كان الباب واسعا والبناية مهيبة .. :وزارة الشباب والرياضة/ مديرية شباب ورياضة البصرة …وكتب تحتها (منتدى الثقافة والفنون )..انها تقابل على بعد عشر مترات صالة الولادة … واخذني الفضول لاني رايت كثيرا من الموظفات والموظفين من فتحة الباب يتحركون … وسلّمت, وعرضت هويتي الصحفية للبواب فغاب قليلا وعاد (سيأتي ليلاقيك المدير) قالها واختفى ….. استغربت انه لم يرغب بملاقاتي في غرفته ..وسالته اية ثقافة تجري هنا ؟ فاجاب المدير (نحن معطلون بسبب الموارد)…لكن مراجعا حدثني بان المكان للقاء الازواج المنفصلين … ورأيت لوحة (السجناء السياسيون).. لوحة اخرى (دورات تقوية لطلبة المتوسطة والاعدادية) و قبل ان اجتاز الشارع اغلق الباب تماما ولم يفتح لساعات حتى غادرنا المشفى مع صوت المؤذن .. ويظهر انهم حذروا من صحفي اخر ربما ياتي … وتذكرت مرة دخلت لمركز ثقافي في عهد النظام السابق وفاجأني اني رأيته موقعا للخمور والرقص …سنبقى ننقّب التخلف بعناوين ثقافية .
متنزه تناثرت على ارضيته بقايا الزجاج بالوان عدة .. متنزه من العصر الحجري .. بقايا شجيرات منخفضة نهبت اكثر اغصانها او كسرت .. المقاعد الحجرية منكفئة الى الارض او مهشمة .. تتوسط المتنزه قاعدة اسطوانية مرتفعة علقت عليها لوحة لقائد تيار ديني وخطت عليها كلماته , تعلوه صور لمقاتلين مدججين .. الاسطوانة تمزق وتساقط بعض كسائها .. هناك اسلاك ومشبكات صدئة وبعض القمامة واثار براز لحيوانات سائبة .. وعلب صديئة .. حتى ان الصغير الذي صحبته ذا العامين طلب ان يريق مائيته ويا لها من معاناة لاني لابد ان اخلعه البنطلون وبجامة داخلية واخلع حذاء من رجليه وهو ممسك برأسي .. قلت لا بأس ان هذا المتنزه يصلح لبعض الاشياء .
وعدت لمشفى الولادة كانت النساء في صالة واسعة بين واجمة ومتبسمة مثل الرجال .. لان الموت والحياة يجتمع هنا والفرح والقلق .. فجأة صرخ صارخ امام باب المستشفى وتدفق السب والعويل ,, وهرع الجميع للبوابة الا انا فقد شهدت المشهد من اعلى السياج .. فان تدفق رصاص ما علي سوى ان اهبط قليلا وربما انجو من رصاصة طائشة …
القمامة في كل مكان .. كان رجل مسن يحاول يلبس نعاله بصعوبة فقد وهن الجسد ..يحتاج جهدا لينجح وكلما مد قدمه تراجع مثل سكير فقد توازنه ..وسمعته يتمتم (انتخب الافسق ) فخمنت انه يفتقر للسلامة العقلية وربما يكون الاكثر وعيا ..وعلى الجدران طبعت دعاية انتخابية يظهر انها وضعت من ثماني سنوات تستدل بذلك من رقم القائمة المعروف والتي تغيرت لاحقا … لكن القمامة والوسخ تحيط بها … وكما رسم الانكليز ابان الحرب الثانية القلوب على احذية النساء نحن هنا نضع اعلاناتنا حتى في المرافق , فليس من المعقول ان تتسع المساحات لكل هؤلاء المرشحين . ذكرني ذلك بعمود في مفترق طرق نشره متندر مصرحا < السعر مائة دولار , مكان مثالي للدعاية الانتخابية …صوتك اثمن >
الخطوط العشوائية على الجدران تكثر هنا.. مجسدة الفراغ والتفاهة (حب بلا وجدان .. بيع لما لا يباع .. دعوات لا تلبى .. نبذ غير مجد للطائفية ) وهناك ارقام على الجدران لا تحصى: (ارقام لعمال تهديم البيوت وسحب الانقاض..ارقام لمصلحي المكيفات ..للعشاق ..ارقام للطواريء حيث لا يجيبك احد , ارقام بلا هوية) هل اصبحت الجدران تفريغا للضياع ؟!… لافتة مختلفة استقطبتني (هنا يباع الثلج ) لكنه موقع للقمامة وربما مات صاحب الثلج او اضحى قائدا عسكريا، في العراق كل شيء ممكن .. نحن نطبق قول نابليون (احذفوا كلمة المستحيل من القاموس) .
القمامة تختلف جوار المشفى, تكثر فيها علب الماء والضمادات واقداح الشاي الورقية .. فلكل موقع قمامته ورائحته الخاصة ..
واستاجرت سائقا يظهر انه موظف متقاعد ومثقف .. فحدث (انا بن المعقل .. قبلة السائحين).. وأشار (هذه المنطقة كانت تسمى الفرنسية لان اغلب سكانها مسيحيون وتميزت بالورود يتدلى من الاسيجة والاناقة والهدوء والجمال لكنها الان كما ترى منطقة خربة ..واضاف <ان مدير الموانيء الذي اسسها كان بصلاحية وزير >.
كان علينا ان نؤمن قنينة دم اخرى لان الموظفين غادروا وقد اخبرونا بانهم سينجزون ويكملون الملف للمريض .. مضوا وقد اغلقوا دواليبهم بضمير لا يمسه القلق , انه التفسخ الاخلاقي الذي شمل كل شيء . ثلاثة اشياء احذر ان تقربها في بلاد الرافدين : (مركز الشرطة والمشفى والدوائر الحكومية).. وان اضطررت فاصحب معك كبسولات ضغط وسكر وخمس كيلوات من الصبر المركز ..