كما عادتي كل عام أكتب للشيوعيين فقط طيلة شهر آذار حتى عيدهم الأغرفي 31/آذار ….
أحيانا يكون الألم في الحياة بشكل تراجيديا مبكية ، ففي نهاية السبعينيات حيث الحملة الشرسة لتصفية الشيوعيين خسرتُ صديقا وحبيبة في ذات اليوم بسبب طغيان البعث . كنت عائدا من الجامعة لأرى صديقي ورفيقي الشيوعي جمال وناس حيث كان يرقد الفراش ، ومن ثم أرى حبيبة لي من أيام زمان الرومانس وعفاف الحب . جمال وناس إستشهد بطريقة غريبة فمعظم الشيوعيين يلقون حتفهم في السجون بسبب التعذيب الذي لايطاق ، لكن جمال وناس إستشهد بسبب ضربات ولكمات في الجامعة من قبل جلاوزة الإتحاد الوطني البعثي وجاءت أحد الضربات في نخاعه الشوكي مما أدى الى إصابته بالحمى الشديدة ورقوده لثلاثة أيام ، وأحد هؤلاء الجلاوزة من الناصرية ، وهو اليوم عميد في أحد الكليات في السماوة ، بعد إن إرتدى قناع المؤمنين ، فيا لتفاهة العدالة في هذه الحياة .
بينما كنت عائدا من الكلية ووصلت ليلا على أمل أن أزوره في الصباح التالي ، فجاء الصباح وإذا بجنازة جمال في طريقها الى المسجد مشيعة من قبل الرفاق والناس الطيبين . وبعد التشييع بساعتين عدت الى زقاقي وبيت أهلي وإذا بمجموعة من رجالات الأمن تطوق بيت حبيبة لي كنت أعتزم الزواج منها ، لآنهم كانوا عراقيين من أصل إيراني وإقتادوهم جميعا بلحظة خاطفة وسفرّوهم الى ايران ، فلم اسمع أخبارهم حتى بعد أربعين عام في تركيا وبالصدفة الغريبة العجيبة وكان ياما كان من ذكرى واسترجاعٍ لقديم الزمان . يعني حسب ماغنى سعدي الحلي ( مصابين مصابين بشهرواحد ) لكن الأمر هنا مصابين بيوم واحد ، فحتى الآن أتصور المشهدين ( مشهد إستشهاد جمال ومشهد الترويع في تسفير العائلة ) وأقول : كيف لهذا البشر الذي أنا منه أن يتحمل كل هذا الألم والإستمرار في الحياة ، إنها الإرادة العصية على الفهم التي ذكرها الألماني الشهير( يوهان غوته) في رواية آلام الشاب (فارتر) وهو يهيل التراب على قبر حبيبته التي وفاها الأجل وهي في عمر الصبا النزق .
مات جمال وناس وخلّف العديد من الذكريات فأذكر واحدة منها : كنا مبتدئين في الخمر ولانملك ثمنا لشراءه الا ماندر ولانجلس البارات لخوفنا من تلصص العيون ، فكنا نجلس في البستان الشهير في السماوة (بستان محمد علي ) وحين تدب الخمر في الرأس كان جمال يقول :
آآآآآه لويفتح البار مجانا
لبقيتُ
حتى الصبح سكرانا
ومرّت السنوات ياصديقي جمال وأصبح لدي من المال الذي يمكنني شراء زجاجة خمر فأقول لذكراك الطيبة :
لايهمني ..
لو..
يُفتحُ البارُ بالدولارْ
لبقيتُ ..
حتى الصبحِ ، سكرانٌ في دوارْ
أخيراّ أقول ياصديقي القاطن في الثرى ، أنت كل الألم وكل الإرتياح ، وإن كانت الحياة رحلة فأنت وجهتي ، وأنا عشتُ بعدكَ بالكثير، لكني صدقتُ حقاً ماقاله الشهير لوتريامون ( لانستطيع الحكم على جمال الحياة ، الاّ عبر جمال الموت ) .
هاتف بشبوش /شاعر وناقد عراقي