تعُد واحدة مِنْ أهمِّ الرِّوائيَّات السُّوريَّات من حيث غزارة الإنتاج وجماليَّة مضامينه. تميَّز فنِّها القصصي والرِّوائي بصبغته الاجتماعيَّة المحلِّيَّة، والغوص في مُكوِّنات المُجتمع السُّوريّ، مِنْ حيث طرح قضاياه وإشكالاته والسَّعي لحلِّها، مع الاهتمام بقضايا المرأة السُّوريَّة بصُورةٍ خاصَّةٍ.
جعلت مِنْ المكان مُكمِّلًا للأحداث وعَدَتْهُ نُقطة انطلاق الشُّخُوص في زخم الصِّراعات مع أطراف مُتعدِّدة الرُّؤى وبهذا استطاعت أنْ تُؤسِّس مُنجزًا إبداعًّا تنتابُه لُغة التَّحدِّي والخلاص من الُمحتلِّ أحيانًا، ولُغة البقاء والعيش بحُرِّيَّةٍ وكرامةٍ أحيانًا أُخرى.
وقد لاقت نُصُوصها اهتمامًا نقديًّا ملحُوظًا، حيث تناول الدُّكتُور «شوقي عبد الحميد يحيى» روايتها: «ذاكرة الرَّماد»، في كتابه المُعنون: «بواكير الرِّواية العربيَّة في القرن الجديد»، ورواية «عين الشَّمس» في كتابه عن الأدب النِّسويّ. كما تناول الدُّكتُور «مُحمَّد رياض وتار» رواية: «جبل السمَّاق»، في كتابه المُعنون: «قراءات في أدب السَّرد».. وغيرهُما الكثير.
كما وصلت روايتُها المُعنونة: «عين الشَّمس» إلى القائمة الطَّويلة لجائزة البوكر العربيَّة في عام 2010م.
وُلدت «ابتسام إبراهيم تريسي»بمدينة «أريحا» بمحافظة «إدلب» في الشَّمال الغربي السُّوري عام 1959م. وهي خريجة كُلِّيَّة الآداب، قسم اللُّغة العربيَّة بجامعة حلب. تولَّت عِدَّة مناصب أدبيَّة، فهي: عُضو في رابطة الكُتَّاب السَّوريِّين، وعُضو في هيئة تحرير مجلَّة «أوراق» التي تصدُر عن رابطة الكُتَّاب السُّوريِّين.
تكتُب المقالات والدِّراسات النَّقديَّة الأدبيَّة في بعض المطبُوعات العربيَّة، مثل: «القُدس العربيّ»، «العربيّ» الكُويتيَّة، «الكُويت» الكُويتيَّة، «المُختار» اللِّيبيَّة، و«الموقف الأدبيّ» السُّوريَّة، ولها أيضًا بعض المقالات السَّاخرة التي نشرت على صفحات مجلَّة «كش ملك». كذلك لها عدد من القصص التي كتبتها خصِّيصًا للأطفال، والتي نشرت بمجلَّة «العربيّ الصَّغير» الكُويتيَّة، كما تكتُب حكايات سُورية لإذاعة صَوْت راية، تقُصَّها بصوتها العذب الفنَّانة السُّوريَّة «عزَّة البحرة» (المولُودة في عام 1958م).
وقد حضرت العديد من المهرجانات والفعَّاليَّات والنَّدوات الأدبيَّة داخل سُورية وخارجها،مثل: مهرجان العجيلي في مدينة «الرِّقَّة»، ومهرجان القصَّة في مدينة «الطبقة»، ومهرجان المزرعة في مدينة «السًّويداء»، كما دُعيت إلى معرض الشَّارقة للمُشاركة بندوةٍ في عام 2011م.
حصلت الرِّوائيَّة «ابتسام تريسي» على عِدَّة جوائز من أهمِّها: الجائزة الأُولى في مسابقة الدُّكتُورة «سُعاد الصّباح» للقصَّة عام 2001م بدولة الكُويت عن المجمُوعة القصصيَّة: «جُذور ميِّتة». والجائزة الأُولى في مسابقة بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة عن المجموعة القصصيَّة «نساء بلا هديل» عام 2004م، والجائزة الأولى في مسابقة المزرعة بسُورية عن رواية: «الخُرُوج إلى التِّيه» عام2007 م.
مِنْ أهمِّ أعمالها الرِّوائيَّة:
1ـ جبل السمَّاق، (الجُزء الأوَّل): سُوق الحدَّادين، صدرت عن دار فصلت في عام 2004م.
2ـ ذاكرة الرَّماد، صدرت عن دار الحوار، اللَّاذقيَّة، في عام 2006م.
3ـ جبل السمَّاق، (الجُزء الثَّاني): الخُرُوج إلى التِّيه، صدرت عن دار العوام، دمشق، في عام 2007م,
4ـ المِعْراج، صدرت عن دار العوام، دمشق ، في عام 2008م.
5ـ عين الشَّمس، صدرت عن الدَّار العربيَّة للعُلُوم، بيرُوت، في عام 2010م.
6ـ غواية الماء، ، صدرت عن الدَّار العربيَّة للعُلُوم، بيرُوت، في عام 2011م.
7ـ مُدُن اليمام، صدرت عن مكتبة الدَّار العربيَّة للكتاب، القاهرة، في عام 2014م.
8ـ لمار، صدرت عن مكتبة الدَّار العربيَّة للكتاب، القاهرة، في عام 2015م.
9ـ سلّم إلى السَّماء، صدرت عن دار جامعة حمد بن خليفة للنَّشر، قطر، في عام 2019م.
11ـ بنات لحلُوحة.. الرِّوايَّة القاتلة، صدرت عن دار الثَّقافة للنَّشر والتَّوزيع، دمشق، في عام2021م.
12ـ القُمصان البيضاء، صدرت عن دار دار مُوزاييك، إسطنبُول، في عام2021م.
وقد صدر لها مجمُوعات قصصيَّة، نذكر منها:
1ـ جُذور ميِّتة، في عام 2001م.
2ـ نساء بلا هديل، في عام 2014م.
3ـ امرأة في المحاق، في عام 2014م.
عن بدايتها الأدبيَّة، تقول: «صُحبتي لجدَّتي «هاجر» فتحت عيني على دُنيا الحكاية مُنْذ طُفُولتي، لا أذكُر كمُّ الحكايات التي حكتها لي وأدهشتني وأفزعتني وأدخلتني عوالُمها السِّحريَّة حتَّى وجدت نفسي أكتُب أوَّل قصَّة وأنا في العاشرة ِمنْ عُمْري. هنا جاء دور أبي المُهم في حياتي، قارئي الأوَّل الذي علَّمني كيف أمسك القلم وأكتُب، ووجَّهني للقراءة مُنذ ذلك الوقت بشراء المجلَّات لي: ميكي، وسمير، وأُسامة.. جعلني أبي أحضر جمعًا مِنْ أصدقائه – المُحامين والمُدرِّسين في ثانويَّة البلدة – وأقرأ لهم قصَّتي. وعَلَّق في ذهني يومُها عبارة قالها أُستاذ أبي وصديقه وهُو شاعر أيضًا: «فرخ البطّ عوام». هديَّة والدي لي حين أنهيت المرحلة الابتدائيَّة كانت أعمال الشَّاعر«محمُود درويش» الكاملة الصَّادرة عن دار العودة، ورواية «الأيَّام» للدُّكتُور «طه حُسين»، وأيضًا رواية «خان الخليليّ» للروائيّ الكبير «نجيب محفُوظ». وبقي أبي مُوجِّهي ومُعلِّمي حتّى دخلت الجامعة. وكُنت في المرحلة الإعداديَّة والثانويَّة أنشُر في الصُّحف المحلِّيَّة».
وعندما سألتها الكاتبة والمُحاورة «سماح عادل» عن أهدافها مِنْ الكتابة، أجابتها الأديبة «ابتسام تريسي» بقولها: « أهدافي مِنْ الكتابة موجودة بلا شكّ، لا يقوم كاتب بكتابة عمل لأجل العبث إنَّما يكتُب ليُرمِّم نفسه وهُو أضعف الإيمان إنْ لم يكُن لديه رسالة كُبرى مثلًا. لن أدَّعي أنَّ لدي هدفًا ساميًا – مثلًا – فأحيانًا أكتُب لأُرمِّم جُرحًا أو أرْتِق ثُقبًا في القلب، ولأتجاوز عن خيانة الأصدقاء وإهمالهم وابتعادهم وهجرهم، أكتب أحيانًا لأجمع أكبر عدد ممكن مِنْ الأحباب حولي، أعيش حياتُهُم ويعيشُون داخلي، وأراني مِنْ خلالهم بما يُغنيني عن صديق واقعي ادَّعى أنَّه سندي وأنَّه بئر أسراري وأنَّه لن يتخلَّ عنِّي أبدًا ثُمَّ فجأة غاب، وتخلَّى، ونسي، وغَدْر لأسبابٍ تخُصُّه لا علاقة لي بها ! لذا ألجأ إليهم غالبًا، هؤلاء الذين لا يُغادرون ولا يغدرُون ولا ينسون أبدًا».
عن قضايا المرأة، والحركة النِّسويَّة، تقُول الأديبة: «الحديث في النِّسويَّة ذُو شُجُون، فلُو استعرضنا النَّسويات الأوائل – العربيَّات على الأقلِّ – لوجدنا أنَّ لهُنَّ مُؤلَّفات عظيمة تَرْبُط وعي المرأة الاجتماعي بوعيها السِّياسيّ، وبعضُهنَّ لم يكتفِ بالكلام، بل أسَّسنَ جمعيَّات ومدارس، قد تكُون المُناضلة «نازك العابد» (1887-1959م) الرَّائدة في بلاد الشَّام، إذْ شاركت على نحوٍ كبيرٍ في تأسيس الجمعيَّات النِّسائيَّة والمطبُوعات الخاصَّة المُطالبة بحُقُوق المرأة، مثل: «مجلَّة العرُوس»، ونشطت علىٍ نحو خاصٍّ في مجال المٌطالبة بحُقُوق المرأة السِّياسيَّة، وقد عاصرتها «مي زيادة»، و«هُدى شعراوي».. ثُمَّ تتابع هذا الجيل مع «سحر خليفة»، و«نوال السَّعداوي»وغيرهُنَّ كثير، ما أودُّ قولُه أنَّ النِّسويَّة في السَّنوات العشر الأخيرة تكاد تنحصر بأصوات غالبيَّتها لا تمتلك غير الحديث عن الحُرِّيَّة الشَّخصيَّة، دُون أنْ يُدركن أنَّ الحُرِّيَّة لا تتجزَّأ، فإمَّا أنْ تكُون حُرِّيَّة مُجتمع يضمن للفرد (رجُلًا أو امرأة) أمانه وسلامته وكرامته أو لا تكون، وضمن هذا الإطار نعم أنا نسويَّة، ومُعظم كتاباتي تُبرز المرأة في موقع الفاعل اجتماعيًّا وسياسيًّا كما تُبرز ما يقع عليها من ُظلمٍ وقهرٍ واستلابٍ».