البعد القضوي والفني في المجموعة القصصية “ورطة” لعبد اللطيف ديدوش.. بقلم: عبدالرحيم التدلاوي/ المغرب

تندرج المجموعة ضمن القصة القصيرة جدا وترسم معالم التعامل معها انطلاقا من هذا التجنيس؛ ولا ينبغي تحميلها ما لا تحتمل؛ فهناك عناصر اساسية تشكل هويتها من مثل القصر والتكثيف وخطاب البباضات وتشغيل السخرية والمفارقة والتناص فضلا عن القفلة المراوغة. وإذا؛ يمكن القول إن المجموعة تنضبط لهذه العناصر وهو ما سنقوم بتحليله بتقديم الجانب القضوي أولا.

تحليل الغلاف:

الغلاف الأمامي والخلفي لهذا الكتاب يشكلان معا لوحة فنية متكاملة تحمل رسالة بصرية وفكرية مميزة. يظهر العنوان “ورطة” في منتصف الجزء السفلي من الغلاف الأمامي بخط كبير وواضح، مما يجذب الانتباه مباشرة ويثير الفضول حول مضمون الكتاب. تعزز كلمة “ورطة” شعور الدراما والتشويق، حيث تشير إلى مأزق أو موقف صعب. الرسمة الرئيسية، التي تظهر فيها شخصية غامضة تحتضن صندوقًا، تعكس من خلال ألوانها القوية (الأحمر والأبيض) إحساسًا بالغموض والضغط، ما يرمز إلى الحيرة أو الصراع الداخلي وربما أسرار أو قرارات مصيرية. الخلفية المكونة من الأضواء الحضرية والمباني تشير إلى صخب الحياة في المدينة وما تحمله من ضغوط عصرية قد تؤدي إلى الوقوع في “ورطة”. أما اسم المؤلف، فيظهر أسفل العنوان بخط أصغر، مما يعزز ارتباط القارئ بالمؤلف ويبرز هويته.
على الغلاف الخلفي، يبرز النص الوصفي في إطار زخرفي أنيق، حيث يقدم لمحة فلسفية وشاعرية حول مضامين الكتاب، مما يثير فضول القارئ ويدفعه للتعمق أكثر في المحتوى. إلى جانب ذلك، تظهر الصورة الشخصية للكاتب في أعلى الغلاف لمسة شخصية تضفي مصداقية وتعزز التواصل مع القارئ. ويبرز شعار دار النشر في الأسفل ليعكس الاحترافية ويعطي انطباعا بجودة العمل. العناصر البصرية الأخرى، مثل اللون الأحمر المسيطر، تعبر عن التوتر والعاطفة، في حين تضفي الألوان الداكنة خلفية غامضة متوازنة مع الأبيض الذي يضفي هدوء بصريا. النص القصير جدا على الغلاف الخلفي يستخدم لغة شاعرية تتحدث عن الأرض والسماء والبشر، مما يعكس تناقضات الحياة والصراعات التي قد ترتبط بفكرة “الورطة”. بشكل عام، يعمل التصميم بترابط وتوازن بين جميع العناصر البصرية والنصوص، مما يخلق هوية بصرية مميزة تعكس موضوعات الكتاب وأسلوب المؤلف بوضوح وجاذبية.

عن المبدع:

عبد اللطيف ديدوش كاتب يمتلك رؤية واضحة وملتزمة تجاه قضايا وطنه والإنسان بشكل عام. في مجموعته القصصية “ورطة”، يظهر بوضوح أن الكتابة لديه ليست مجرد لعبة بالكلمات، بل هي مسؤولية أخلاقية وفكرية. ينطلق من هموم المجتمع وقضاياه، معبرًا عن رفضه للظلم والقبح، وداعيًا إلى قيم الخير والجمال. كتاباته تنفر من العبث وتتميز بقصدية عميقة، حيث يرى أن الأدب يجب أن يكون حاملًا لفكر الكاتب ورؤيته، وليس مجرد تسلية فارغة.
يستخدم ديدوش السخرية كأداة فعالة في نقده للواقع الاجتماعي والسياسي. يعتمد على التناص والقفلة غير المتوقعة لإيصال رسالته، مما يجعل نصوصه قوية ومؤثرة. السخرية لديه ليست مجرد تهكم، بل هي وسيلة لفضح التناقضات والظلم في المجتمع. من خلال هذا الأسلوب، يسلط الضوء على القضايا المنفلتة من مسار الخير، ويعريها ببراعة، مما يجعل القارئ يتفاعل مع النص بشكل عميق.
القضايا التي يتناولها ديدوش متنوعة، تتراوح بين الوطنية والإنسانية. فهو لا يغفل عن الجانب الاجتماعي والسياسي والثقافي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالكتابة الفارغة من المحتوى والتي تفتقر إلى الهدف. كما يولي اهتمامًا خاصًا للقضية الفلسطينية، التي يرى فيها قضية مركزية، ويشيد بأطفال الحجارة الذين أصبحوا رمزًا للمقاومة والصمود. هذه القضايا يتم تناولها بأسلوب مكثف ودقيق، حيث يختار الكلمات بعناية فائقة لتكون معبرة ودالة.
أسلوب ديدوش يتميز بالدقة في اختيار الكلمات والمعاني، مما يجعل نصوصه غنية بالدلالات. يستخدم جملًا قصيرة ومكثفة، تعطي النصوص قوة وتأثيرًا كبيرًا. كما يعتمد على التناص مع نصوص أخرى، مما يضفي على أعماله عمقًا ثقافيًا. القفلة غير المتوقعة في نهاية النصوص تجعل القارئ يفكر ويتمعن في المعاني الخفية، مما يخلق تفاعلًا ذهنيًا ونقديًا مع النص.
في النهاية، يمكن القول إن عبد اللطيف ديدوش كاتب يمتلك رؤية فكرية وأدبية واضحة. كتاباته ليست مجرد تعبير عن الواقع، بل هي دعوة إلى التفكير والتغيير. من خلال السخرية والنقد اللاذع، يسلط الضوء على قضايا المجتمع والإنسان، داعيًا إلى قيم الخير والجمال. أسلوبه المكثف والدقيق يجعل نصوصه قوية ومؤثرة، مما يضعها في مكانة خاصة ضمن الأدب المعاصر.
العناوين الداخلية بوابة التأويل في مجموعة “ورطة”:

في مجموعة “ورطة” القصصية القصيرة جدًا، تبرز العناوين كعناصر جمالية وفنية ودلالية متقنة الصنع، تحمل في طياتها عوالمَ غنيةً من المعاني والإيحاءات. هذه العناوين ليست مجرد كلمات تعلو النصوص، بل هي بوابات تأويلية تفتح أمام القارئ آفاقًا من التساؤلات والتأملات، وتدعوه إلى الغوص في أعماق القصص لاستكشاف ما وراء السطور. تتنوع العناوين بين الأسماء الأسطورية والتاريخية، والكلمات ذات الحمولات الثقافية والاجتماعية العميقة، مما يجعلها مرآة تعكس رؤية الكاتب الفكرية والفنية، وتخلق حوارًا ثريًا مع القارئ. من بين هذه العناوين، نجد أسماء أسطورية مثل “نرسيس” و”مورفيوس” و”إيزوس”، التي تحمل في طياتها أبعادا جمالية وفنية ودلالية متشعبة. فـ”نرسيس”، على سبيل المثال، ليس مجرد اسم أسطوري يوحي بالجمال الذاتي والفتنة، بل يثير تساؤلات حول علاقة الذات بالجمال، وهل يمكن أن يصبح هذا الجمال فخا أو لعنة. كما يشير إلى النرجسية والأنانية، ويعكس شخصية متورطة في حب الذات لدرجة الهلاك. أما “مورفيوس”، فيحمل غموضا وسحرا يوحي بعالم الأحلام والوهم، ويثير تساؤلات حول طبيعة الأحلام والواقع، وهل يمكن أن تكون الأحلام ملاذا أم سجنا. في حين أن “إيزوس”، بجمالها الأنثوي الأسطوري، توحي بالقوة والسحر، وتدعو إلى التأمل في دور المرأة ومكانتها، وتعكس قصة امرأة قوية ومؤثرة. إلى جانب الأسماء الأسطورية، تظهر عناوين أخرى تحمل معاني عميقة ومؤثرة، مثل “قربان” و”كوليزيوم” و”ياجوج”. فـ”قربان” كلمة قوية توحي بالتضحية والفداء، وتثير تساؤلات حول من يقدم القربان ولماذا، مما يعكس قصة شخص مضطر للتضحية من أجل البقاء أو من أجل الآخرين. أما “كوليزيوم”، فيحمل في طياته عظمةً تاريخيةً توحي بالصراع والعنف، ويثير تساؤلات حول طبيعة القوة والسلطة، ويعكس قصة صراع أو قمع. في حين أن “ياجوج”، بغرابته وإثارته للفضول، يوحي بالخطر والدمار، ويدعو إلى التفكير في قوى الشر والتدمير، ويعكس قصة صراع ضد قوى الشر أو الفوضى. ولا تقتصر العناوين على الأسماء الأسطورية والتاريخية فحسب، بل تمتد لتشمل كلمات حديثة ومباشرة مثل “أيقونة”، التي تحمل معنى الرمزية والأهمية. هذا العنوان يوحي بالتأثير والأهمية، ويثير تساؤلات حول ماهية الأيقونة ودورها، ويعكس قصة شخص أصبح رمزا أو قدوة.
بشكل عام، تتميز عناوين مجموعة “ورطة” بتنوعها وثرائها الدلالي، حيث تعمل كمداخل لعوالم القصص، وتثير فضول القارئ وتدعوه إلى التفاعل مع النصوص. هذه العناوين تعكس ثيمات المجموعة وأبعادها الفكرية والفنية، وتخلق حوارا ثقافيا مع القارئ من خلال الانزياحات اللغوية والزمنية والمكانية. فكلمة “حلزون”، على سبيل المثال، لا تحيل فقط إلى الكائن، بل ترمز إلى البطء والتملص والدورة الزمنية المغلقة، بينما عنوان مثل “فيزياء” ينقل المصطلح العلمي إلى سياق أدبي، ليعكس قوانين العلاقات الإنسانية أو التصادمات العاطفية. كما تفتح العناوين بابًا للحوار مع الذاكرة الجماعية والرموز الثقافية، مثل “لبلاب” الذي يحيل إلى أسطورة ديونيسيوس في الميثولوجيا الإغريقية، حيث يرمز اللبلاب إلى الخلود والتجدد. هذا الحوار التناصي يعمق الإحساس بالهوية والانتماء، ويجعل العناوين خريطةً لثيمات العمل الرئيسية، مثل الهوية والحركة والاغتراب. في النهاية، تشكل عناوين “ورطة” لوحةً لغويةً غنيةً، تجمع بين الجمالية اللغوية والتكثيف الدلالي، وتدعو القارئ إلى استكشاف الطبقات المخبوءة خلف الإيجاز اللغوي. هذه العناوين ليست مجرد كلمات، بل هي عوالم قائمة بذاتها، تتفاعل مع خيال القارئ وتفتح أمامه آفاقًا جديدة للتأويل والتفكير.
باختصار، السخرية والمفارقة ليستا مجرد أدوات بلاغية، بل هما وسيلتان قويتان لفهم العالم من حولنا، حيث تكشفان التناقضات الخفية وتدفعاننا إلى التفكير النقدي.
عبد اللطيف ديدوش كاتب يمتلك رؤية واضحة وملتزمة تجاه قضايا وطنه والإنسان بشكل عام. في مجموعته القصصية “ورطة”، يظهر بوضوح أن الكتابة لديه ليست مجرد لعبة بالكلمات، بل هي مسؤولية أخلاقية وفكرية. ينطلق من هموم المجتمع وقضاياه، معبرًا عن رفضه للظلم والقبح، وداعيًا إلى قيم الخير والجمال. كتاباته تنفر من العبث وتتميز بقصدية عميقة، حيث يرى أن الأدب يجب أن يكون حاملًا لفكر الكاتب ورؤيته، وليس مجرد تسلية فارغة.

التناص والحوار مع الثقافة:

تنخرط العناوين في حوار متشابك مع رموز وأساطير وتاريخ وثقافات مختلفة. فالعنوان “لبلاب”، مثلا، قد يحيل إلى أسطورة ديونيسيوس في الميثولوجيا الإغريقية، حيث يرمز اللبلاب إلى التجدد والخلود، مما يثري البنية الرمزية للنص. كما أن “كوليزيوم” يستدعي صراعات الإمبراطورية الرومانية، ما يربطه بدلالات العنف والاستعراض والقوة. في حين أن “أيقونة” تجسد فكرة الرمزية والتقديس، وتحيل إلى الأشخاص أو الأشياء التي تكتسب مكانة خاصة في الوجدان الجمعي.
وحين ننتقل إلى القصص، فإننا سنجد الكثير منها يوظف التناص لإغناء النصوص عبر استدعاء شخصيات أسطورية ورموز دينية والتحاور معها بإضفاء ابعاد جديدة لها أو تركها كما وردت في الأصل لخلق مفارقة مع اللحظة الراهنة، أو أنها تقوم بإفراغها من دلالتها المتعارف عليها وإكسابها دلالة تناسب سياق النص.
ومن بين القصص التي نجدها قد شغلت التناص بشكل كبير لدرجة توظيفها لعدد من الرموز في حيزها الصغير نجد قصة “ياجوج” و”أيقونة” و”أسطورة” وغيرها من النصوص. فلنحاور قليلا القصة الأخيرة:
تقدم القصة حكاية مكثفة تحمل في طياتها طبقاتٍ من الرمزية والتناص الثقافي والديني، لتشكل نقدا لاذاً ممزوجا بالسخرية للقوة المهيمنة وتجسد صرعاً وجوديا بين العنف المدعم بالأساطير، والضعف الذي يحمل في داخله بذور الثورة. تدعو القصة القارئ إلى تأويلها عبر مفرداتٍ محكمة تدمج بين الميثولوجيا اليونانية، والتاريخ الإسلامي، والمرجعية القرآنية، في بناء فني يعكس رؤيةً فلسفيةً عميقة. وتدفعه إلى البحث عن عنصري الصراع.
تبدأ القصة بخلق عالمٍ أسطوري عبر الإشارة إلى “زوس” (إله السماء في الميثولوجيا اليونانية)، و”هرقل” (البطل القوي)، و”المعتصم” (الخليفة العباسي الشهير بحملاته العسكرية). هذه الشخصيات تمثِل سلطةً ثلاثية الأبعاد؛ الدينية والتاريخية والبطولية. تجتمع هذه القوى تحت جناح “أسطورة” تتدرب على الحرب، لكنها توصف بأنها “مدنسة”، مما يشير إلى انحراف القوة عن غاياتها الأصيلة وتحولها إلى أداة فساد.
في المقابل، تظهر “براعم” ضعيفة تستخدم “حجارة من سجيل” لهزيمة الأسطورة. هنا، يستدعى الرمز القرآني (سجيل) الذي ارتبط بعذاب الله لقوم لوط، ليعكس فكرة أن القوة الحقيقية ليست في العدة العسكرية، بل في العدالة الإلهية أو الأخلاقية التي تحمي المستضعفين. “البراعم” ترمز إلى الحياة الناشئة، البريئة، التي تحطّم بطش الأساطير الكبرى بحجارةٍ صغيرةٍ لكنها مقدسة.
وإذا، فالصراع بين طرفين غير متكافئين، لكن الطرف القوي يحمل ضعفه في ثناياه، كونه يعتمد على الأسطورة في صراعه المدنس، بينما الطرف الثاني بدا ضعيفا في المواجهة لكنه يحمل قوته من خلال إيمانه بالله وبعدالة قضيته. والقارئ، سيلمس من خلال تفكيك رموز القصة إلى أن الحديث، هنا، هو بين الكيان المغتصب وبين أطفال الحجارة.
هذا المزيج من الرموز يشير إلى أن النقد ليس موجها ضد ثقافةٍ بعينها، بل ضد تكريس العنف كأداة للهيمنة عبر العصور، سواء أكانت مقدسةً أم دنيوية.
والحدث المحوري في القصة هو هزيمة “الأسطورة” المدججة بالسلاح على يد أطفال صغار. وتشير فكرة القصة إلى أن القوة المفرطة تحمل في داخلها بذور دمارها، وأن الشرعية الأخلاقية تهزم البطش مهما بدت غير قادرة.
في النهاية، تتحول القصة إلى مرآة تعكس واقعا معاشا، حيث هيمن الكيان مبررا حروبه بأيديولوجياتٍ أسطورية دينية أو تاريخية، بينما تقاومه انتفاضة أطفال مؤمنين بأن الحق معهم وإلى جانبهم. إنهم أطفال فلسطين الذين يحملون حجارة الحق معهم.
لا بد من مناقشة بعض قصص المجموعة من المنظور الفني، فقد بدت ضعيفة على مستوى الموضوع والمعالجة الفنية. ففيما يخص الموضوع، نجد أنها طرقت قضايا مُستهلكة سبق لتجارب إبداعية عديدة أن أبدعت فيها، مثل قصة “رضيع” التي تناولت قضية التدخين، وهو موضوعٌ تُنافس عليها كتاباتٌ بارزة (كمثال: قصة الكاتب عبد السميع بنصابر التي قدَّمت رؤيةً عميقةً بأسلوب مكثَّف). أما على مستوى المعالجة الفنية، فقد افتقدت القصصُ الترميز الغني والإيحاءَ المفتوح، مما أفقد النصوصَ طبقاتها الدلالية، كما أن النهايات المفاجئة (كقفلة قصة “رضيع”) حدَّت من تفاعل القارئ وألغت دوره في تأويل النص، حيث قدَّمت الحلولَ جاهزةً بشكلٍ يُكرِّس القراءةَ السلبية.
واجهت القصةُ الأخرى “إيروس” إشكاليةً مشابهة؛ فعلى الرغم من توظيفها التناص المثير، إلا أن النهايةَ المباشرةَ قللت من تأثيرها الفني، خاصةً إذا قارناها مع تجربةٍ سابقةٍ للكاتب عبد الفتاح كيليطو الذي أبدع في طرح موضوع مشابه عبر حبكةٍ مُحكَمةٍ تخلق التوازنَ بين الغموض والوضوح.
أما قصة “أسطورة” فقد تم أرهاقتها كثر الرموز الموظفة. ففي حيز صغير جدا مكون من سطرين تم استدعاء “زوس” و “هرقل” و”المعتصم” و”حجارة من سجيل” فضلا عن صفة “المدنس. وهذا التوظيف المكثف للتلك الرموز قد يتعب القارئ الذي سيجد نفسه مدفوعا إلى تفكيك معانيها بعد البحث عن دلالتها؛ وقد ينفر منها ويبتعد لأن لا طاقة له على البحث المضني للقبض عن معنى محتمل ودلالة ممكنة وهو القارئ المستعجل الذي يبحث عن المغزى بأقل كلفة. والنتيجة أن مثل هذا النوع من القصص سيظل مقفلا على نفسه لا يخاطب سوى النخبة.
غير أن هذه الملاحظات لا تقلل من قيمة المجموعة ككل، فهي تضم عددا من القصص المتميزة في البناء الفني والعمق الفكري، حيث تجلّت براعةُ الكاتب في توظيف اللغة والإيحاء، مما يبرز تنوعَ التجربة ويُؤكد قدرتَه على تقديم أعمالٍ تستحق القراءة النقدية المتأنية.

على سبيل الختم:

بشكل عام، النصوص في هذه المجموعة لا تقدم إجابات جاهزة؛ بل تطرح تساؤلات عميقة وجودية وسياسية، تاركة القارئ أمام مهمة تفكيك الرموز وقراءة ما بين السطور. القفلات المدهشة والمفارقات التي تختم كل قصة تعكس فلسفة الكاتب التي تقول: “الحقيقة ليست سوى تأويل آخر”. بهذا، تنجح النصوص في بناء عالم سردي مكثف يحفز القارئ على التأمل والتفاعل مع النصوص على مستويات متعددة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *