاف “والي” معمورتنا، من لعبنا او لنقل معارکنا الخیالیة، وحتی خاف من سردنا لحکایات، معارک قد نقوم به في المستقبل، مما یؤدي الی قلب نظام معمورتنا و توهم في کوننا، نکون خطرا علیه حینما نکبر… لهذا ارسلنا الی هذا القصر، بالرغم من توسلات الصالحین و الصالحات من أهالي معمورتنا، ولم ننجوا من الموت الی بواسطة مساعداتهم الدائمة، بما أمکننا من البقاء احیاء؟!).
عندما غاب الزعیم أمام نظري، لم أری في المرآة الی نفسي…
خرجت من الغرفة و مشیت لفترة في انحاء القصر الفارغ ومن ثم توقفت في مکان؛ أستطیع النظر منها الی أبعد نقطة من صحراء لانهایة له.. بدأت اری جمیع الحروب و خاصة الحروب الذي خضناها في عمق الصحراء، کما لو کان واقعا أمامي.. رأیت القتلی..سمعت صوت أنین الجرحی و عویل من فقدوا أعزتهم..سمعت صوت الأحصنة الهائجة و الکثیر من….؟!
ولکن وسط جمیع الأشیاء الصاخبة، رأیت أیضا؛ فراغا لانهائیا مفزعا، یمتص نظراتي الشاردة، بعنفوان و قوة جنونیة.. وأخیرا في أبعد نقطة من مسار النظر، رأیت سحابا من الرمال، تسقط کالمطر، ومن ثم تبتلعه عاصفة، قویة و کافیة لتحویل ذاکرتي المتبقیة، الی نقاط کثیرة من رمال سابحة و عالقة للأبد، ربما في أماکن عدیدة، لنسیج من کون لانهائي من خیال.
—