يعد التوثيق من الوسائل المهمة في أي مجال معرفي بما يوفره من فرص بين أيدي الباحثين، فان للوثائق بمختلف اشكالها الدور البّناء في اكتشاف الأفكار والتعرف على التأريخ من خلال التوثيق والذي يعد جزءاً من كيان كبير ناقل لثقافة الأمة وجهود أبنائها، والوثيقة هي الوسيلة الأفضل للمحافظة على تأريخ الأمم وحضاراتها ومنجزاتها الحقيقية. ومن اجل الحفاظ على تلك الوثائق لابد ان تتظافر الجهود للحيلولة دون ضياعها أو تلفها. فاذا ما ضاعت الوثائق الخاصة بفترة زمنية ما كتلك التي تتعلق بشخصية تاريخية أو بحدث تأريخي واختفت كلياً كتعرضها للحرق أو أتت عليها حشرة الأرضة أو سوء الأحوال الجوية مثل الرطوبة وغيرها أو مزقها العابثون.. فبالتالي نفقد تأريخ تلك الفترة وتتيه علينا أحداثها، فالتوثيق يعد ذاكرة الشعوب ولسان حالهم ويمثل أحد أهم الشواهد على حقبة زمنية معينة. وقد شهدت الإنسانية على مر عصورها فترات مظلمة أتت فيها الحروب على مجموعة كبيرة من الوثائق التاريخية التي تحمل الكثير من علوم تلك الشعوب ومعارفها في شتى المجالات وكانت الأمة العربية في مقدمة الأمم التي عانت الأمرين من أهوال تلك الحروب وتكالب الأعداء من كل حدب وصوب، فقد عملت الجماعات والفرق والتيارات السياسية والفكرية المعادية للروح العربية عملها واستخدمت معاولها، في القضاء على تاريخ تلك البلدان وهذا ما يفترض أن يشخّص ويمَيَّز حين نبدأ بكتابة التأريخ مستندين الى مصادر موثقة.
ويعد العراق في مقدمة الدول العربية التي فقدت الكثير من الوثائق من جراء الحروب المتوالية وما رافقها من اعمال حرق ونهب للمؤسسات الوطنية والمكتبات العامة ومراكز البحوث والدراسات والدوائر التابعة للنشاط المسرحي.
ولم تكن البصرة بمنأى من تلك الأحداث فقد نالت نصيبها من فقدان الوثائق الخاصة بعروض المسرح ولسوء الحظ ضياع جهود مجموعة كبيرة من الشباب الذين ساهموا في ارساء دعائم الحركة المسرحية في البصرة سواء على صعيد الأعمال او المهرجانات التي كانت تقام في تلك الفترة والتي يجمع اكثر العاملين في هذا الحقل انها تمثل الفترة الذهبية لهذا للمسرح البصري.
اذن ومن خلال ما تقدم حري بنا ان نجمع هذه الوثائق ونحاول ان نؤسس ارشيفاً خاصاً بها ونستلهم منه العبر لتأسيس مسرح ناهض يساهم في بناء الحركة المسرحية في البصرة ومن هذا المنطلق أعلن المركز الثقافي في جامعة البصرة عن تأسيس ادارة للتوثيق المسرحي في المدينة وذلك ضمن فعاليات وخطط مشروع المسرح والمدينة الذي اعلن عن انطلاقه قبل عدة اشهر.
وفي معرض حديثه عن أهمية هذا المشروع تحدث الدكتور (عبد الكريم عبود) مدير المركز الثقافي ورئيس الهيئة الاستشارية خلال الحفل الذي اقيم على قاعة المركز في مجمع كليات باب (القبة الفلكية) وحضره نخبة من الاكاديميين والفنانين قائلاً: ” ان المسرح ثقافة والثقافة تأريخ والتاريخ انسان من هذه المقولات الثلاث, نكتشف الدور الحقيقي لقدراتنا الادارية في التوثيق, ونعمل في مشروع المسرح والمدينة على الاحتفاظ بتراثنا المسرحي لنسجله درساً تاريخياً ونوثقه عبر مراحل النشأة والتطور والاستمرارية”.
واضاف عبود: ” حرص هذا المشروع الثقافي الذي يؤمن بحقيقة تثبيت المنجز عبر مسارات شاملة تبدأ بالتأهيل والتدريب والاعداد لكافة الكوادر المتخصصة في المجال المسرحي بالبصرة من مؤلفين وممثلين ومخرجين وفناين ونقاد وباحثين وجمهور ايضا كي ينسجوا بالروح الجماعية ويكتبوا معاً مسرحهم المعبر عن روح العصر فكرياً وجمالياً، ان انطلاق البذرة الأولى لوحدة التوثيق المسرحي تكمن أهميته بوصفه توثيق لأعمال وأنشطة مجموعة من شباب المسرح في البصرة وبالتعاون مع كافة المؤسسات والمنظمات والفرق المسرحية من اجل توثيق منجزها المسرحي فضلاً عن عمل قاعدة بيانات رصينة ومحاولة حفظها من الضياع وجعلها مرجعاً للطلبة والدارسين والباحثين، من خلال التعرف على عروض المسرح في البصرة والعمل على توثيقه، بوصفه رافداً من روافد المسرح العراقي، وللوقوف على تجاربهم في مجالات الفن المسرحي وجعلها نبراساً تهتدي به الأجيال القادمة. وفي الختام نشد على أيديكم في المساهمة بهذه الخطوة الجبارة التي تعزز دور المسرح في مدينة البصرة والتي من شأنها إن تنمّي الحركة المسرحية فيها”.
وعلى وفق ما تقدم يهدف المشروع الى الاهتمام بالتراث المسرحي في مدينة البصرة عبر توثيق المسارات التاريخية للمسرح في المدينة بالإضافة الى بناء قاعدة معرفية ثقافية تطل من خلالها الجامعة لتأكيد حضورها الثقافي المسرحي.