احتضار المعنى في صمت الامكنة- شيخوخة جامع للأديب كاظم حسن بقلم: بسمة الصباح/ سوريا

هذا النص البديع ليس مجرد حالة تأمل مسجد يحتضر، بل هي تأمل عميق في الشيخوخة كفكرة وجودية تتجاوز المكان لتطال الزمن والإنسان والروح.
قصيدة تتساءل عن المصير حين يخذل الزمن معالمه، وحين تتآكل القيم كما يتآكل الجسد، وحين يصبح الماضي مجرد أطلال لا يتذكرها أحد.
النخيل، الذي كان رمزاً للحياة والخصوبة والاستمرارية، يُطرح أرضاً في خيانة متعمدة، وكأن الغدر لا يطال البشر فقط بل يمتد إلى الطبيعة والرموز التي كانت شاهدة على زمن مختلف.
هذه البداية ليست مجرد صورة طبيعية، بل هي مدخل إلى الإحساس بالفقدان، حيث لا شيء يبقى على حاله، وحيث العنف الصامت يمحو أثر الأشياء دون أن يثير ضجيجاً.
المسجد، الذي يُفترض أن يكون مكاناً نابضاً بالإيمان والتواصل الروحي، يتحول إلى فضاء مهجور، وذاكرة صامتة لماضٍ لم يعد له امتداد في الحاضر. هذا المسجد ليس مجرد بناء، بل هو استعارة لواقع أوسع: واقع الفراغ الروحي الذي يملأ العالم حين تفقد الأماكن وظيفتها الحقيقية، وحين يصبح الدين ممارسة شكلية لا تتجاوز الأداء المسرحي.
فالمصاحف المصطفّة على المساند الخشبية ليست مجرد كتب مقدسة، بل هي شواهد على زمن غابر، وعلى حالة من الانفصال بين الإنسان وما كان يفترض أن يكون جوهر وجوده.

ظهور الطفل البدين لا يكسر الصمت بل يعمّقه.
هو يمثل جيلاً جديداً لم يرث الإيمان كحالة وجدانية بل كأداء يجب إتقانه.
صلاته الحماسية ليست دليل إيمان، بل علامة على محاكاة خاوية، وكأن الدين بات مسرحاً يؤدي فيه الأفراد أدوارهم بإتقان دون أن يكونوا متصلين حقاً بجوهره. وهكذا، يتحول المسجد إلى مشهد مسرحي، لكنه مسرح بلا جمهور، حيث الاحتضار هو الحدث الأبرز، وحيث الزمن نفسه يصبح بطلاً يتلاشى أمام العزلة المتزايدة.

ختاماً:
القصيدة ليست فقط عن مسجد يحتضر، بل عن حضارة وقيم وإنسانية فقدت بوصلة الإيمان الحقيقي، لا بمعناه العقائدي فحسب، بل بمعناه الأعمق:
الإيمان بالمعنى وبالوجود وبالآخر.
والجامع في صورته الرمزية، ليس سوى استعارة للعالم الذي بات يتداعى، حيث لا أحد يعود، وحيث حتى الطقوس لم تعد قادرة على استدعاء الروح، بل أصبحت مجرد أصداء في فراغ لا يسمعها أحد.

برؤية بسمة الصباح
—-
شيخوخة جامع قصيدة
نخلتان اجهز عليهما غدرا
آثار المعول قاسية في رأس احداهما
ممدودتان في تيبس على التراب
وسط باحة المسجد
تشكلان زاوية منفرجة
انقطع منهما الانين وتناسى جثتيهما الاخرون.
بقايا جذوع اشجار زرعت نسقا..قطعت بمستوى الركب
تشكل لوحات لم يتحكم بها ازميل
لكنها لوحات عميقة
تتشكل بهندسة فنية باهرة.
لم يدخل مكان الوضوء سواي..
لكني دخلت لاغسل وجهي واخرج.
قلت القي نظرة داخل قاعة المسجد
فالاذان رفع توا واكتمل
لا شيخ يخطب ولا مؤمنون يتصافحون بعد انتهاء الصلاة
المصاحف المهجورة صفت على مساند خشبية صممت بشكل( x ) .
كتب على الجدران بزرقة عميقة ( ويطوفون عليهم ولدان مخلدون. ..)
طفل واحد بدين
اتى
فرش سجادته..وصلى بصوت مرتفع وحماس وخشوع
صلاة متقنة التمثيل…
الجامع يفتح قبيل الاذآن ويغلق بعد نصف ساعة.
الجامع يحتضر
ترجّه رهبة غامضة
الجامع قفر
بعد ان يأس من زيارة المؤمنين.
19 مارس2025

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *