نـــوران ســعــيد:
(1)
السفر الأخير:
في ليلة كانت قد عرجت الملائكة على مدينتنا كان قد حضر، و في ليلة كانت قد أُغمضت فيها جفونهم كان قد رحل! لملم أغراضه، حزم حقيبته فإمتلئت بكل ما يحتاجه، قلم، كتاب، صور تجمعه و من أحبوه و تلفتوا في الممرات عند ذكر اسمه بحثا عن ذلك الغريب النادر، حملها، حقيبة حبلى بأمنيات صالحات، توجه نحو المطار.. استقبلته موظفة الجوازات؛ – الى أين؟ – ابتسم، أحنى رأسه وهو يفرك عينين اغشتا نظارته فخلعها و مسح عدستها فإنزلقت من يده و انكسرت بصمت! ابتسمت الموظفة آسفةً فَرَدَ الإتسامة البالية هو الآخر، حينها أدرك بأن عليه ان يبتاع نظارات من ذلك البلد، و أن يلبس وجها آخر و أن لا يبتسم إبتسامته الأخاذة و أن لا يُحب كثيراً لأن الأحباب لن يعودا نفسهم و لا الأماكن و لا حتى نظرات الحب.. و هو يَهِمُ بصعود الطائرة, استيقظ على صوت زوجته و هي تناديه” علي!! گوم مو عندك محاضرة للصباحي اليوم؟ لو حر البصرة دوخك ؟” ابتسم ابتسامته الشهيرة و تذكر بأن السفر الأخير كان حلماً و بأن غير العراق أرضا لن يُقَبِل..
(2)
حُلم العمر:
رائحة البخور تعبق بممرات البيت و هلاهلُ تتعالى ما إن عَتِبَ باب الغرفة، عروسٌ خَجلى تبتسم بفرحٍ اجتاح روحها والقلب أرخى ركبتيها عشقا، حبيب العمر ها هو يُزّف إليها في ليلة ملائكية حضرتها كل الأحلام الصغيرات و الخطط الطائشات بمهربٍ إلى بلاد هي وهو إن لم يجمعهما الرب في بلادهما.. خطى مُتعثرا بتلك العباءة لخالةٍ أخذت تقبل وجنتيه، وهنا تساقطن مُتهاديات حباتُ “الواهلية” على اكتافهِ وبين القدمين، هنا، أبٌ اقتعد ذلك الكرسي، فرَحاً فاضت عينيه بالدمع الحار، أغانٍ من تلك الزاوية تُبارك حُبا عُذري تتلقفهُ الوسائد لتذبح منه ذلك المَلَكُ الحارس لينتفضا عشقا و هياما .. انتَظَرَ هذه الليلة أعواما اشهقت فيهم روحه شهقات موتٍ مرة واثنين و ثلاث واشتياق لحبيبة العمر.. خرجن ذوات العباءات من غرفة العشق وتبريكات تتصبب عليهم كعرق خجل حبيبته استحياءً ممن دنا منها حبيبا وزوجا لأبد سرمدي.. أُطفئ النور وانسلا عاشقين متلهفين لأرضٍ لا يولد فيها مُحرمٌ أو عيب ..( انتهى) استيقظ صباحا وعلى خدهِ قد أَمَرَت يديها الناعمات و أغرقتهُ قبلاتٍ حانيات، طفلته الثالثة ذات الأربع سنوات، وهاتف يرنُ مذكراً زواجاً داسَ في العشرين عاما.. و من راديو المربد قد أنسل لأذنيه فؤاد سالم ((أنا يا طير ضيعني نصيبي، حِرت لاني لهلي و لاني لحبيبي، حرت ما بين أنسى و بين ألاگيك….)) أخذ يُكمل وقد ذرف دموعا كجمراتٍ حارقات ((أحن مرة لهلي و مرات أحن ليك)) تناثرت دمعاتٌ حانيات على فراشٍ شاركته امرأتهُ عشرون عاما زواجا، وحُلم ! حُلم ليلة البارحة بحبيبة العمر حُلماً داخل حُلم..