شِق التجارب فينا لا يكتمل أبداً . نظل نحمل معنا دوماً ذلك الفراغ المخصص للخربشات والخدوش المصنفة كأعراض جانبية لتداولنا السلوك اللين او الأقل حذراً مع الحياة أو الناس أو حتى مع أهواءنا ورغباتنا . أو لمجرد مواجهة بيننا وبين تجربة جديدة أو علم نتوقُ لمعرفته أو مطالعة حثنا الفضول عليها . هذا الفراغ يتسع مع العُمر وتطاله بلاشك الطعنات الدامية ولاشيء يقسو مع التكرار أكثر منها . كل مايخترقنا من إحساس جرّاء التجربة يغدو درعاً قوياً دون الألم القادم .
ألم فوق ألم يفعّل لدى الإنسان فطرته بالإحتمال والتأقلم . فمن الوخزة الأولى تغدو الالتالي أكثر أحتمالاً ومن هنا نرى جلياً قدرة المرء على الصبر والجَلد وتقبّل أخطائه .
نجرّب لأننا نتطلع للتعلم ، نحاول ان نفهم ماهيتنا في التعامل مع حالة أو مواجهة أو إحساس .
كيف ستكون الحياة لو أن كل مانقوم به الآن قد جربناه مسبقاً أو لنا علم به وأن الجهل غير وارد !؟
هل سبق أن أجبتم أنفسكم على هذا السؤال !
بالمناسبة أعجبتني مقولة يعقوب صروف
العقل كالسيف والتجربة كالمسن . برأيي أنه يمكننا ان نقطع بسيف العقل المرشد أجزاء كبيرة من آلام التجربة . لكن الأخيرة ستجعل من عقولنا وأفئدتنا مجهزة بحِدة لتخترق الأقدار بسرعة تجنبنا الضرر ولو أمسى في وجداننا بعضاً منه .
في تجربتي للأمومة وَضعت حملي الأول ببعض الألم وبإرهاق الإنتظار وتحرّي الخلاص ، وفي المرة الثانية وجدت نفسي أكثر قوة ودراية باللحظة الصعبة فلم يباغتني المخاض ولم يفزعني . بدا لي بعدها أني كمن خلع ضرسه أو قطب جبينه . العِلم بالتجربة قبل خوضها أهداني فرصة التمتع بقربُ طفلي وبمجدِ الإنجاز .
السنين ليست الطريقة الوحيدة لإكتساب الخبرة . بل الجرأة على الإقدام على أمرٍ نجهله ثم القوة على تكراره حتى نتمكن منه .
في تجربتي لقيادة السيارة وفي أول مرة جلست خلف المقود قلتُ لنفسي أني بالغة راشدة وأملك المهارة لإتقان قالب كيك إنجليزي وتزيينه ، وأذكر أني طهوتُ خروفاً لوحدي . وأدرك جيداً مسؤولية إستضافة عشرون شخص واكثر بدون مساعدة . أدرتُ المحرّك !! كان صوته مُهيباً ، تخيلتُ أني أطلقت جيش بقيادتي وكُل الأرواح والممتلكات على عاتقي . أسررتُ في صدري بأنه لابأس هذا لايبعث الرهبة سبق وأنقسمت لشخصين خلال خمس ساعات . مهما كان هذا القادم سأقدر عليه وبجدارة .
القيادة طريق وطريقة . بأي طريقة ستختار طريقك ! هل تجمح في خيلاء متباهياً بقدرتك على التحكم بهذه الآلة متناسياً بأن السرعة هي العلاقة بين المسافة والزمن . وتتحرر من التفكير بمن منهم تود أن تقطعه دون أن تستشعره . المسافة ستمضي لأن الحال لم يكتب له الخلود . والوقت سيغدو ماضياً لأن الدنيا يجب ان تشيخ .
تجربتي لخصها قراري بأن طريقتي في القيادة هي طريقتي في الحياة . لن أعترض طريق إنسان ولن أسمح له بإعتراضِ طريقي .
- كاتبة سعودية.