بعد ترشيحه لاكثر من ثلاث مرات لجائزة نوبل وانجازه اربعين رواية و ثمانين عملا مسرحيا و20 مجموعة قصصية .. وضع الكاتب الياباني يوكو ميشيميا حدا لحياته بالانتحار باسلوب مرعب على الطريقة اليابانية الساموراي .وبعد مرور اكثر من خمسين عاما على الحادث ما يزال الجدل قائما حوله . وليس غريبا الانتحار في اليابان فقد انتحر الكاتب كواباتا مؤلف ( منزل الجميلات النائمات ) سنة 1972 بخنق نفسه بتنشق الغاز بعد ان حصد جائزة نوبل 1968 .
كانت عملية الانتحار مرعبة فبعد ان استدعىي يوكيو الصحافة لتصله بعد ربع ساعة , بقر نفسه بالسيف معتمدا على صديقه بان يقطع رأسه ويخلصه من الاحساس بالالم .. لكن صديقه تردد فانتحر ما استدعى رجلا ثالثا ليحز رأسه.
ولعل كاتب سيرته , داميان فلاناغان, تمكن من تفسير حالة الانتحار فقال < بدلا من النظر الى تلك الصورة المرعبة لرأس ميشيميا المقطوع كخاتمة مروعة لدعوته لاصلاح دستوري او رغبته في الموت مثل الساموراي يمكننا ان ننظر اليها باعتبارها الهدف النهائي لميشيميا الذي طالما سعى الى تحقيقه , لحظة تحول فيها هو نفسه بضربة من نصل حبيب الى نسخة حقيقية من يوحنا المعمدان >.
ولد الكاتب في طوكيو (1925 ـ 1970 ) ظهر اول عمل له 1941 < غابة مزهرة > وهو في ال 16 من عمره …كتب روايته اعترافات قناع سنة 1949 وهي لون من الاعترافات والسيرة الذاتية ..تتصدر الرواية كلمات دستوفسكي في الاخوة كرامازوف (رهيب هو الجمال المروع , رهيب لانه لم يسبر له غور ولا يمكن ان يعرف له قرار ….) .
تبدا الرواية بوصف الظروف البيئية والانسانية التي احاطت بولادة الطفل ( في مساء اليوم السابع لف الطفل في اردية داخلية من الصوف الناعم والحرير الشاحب الصفرة البس كيمونو من الكريب الحريري ذي الزخارف اللامعة . وبحضور اهل الدار المجتمعين رسمت جدتي اسمى على شريحة مراسيمية من الورق وضعتها على منصة التقدمة في ركن الصلاة ) . جدته التي تكره جده وتشبعه سخرية كانت روحها ضيقة الافق لا تقهر وهي وحشية في شاعريتها .. اخذته من احضان والديه لتحتفظ به لديها في الطابق السفلي . في عامه الاولى تهاوى من الدرج حين تعثر بذيل كيمونو امه ما تسبب له مرض التسمم التلقائي وكاد يزهقه .. وهنا نصل الى مقطع غاية الدرامية يصعب تصويره لو لم يكن المؤلف مشبعا بالحس المسرحي والتبحر في الدراما <وقفت جدته \ حين استدعيت اثر حادث سقوطه \ عند المدخل منحنية على العصا .. حدقت بجدي بنظرة ثاقبة عندما تناهى صوتها هادئا على نحو غريب كانما تنحت كل كلمة من تلفظها
ــ امات ؟
ـ لا
فنزعت نعليها , اجتازت المدخل عبرت البهو بخطى واثقة تحاكي خطى راهبة > .
يمضي الكاتب باضاءة حياة الطفل والبذور التي ستنمو عميقا فتشكل هيكل مسيرته عبر تحليل سيكولوجي وفلسفي عميق ..مستفيدا من التاريخ الاقدم كالرومان والموروث الياباني وتجربته الحياتية الغنية في وصف يعكس دقة كامرا ولغة سهلة عصية تستدعي تاملا متانيا لفك شفراتها .. فما هي تلك الافكار والصور التي تترسخ في ذهن ووجدان طفل أي طفل لتكونه وتجعله مغايرا ..وهل للتركيب الفسلجي والبيلوجي علاقة بذلك .. حين سألت البريكان مرة عن سر كتاباته عن الموت ووصفه نفسه بانه شاعر الموت اجاب بان حادثة موت اخيه الصغير يكمن السر وراء ذلك لكن عددا لا يحصى شهد حوادث موت لصغار مقربين وظلت فكرة الموت لا تقلقه فما السر اذن …يحاول كويو بروايته القناع ان يجيب :
( ما من شك في ان صورة ما رايت انذاك قد اكتست معنى جديدا , في كل مرة من المرات التي لا حصر لها والتي اعدت النظر فيها من خلالها تكاثف زخمها وتركزت في بؤر النظر , لانه عبر المنظور الغامض والضبابي لذلك المشهد لم ينتصب شيء في جلاء يختل تناسبه مع باقي مكونات المشهد بقدر ما بد ذلك الشخص المقبل منحدرا عبر التل ,ولم يكن ذلك بدون سبب فقد كانت هذه الصورة ذاتها اولى الصور التي قدر لها ان تواصل تعذيبي وبعث الذعر في نفس طوال عمري ) .
لكن لماذا شكل ذلك المشهد لشخص ينحدر من تل , يجمع السماد البشري وهو يحمل نيرا مثقلا بدلوين يوازن ثقلهما باقتدار بخطواته , كشفه الاول لقوة معينة ؟!
سيحاول الكاتب الاجابة وتحليلا لمدى تاثير هذا المشهد ومشاهد اخرى ستصادفه وستؤدي به شخصيا الى الانتحار الشخصي بصورة مرعبة .
(شعرت حيال مهنته < جامع فضلات البشر > بشيء يحاكي اسى نفاذا اسى يصهر البدن راودني الشعور بالمأساة باكثر معاني الكلمة حسية شعور معين بالتخلي عن الذات شعور بالحميمية مع الخطر ..) من هنا تبدأ الساماراوية بالتجلي : الانتحار لحظة الخطر , عدم الاستسلام والتراجع ..حتى في قراءاته المبكرة يستقطبه الموت فحين قرأ لاندرسون تجاذبته قصة \ عفريت الورد ـ حيث فتى جميل يطيح برأسه شرير مستخدما السكين \ … ومن قصص وايلد تأسره قصة الصياد وروحه التي تسجل جثة صياد شاب القتها الامواج على الشاطيء ..ورغم ان الطفل في الرواية قد تستقطبه صور للجمال والفكاهة الا ان قلبه ميال لمشاهد الموت والدم اكثر من سواها .
ويصادف ان يطلع الطفل على لوحة القديس سباستيان للمصور جيدو رينيه فيصف جذع شجرة الاعدام في غابة كابية وشابا وسيما عاريا مقيد الى الجذع ,مخمنا ان اللوحة مشهد لاستشهاد احد المسيحيين : ( ما ان تطلعت الى اللوحة حتى انتفض كياني كله بفرحة طاغية ) .