طرح الكاتب الجزائرى جايلى العياشي رؤية للتأمل ،كتب وقال
(.. و هكذا توقفت أنفاس الإبداع بدخول القرن 21 ،ودع العالم أدب القيم و الجماليات، و دخل في نفق أدب الجوائز
و المشاكسات.)
إذن هى دعوة للمتأملين لتحليل الواقع وربطه بتأثير التواصل الإجتماعي على الأدباء فى الجزائر والإشارة لضعف القراءات النقدية وضعف النصوص وتتويجها
من يقف وراء هذه المهزلة
سؤال طرحناه على ضيوفنا من الجزائر البروفيسور محمد بشير بويجرة من جامعة وهران والكاتب عزيز فيرم والروائي دريس بن حديد
كتبت:أ.تركية لوصيف
د.محمد بشير بويجرة
—–
دعوا الناس تكتب لإرواء عطش الكتابة ومع الزمن نرى من هو الكاتب الجيد ومن هو الكاتب الضعيف
===
لم يشكك د.محمد بشير بويجرة من جامعة وهران ماصاغته المقولة المراد مناقشتها ولمح لذلك الإشكال الحقيقي الذى بات يعيشه الأدب على عصورنا المتأخرة، وأشار إلى طرح المصوغات كون
ـالعالم قد ودع أدب القيم و الجماليات ولكن وجد
مثل هذا الحكم قاس نوعا ما، و ذلك على اعتبار أن الأدب كانت أغلبية سجلاته تعاني من أزمات التي منها بدون شك اعوجاج الأفراد عن السلوكات الطيبة خلقا و إنسانية، و ذلك ما جعل كبار الأدباء يحاكمون و يقتلون على ما يكتبون و على اقوالهم ثم عرج على ادب
الجوائز و المشاكسات وقال نحن
نعرف بأن الأدب ارتبط بالتعبير صدقا عن أصناف أنفس متعددة الأهواء و الرغبات، مما أعطى للأدب مساحة أوسع لتصويرها في نصوص قصصية ومسرحية عبر الحقب و الأزمان، مما يعني المشاكسة في الأدب جميلة، كما نعلم بأن هناك آداب راقية و أدباء عظماء قد سجلوا أدوارا مختلفة و متعددة عبر الحقب الزمنية. واستعان فى حديثه بتأثير التواصل للإجتماعي وأكد
أن هذا العلم الجديد قد قلب كثيرا من موازين حياة الإنسان حتى الدول و ذووا النفوذ و الجاه، و ذلك بسبب انسياباته اللامرئية عبر الأقمار الصناعية التي يصعب التحكم في ما ترسل و تنشر. و ذلك ما يجعلني أقول بأن العملية مقصودة من الأساس؛ عملية بث فوضى في كل شيء، و لما لا في الأدب؟. و الأدباء الجزائريون جزء من هذا العالم و هم بشر، زيادةعلى أنهم عانوا الغبن و المعاناة خلال قرن و نصف.
وقال د بويجرة فى ضعف القراءات النقدية أنه يرى
بأن هنا يكمن الإشكال بالنسبة إلينا في الجزائر، حين نجد المؤسسات القوية التأثير مثل المؤسسات التعليمية؛ التربية، الجامعة، يبهت فيها النص الأدبي الجزائري، ناهيك عن القنوات التلفزيونية التي تهمل إهمالا كاملا الأدب ولا تقدره حق قدره. مع العلم أن المسألة الترويجية لأي مادة أو لأي محتوى تلعب دورا قويا لدى المستهلك.
كما أجد بأننا في الجزائر مغرومون، ربما، أكثر من اللازم بآلات التواصل الاجتماعي؛ الهواتف الذكية، التي أفقدتنا فائدة التركيز الملازمة لعملية القراءة. و ذلك زيادة على تقاعس دور النشر في الجزائر على توفير الكتاب لجميع مناطق الوطن. و زيادة على انعدام فعل القراءة عند الآباء انعداما كاملا.، كل هذه العوامل تهمش قراءة الأدب و لا تعطيه ما يستحقه عند الأمم الأخرى، وفى ضعف النصوص الأدبية
قال ان النصوص الجزائرية جميلة جدا و متميزة، و هذه هي سنة حياة الأدب؛ إذ ليس كل ما يكتبه الناس عامة يعتبر أدبا جيدا، فعند ما نتحدث مثلا عن الأدباء الكبار في العالم؛ هل وحدهم كانوا يكتبون؟، بل هناك الآلاف كانوا يكتبون أيضا، لكن الجيدون بقوا على قيد الحياة الفنية و الآخرون انقرضوا، و ذلك ما يجعلني أقول: دعوا الناس تكتب لإرواء عطش الكتابة، و سنرى مع الزمن من هو الجيد و من هو الضعيف.واختتم مداخلته بالحديث عن موضوع تتويج النصوص ويراها مشكلة
حين يصب أشخاص و مؤسسات بأموالهم هم مسؤولون على تتويج النصوص و منحها أموالا مغرية نتيجة لتقييم قام به أشخاص مدفوع لهم بالعملة الصعبة سلفا، و ليت التقييم يكون موضوعيا و فنيا، بل نعرفه ميالا إلى أزقة أيديولوجية و جهوية و عرقية، و في أحسن الأحوال لتسويق صورة شخص ما أو مؤسسة أو جهة ما ليبعد الستار عن كواليس
هذه المهزلة ومن يقف وراءها
في غياب الوعي الحقيقي بقيمة الأدب، و قصد هنا وعي الدولة الوطنية التي يجب عليها أن تعمل على لم، تحت أجنحتها، كل أدباءها، بفتح قنوات الحوار الثقافية و الإعلاء من شأن الأدب و الأدباء كما تفعل مع كرة القدم التي أصبحت سيدة المقام داخل الأسرة الجزائرية حتى أصبح أبناؤنا و أزواجنا و كل أهالينا يسخرون منا عند ما يرون حالنا و يروا حال شباب كرة القدم يلعبون بالملايير، طبعا زادهم الله خيرا على خير. مما صعب علينا إقناع أبناءنا و بناتنا بقراءة الأدب و إعطائه القيمة اللائقة به.
===
الروائى عزيز فيرم
========
أدب المناسبات والمراهنات يلوح بجناحيه كالنسر الضاري، ولا أريد أن أشخّص كتبا أو كتابا أو دور نشر أو مسابقات وقعت في المستنقعات
=========
ولأوب مرة على صفحة جريدة المسار العربي يشارك فى الندوة الثقافيةرقم 12 الكاتب السياسي عزيز فيرم والذى يكتب فى جنس الرواية أيضا ،استهل مداخلته
بتحديد زمن الألفية الثالثة،وما شهده على الصعيد الثقافي بشكل عام والأدبي بشكل خاص قاب أن حدوث العديد من الطفرات التي أصابت الأدب بانتكاسات وعلل لم تكن موجودة قبله أو على أقل تقدير لم تكن طاغيّة بشكل لافت ، فمع قوة الزخم الذي دفع بالتكنولوجيا إلى أقصى درجات التطور بل والانفلات كذلك، ومع بروز وتشكل منصات التواصل الاجتماعي إتساقا مع ذلك، نمت بشكل هستيري النّصوص في مجالات الكتابة الأدبية بجميع حقولها (الرواية والقصة والشعر…)، ولا نغالي إذ نقول بأنّ منصات التواصل الاجتماعي تلك كان لها التأثير البالغ في زيادة أعداد الكتب والمؤلفين ودور النشر على حد سواء وأرجع هذا
لقضية الشهرة والبروز دافعا بارزا وراء تلك الزيادات عطفا على التنافس الشرس بين كتّاب هذا الجيل للرفع من عدد المتابعين والمشاهدين على حساباتهم الشخصية في تلك المنصات، يحدث ذلك –مع بالغ الأسف- دون مراعاة للجانب القيمي الذي تمّ إهماله بل والدّوس عليه فقط لتحقيق الدعاية والشهرة ولو على حساب الدّين، فما بالك بالعوامل القيميّة الأخرى.وقال أنه
يعتقد بأنّ ثمّة معضلة أخرى قد أفسدت الأدب وضروبه، وجعلت منه مادة منتهكة مباحة، إنها معضلة المسابقات -وبروز أدب المسابقات- التي تنظّم هنا وهناك والجوائز التي تقدّم، تلك المسابقات التي تضع شروط المشاركة فيها بشكل مثالي ثم تنقلب لتمنح الجوائز لنصوص بائسة تعيسة شاذة، ما جعلت كثيرا من الكتّاب ينزعون لتفصيل كتاباتهم على مقاس منظمي تلك المسابقات التي لم تنشر توجهاتها وايديولوجياتها ولكن عُرفت ضمنيا، نصوص تمجّد وتقدس جهات وأطراف معينة وتسيس القضايا وتضرب الهوية ومقومات وأصول الدّين في أعماق الأعماق، والثمن جائزةٌ لا تساوي علبة زبادي!!
وتطرق فى مداخلته فى موضوع النقد، فنقد النّصوص وتقييمها ووزنها وعرض الخبيث منها والطيّب على حد سواء، وتوجيه القاطرة إلى بر الأمان دون مخافة ودون خنوع وتذلل، مسألة أصبحت في حكم خبر كان، النقد اليوم أصبح من أجل مدح هذا الكاتب أو ذاك والتزلّف لهذه الكاتبة أو تلك، دون مراعاة لقيمة وجودة ما تنتجه الأفكار بحق، فقيمة الكاتب ليست في نصه بل في شكله، ومستوى الكاتبة ليس في نصها بل في وجهها، فتضاحل مستوى النقد واندثرت كل قيمة فيه.
اليوم من يحدّد مستواك ككاتب ليس ما تكتبه من حرف نقي و كلمة نظيفة، بل في ما تظهره للنّاس من عراء وميوعة سواء في حرفك أو في هندامك أو في شكلك،
وختم مداخلته بتحديد المسؤولية الجماعية حتى لا نحمّلها البعض دون البعض الآخر، لذا يجب الانصراف إلى معالجة الوضع وقبل ذلك تشخيصه بدقة من طرف الخبراء قبل غرق سفينة الأدب المثالي الجميل، وطغيان أدب المناسبات والمراهنات الذي بدأ يلوح بجناحيه كالنسر الضاري، ولا أريد أن أشخّص كتبا أو كتابا أو دور نشر أو مسابقات وقعت في المستنقعات لأن الأمر أصبح عاديا ومعروفا ويمكن لأي أحد معرفته والاطلاع عليه دون أي جهد كان.
====================
الروائي دريس بن حديد
القارئ المثقف يساهم بالسكوت وهؤلاء الإنتهازيين أشبه بطهاة في مطاعم متواضعة في شوارع متسخة لا يجيدون حتى تحضير طبق “فريت أومليت”
=====
ليست وسائل التواصل الإجتماعي وحدها من تتحمل مسؤولية هذه المهزلة، فالمتهمون حسبه كُثر ،فمثلا إنتهاج سياسة الريع والمحسوبية والجهوية حتى هناك أيضا موضة إسكات المخرجين بسفريات ومشاركات خارجية وغيرها من الأسباب ساهمت في تكريس الرداءة، وتفنن أصحابها بإبتكار طرق ووسائل عديدة حولت العملية الإبداعية إلى عملية تكرار ،تفتقد للإبتكار وتنفي عنها صفة الأصالة فأصبحنا نرى نمطية منفرة ليس فقط في المادة الإبداعية بل للفاعلين فنجد نفس الوجوه في لجان التحكيم لمسابقات، ومهرجانات ، وفي بلاطوهات البرامج التلفزيونية ،والإذاعية ، فترسخت في الأذهان صور محددة ومختارة بعناية من قبل بعض القائمين على المؤسسات الثقافية على اختلاف أنواعها مستهزئين بذلك أيما إستهزاء بالذوق العام للمتلقي
…إذا ما مصير المبدع الحقيقي في هكذا حالات ؟!!
ربما سيلجأ إلى وسائل التواصل الإجتماعي فليس بالضرورة كل الذين يكتبون في جدارنهم الفيسبوكية سيئين وأنا هنا لا أعارض الأستاذ (جايلي العياشي) بل أقول أن تلك الوسائل سيف ذو حدين, فهي نافعة بقدر ضررها وأذاها في بعض الأحيان.
قال ايضا الروائى دريس انه يتفق معه أيضا في أن العملية الإبداعية الحقيقية تستغرق الكثير من الوقت ولا مناص هنا من إستعمال الورقة والقلم بمعنى آخر العملية التقليدية والكلاسيكية والتي لطالما أثبتت جدارتها ، فهي الطريقة التي أنتجت وساهمت في إثراء الريبرطوار العالمي وحافظت على نزاهته عكس الحاصل الآن من سرقات أدبية ،فيكفي أن تقوم بعملية لصق ونسخ دون مراعاة للعرق المسال والذي يتكبده المبدع الأصلي ،القراء المزيفون ساهموا أيضا في خلق وتنمية المبدع المزيف عبر خاصية الجامات والمشاركات والتعليقات والتفاعل القوى والمزعوم عمومًا .
…أما القارئ المثقف فيساهم بالسكوت عن تلك المهزلة ، هو لا يلتزم الصمت فقط على ما يراه حينما يتصفح الجدران الفيسبوكية إنما يغض البصر عن عشرات المطابع التي تشجع الكُتاب الذين لا يقرأون بل الكُتاب الذين لا يستحون فلا يشتغلون على نصوصهم ولا يقومون بالبحث ويصل بهم الغرور أحيانًا لعدم حضور ورشات لتعلم الكتابة . إذًا هم أشبه بطاهيٍ في مطعم متواضع في شارع متسخ لا يجيد حتى تحضير طبق “فريت أومليت” هؤلاء الكُتاب يكون شغلهم الشاغل تذيل إسمهم غلاف كتاب لا يهم محتواه ذلك المحتوى في الغالب يكون عادةً عبارة عن يوميات وسيراً ذاتية.
ربما أسرفت في الحديث عن هذه العينة لكن هي مثال فقط عن كل العينات وفي جميع المجالات الإبداعية والثقافية فالمسرح أيضا يعاني من المتطفلين والموسيقى بل وكل الفنون الاخرى … في النهاية نحن تحت رحمة زر الإعجاب والدكتوراه الإلكترونية الفخرية وسياسة الريع و دور النشر أصدقاء الاخطاء النحوية وغيرها من مظاهر صناعة الابداع والمبدعين المزيفين .