إلى الكاتب والمناضل : سلام القريني
1-2
التسارد الأتصالي
أمضيتُ عيد الفطر مع الياسمينة التي أهدى لي نسختها الورقية المطبوعة الروائي سامي القريني فأزددت ُ سعادة وأنا أتوغل في سماوات سردياته الساخنة وجرأته الباهظة وفي السنة الماضية تناولت روايته (أرى أرارات ) ..( الياسمينة جدتي وأخي الطريق ) تتفوق على الرواية الأولى حجما وتختلف موضوعا ، بذل سامي القريني جهدامميزا على مدى(461) صفحة وتنقل في الياسمينة بين الكويت ولبنان وروسيا والمكسيك ..
(*)
*ماتراه الجدة ( ص17) هو خلية السرد المشفرّة الموقوتة في الرواية .
*مايقوله عبد الواحد هو وجيز مفتاح التشفير ( ص 18)
*ما تقوم به الرواية بعدهما هو تنسيج الفرشة السردية الكبرى للفضاء الروائي والشخوص والحدث الرئيس وتفرعاته ..
(*)
مفتاح الفرشة : ربما يكون هو التالي : كل تفوق علمي لا يتواطىء مع العدو : يجب تصفيته في مكان لايخلق للعدو أعداءً جدد. ولايكون العلم علما دون أن يتجسد في عقل بشري ..وهكذا تم قهر قهار ناجي البحار ليس في روسيا ولا في لبنان ولا في أي مكان كانوا يتعقبونه .بل في وطنه من خلال تلفيق الجريمة كحادث مروري ..!!
(*)
الجدة : (رأت في منامها ذات ليلة أنها تُثبت خيمة كبيرة على وتدين يرفعانها إلى الأعلى )..
لكن الخيمة لم تكن مبهمة ولاعادية (تمتد الخيمة – حسب كلامها – من بلاد الشام إلى الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية ) والجدة هنا جغرفت سعة الخيمة . إذن هي خيمة عربية مشرقية ..
في النسق الثالث من الحلم وبشهادة الجدة نقلاً عن السارد المشارك في الرواية أعني حفيدها عبد الواحد (يذوب ويتلاشى جانب الخيمة الغربي في البحر الأبيض المتوسط )
(وفي الخليج العربي يذوب ويتلاشى جانبها الشرقي )..ستذهب الجدة إلى العرافة أم عصام لتحصل على مفاتيح رؤيتها التي أقلقتها ومن خلال محاورة المرأتين سنعرف كقراء أن الخيمة بدأت بشكل دائري وانتهت بشكل متوازي أظلاع !! أي أن الخيمة بشكل محكم وانتهت إلى شكل بصيغة إنزياحات حركية ..هذه الرؤيا بوظيفة فعل إستباقي لما سوف يحدث في الرواية وبشهادة حفيدها عبد الواحد (تأويل رؤيا جدتي يكون كذلك ( الوتد الغربي أخي ،الوتد الشرقي أنا. وهذا لم تصل إليه العرافة أم عصام في ذلك اليوم ،لأننا لم نكن قد ولدنا بعد ) وسبب مثنوية / جهوية الوتدين سيفككه الحفيد عبد الواحد ناجي البحار : عبد القهار يعيش مع جدته في (محيبيب) جنوب لبنان، وعبد الواحد في الكويت مع أبويه (هذا هو تفسير الوتدين – الشرقيّ والغربيّ – في رؤيا جدتي / 30) ..
(*)
تأويل عبد الواحد جاء متأخرا ، فهو قد لملم شظايا التأويل من تهشم مرآة الحدث وسيعمد إلى تجميعه حسب طاقاته وطاقات المعاضدين فهو يستغيث مع السطر الأول من الفصل الأول (مَن مِنّا سيروي هذه الحكاية، مَن ؟) (أنا، أم هو، أم هي، أم هم؟ ).. وسيتكرر بصيغة أخرى
(أسعى إلى تجميع مايشبه القصاصات أو الصور المتناثرة لجمعها في ألبوم ذاكرتي الخاص بأخي .أردت أن أعرف عنه مالم أكن أعرفه …/ ص123) ..وتستقبلنا إحالة أخرى ضمن هذا السياق ..(استأجرت شقة لمدة قصيرة بعد أن شرحت لجدتي رغبتي في البحث عن كل مايتعلق بأخي ../ 143)..في بحثه عما يخص قهار ، هل كان عبد الواحد يبحث عن نفسه في أخيه ؟ (إنه الشعور بالامتزاج .فأنا في هذا المساء هو/ 145)..أم ليملأ فراغا بحيوية وجود وموجود ؟ أم هو يبحث عن كل هذا وسواه أيضا ؟ وستقوم قراءتي المنتجة في تنضيد أسئلة عبد الواحد لعبد الواحد تحديدا ، وهي مسطورة في ص144
*سأمتلىء بالغائب لا بالغياب .
*من هو الذي يمكنني أن أطلق عليه هذا اللقب ، لقب الغائب ؟
*أهو أخي ؟ أم مايتفق البعض على تسميته بالنصف الآخر ؟
*ليس بالضرورة أن يكون النصف الآخر الذي أتحدث عنه هو المرأة المنتظرة أو المرأة التي كانت ، أو المرأة التي بينهما
*لاأحد يملك أن يقيس أو يزن هذا النصف الآخر بشكل مادي ليثبت أنه نصف
أو ليؤكد نظرية (النصف) بوصفه نصفا مكمّلا نصفا آخر،
وتتوالى أسئلة عبد الواحد في هذا السياق ..
.كقارىء تجعلني هذه الأسئلة مشتبكا في أفق إنتظار فالحكاية حدثت كواقعة ، وحان الآن تنسيجها سرديا لتحدث مرات ومرات بقوة فعل القراءات . والسؤال البكر هو : ماهي الحكاية ؟ وستمتد أقواس السرود متضافرة في ضفيرة متماسكة وتكتمل دورتها في دائرة محكمة حتى السطر الأخير من الرواية (مَن منّا سيروي هذه الحكاية ، من ؟ أنا، أم هو، أم هي، أم هم؟ من بين شفتي دالية تخرج الإجابة مرفرفة ً كالحمامة في جهاتي : نحن ./ 461)
(*)
إذا كان الروائي سامي القريني قد شعرن مسردته في روايته الجميلة الأولى (أرى أرارات )..فهو في روايته الثانية (الياسمينة جدتي وأخي الطريق) قد أشتغل روايته مثنويا ، لا أعني فقط (سداسيات البقايا/ 361) وهي المخطوطة التي أستلمها من صديقة شقيقه في موسكو ..بل أن الشعر منضود طباعيا كالسرد على مدى 461 صفحة وهي المسافة الورقية للمطبوع فهو يشتغل الرواية سرديا ويزج القارىء في مولنوغ شعري صرف وهنا لا يختلف صوت عبد الواحد عن صوت شقيقه شعريا !! نعم هما توأمان لكن كقارىء فأنا أحتاج إلى تفارق بين البصمتين في أشعارهما ..
(*)
تتنوع السرود وتتناوب في (الياسمينة جدتي وأخي الطريق ) و لا تتصارع فيما بينها بل تتعاضد في لملمة زجاج النص المهشم / المتجسد في نهاية عبد القهار ناجي البحار :
*سرد سلطان لعبد الواحد للحادث المروري / 78
*سرد موبايل قهار : هو سرد خصوصي بين قهار وحبيبته دالية ويتنوع السرد
*سرد المسج / الرسائل المتبادل بين قهار ودالية
*سرد المشافهة بينهما : رسائل صوتية
*سرد الصور الفوتو واللوحات التي يرسلها قهار إلى دالية..
وسرد الموبايل هو سرد معاد يستعيده شقيقه عبد الواحد بمساعدة : أدهم وعباس وجلبير مهندس كاميرات مراقبة/ 307
ويتوزع سرد الموبايل بين الصفحات التالية (153- 157- 273)
وفائدة هذا السرد، أعان عبد الواحد في معرفة مجريات الجانب الخفي من حياة شقيقه : وصولا إلى نهاية الدموية . وهذا السرد هو معاد على مستوى النص الروائي وسيقوم النص بتدويره من خلال ترسيمه على الورق كسرد مقروء بالنسبة للقراء
*سرد مفترض : يبثه عبد الواحد شقيق قهار (أنا شقيق قهار، عبد الواحد. ستصمت وسوف أكمل حديثي، لقد مات قهار قبل شهرين …سوف تبكي دالية، وستسأل كيف ؟ وسأخبرها ..وتذهب دالية مع الريح …/ 167- 168)
*سرد السيارة : هذا السرد ينبجس بمؤثرية تنقلات عبد القهار في السيارة ، وهذا السرد مونولوغ : لايصل لغير القارىء ليساعده الباث في معرفته ..(أقود السيارة في الشوارع هائما، لاأخرج بهدف الذهاب إلى مكان معين .بل أبقى أسير هكذا، أغلق هاتفي ولا أستقبل غير الأفكار التي تنهال عليّ. في السيارة ولدت جميع أفكاري. …كنت في رحلتي الأولى إلى الشمال الروسي أرافق نفسي .لم أتعرف إلى نفسي إلا بعد ساعات طويلة قضيتها وحيدا../ 171- 172)..
*سرد أدهم وهو من أقرب الناس إلى عبد القهار سيتناول وجيز التجربة العاطفية بين عبد القهار ومايا التي سيترك موتا جرحا غائرا في نفس العاشق عبد القهار : 178- 179
*سرد قهار عن حياته والكلام جاء تلبية لرغبة دالية أن يكلمها عن حياته : 181- 220
يتخلله سرد مليكة جدة قهار : 183 وسردها ملّفق لتوصيل رسالة خاصة لحفيدها قهار تحديدأ ليفتح عقد المناديل الثلاثة التي عقدتها جدة راحيل ..
وهناك سرد تلك المرآة التي أهداها قهار لراحيل ، حتى يتمكن من رؤيتها ليلا من خلال النافذة
بعد ان تنعكس صورتها في المرآة (لا فتراس جسد راحيل بعينيّ من خلال هديتي المرآة ../ 190) وهناك سرد الشم ، بعد أن يسرق قهار قميص راحيل ويجري تجارب عليه وحين يتشممه ، وحسب أخيولته (شممت راحيل) وبعد هذه الأخيولة ثمة مسكوت عنه في النص ..
*سرد راحيل لحياتها بحضور قهار في غرفتها ليلاً ..(أنظر معي إلى حياتي قضيت سنوات حياتي مع أمي هكذا يعتقد الجميع ../ 220- 236)
*سرد عبد الواحد لنفسه (لم يبق من الليل سوى ساعتين .دالية تسهر مثلي . وراحيل لم أكمل قصتها لأعرف مكانها .يبدو لي من خلال اطلاعي على هاتف قهار أني أصبحت ملماّ بالتفاصيل التي يجهلها الكثير في شخصية أخي .عرفت قصصا لم يعرفها أحد ./ 237)..
*سرد الجدة ينبثق بطلب من أدهم ، فتعود ذاكرة الجدة إلى 1920 ثم 1923 بعدها 1925 وهي سنوات حركة المقاومة الوطنية ضد الأحتلال الفرنسي والجدة تسرد عن جدها طلال شبلي (كان واحدا من ثوار ووجهاء جبل عامل / 257).. فيكتشف أدهم وهو يصغي للجدة
أن (قهار يحمل جينات حده المقاوم العظيم طلال شبلي / 259) ثم تعاود الجدة سردها عن قهار( في طفولة قهار ذهبنا إلى كل مكان في لبنان ../ 262) وتحدث عن استشهاد راحيل في مجزرة قانا
*سرد بصوت قهار عبر الموبايل عن راحيل بعد أن تسأله غيرة دالية : لماذا لم تتزوج من راحيل( راحيل قُتلت برصاص الجيش الاسرائيلي في مجزرة قانا الأولى .. كانت من اللاجئين الهاربين من عملية عناقيد الغضب. رحلت راحيل وهي تبلغ من العمر ستة عشر ربيعا .. / 272 )
*سرد عباس عن تجربته في البحرين فهو عاش سنتين فيها وعمل محاسبا في المنامة وشاركت في التظاهرات وأحتجز في مخفر(مدينة حمد) وأخذه أحد أصدقائه الى تلك القرية العظيمة (بوري)../ 289- 299
*سرد الدفتر الذي تسلمه الجدة لحفيدها عبد الواحد وهو دفتر قهار زمنيا يبدأ سرد الدفتر في
(4/3/ 2010/ ص278) ويتخلط أسئلة الوجود وقصائد قهار في ص 287 تتضافر أوجاع الكتابة في قهار..(ألمي لايفسره قلمي . والذي سوف أكتبه. بعد ذلك أشطبه، ثم أرجع أشطبه لا لأرجع ماقد شطبت ، ولكن ، لأترك نفسي تمارس حرية الدوران، لأني سأبقى أنقّحه وأعيد كتابته بعد ذلك الحين بأني أعاني اغترابا شديدا..) وهناك صفحات يخاطب حبيبته مايا تستوقفني الوحدة السردية التالية (لئن كانت نخلة سليمة الخبازة – في رواية النخلة والجيران – عاقراً فإن ياسمينة جدتي مليكة ولود تؤتي زهورها كل حين ../ 294) يبدو أن قهار ألتبس عليه القصد هنا، فهو لم يفكك شفرة العقم في نخلة سليمة !! قهار لم يسأل نفسه ماالذي جعل الروائي غائب طعمة فرمان يعلّم النخلة بعلامة العقم ؟! ولم يكلف نفسه في موسكو زيارة الروائي غائب طعمة فرمان في مقر عمله أو في شقته ، خصوصا وأن قهار قصد أقصى جنوب الجنوب في أوكرانيا لزيارة بيت الكاتب تيشخوف ..والكلام هنا يتجه نحو قهار وليس المؤلف سامي القريني المولود في 1986 والذي سيكون عمره تقريبا خمس سنوات حين يموت الروائي العراقي غائب فرمان في 1991
*بعد البحث في موبايل قهار والتوصل أن قد أغلق في (14/ 4/ 2014/ ص 302) سيعاود السرد عودته إلى رسائل قهار الصوتية الموجهة إلى دالية وسيحدثها عن فترة سجنه / ص323
*في ص327 سيعلق عبدالواحد حول سجن شقيقه قهار بسعة ثلثي صفحة وكانت تهمته المساس بالذات الإلهية (لأنه كتب تعليقا في أحد المواقع الالكترونية تناول فيه الأكاذيب الواردة في صحيح البخاري موجها النقد إلى أبي هريرة وغيره من ممن وصفهم بلعملاء الخونة ..)
*سرد الفيديو وهو أخطر السرود كلها في الرواية وفيه الدليل على اغتيال قهار( قهار يقود دراجة مشعل النارية في الحارة اليمنى، في اتجاه مدينة الكويت .جيب التاهو الأسود ينعطف بشكل متعمد من الحارة اليسرى بشكل مفاجىء ويصطدم بالدراجة النارية ويفر هاربا بعد تأكده من سقوط قهار ../ 328- 329) ثم يتقدم شخص آخر وسط ازدحام الناس بسبب الحادث، يترجل من سيارة فورد بيضاء يلف وجهه بغترته وهو يركض نحو قهار يظهر الرجل وهو يفتح حقيبة قهار ..ويخرج هاتفه ..يتظاهر بأنه يجري اتصالا…/ 330)..
من قتل قهار ؟..هم
أم خوفهم من مما ينماز به قهار ..؟
وبشهادته (إن في جسدي طاقة ً هائلة ً تكفي لحمل هذه الأرض على كتفيّ !/ 124)..
(*)
الحوار الأهم هو ذلك الممزوج برؤيا صوفية بين الولي الصالح بنيامين وبين عبد الواحد (422).. سوى هذا الحوار والذي في أحدى مستوياته أقرب إلى المونولوغ بين الإنسان وذاته وهو كحوار كان بحاجة إلى ترشيق
2-2
المدرك والمتخيل ..
أثنان يمتلكان بعضا من المسكوت عنه :
(1) والد قهار : ناجي البحار
(2) الدكتور أدهم
دليلنا حول الأول بتوقيت مكاشفة عبد الواحد لوالده بما جرى لقهار / ص400 سيهمس الوالد قائلا: (من الذي قال لك ؟/ 400) وحين يحتدم حوار العائلة يخاطب والد قهار والدته :
(فكّري في الأمر قليلا ياجمانة .كيف كان يمكنك أن تحمي أبنك من المنظمات والاستخبارات العالمية التي كانت تطارده ../ 410) هذه المصارحة الجارحة تثير استغراب عبد الواحد
(استغربت حين سمعت أبي يشير إلى ماكنت أظنه مجهولا بالنسبة إليه . إن كان أبي يعلم بالجريمة ، فلماذا لم يخبرنا ؟) وسؤال القارىء هو كالتالي : لماذا لم تتم مكاشفة بين الأب المستنير وولده العالم العبقري عبد القهار ؟ ثم يهدر الكلام بين الثلاثة : الأب والأم والأبن يحتدم .. يصفع الأب ولده عبد الواحد يفعل ذلك خوفا عليه: ( أنتما عيناي اللتان أبصر بهما ياواحد . إني الآن أرى بعين واحدة . بعد أن فقأوا إحداهما ../ 406).. ماتقوله الأم يمكن أن الاستفادة منه لمعرفة قهار (عاش ..أحلامه بعيداً في المنافي، لم نعرف عن حياته ماكان يجب علينا معرفته لكي نقوم بحمايته من الذين قتلوه ../ 409).. ألم يطرح عبد القهار سؤالا على نفسه : إلى أين سيصل بتفرده ِ وإكتفاءه بواحديته في كل هذه المجالات الحيوية ؟ ترى لو كانت هناك معاضدة جماعية بينه وبين الذين يحبونه في كل مكان ألم يختلف الأمر ؟ يبدو أن قهار حافظ على واحديته في كل شيء وإنغلاق حتى مع المقربين الخلّص وهذه كانت النتيجة
مع الأخذ بتشخيص والده (قهار … عاش غربتين ، الأولى في لبنان حين كانوا يرونه كويتيا، والثانية في الكويت وهم يرونه لبنانيا .أنت لم تشعر بهذا الأمر إلا بعد أن مات ، ولكني بما كان يشعر أدري ، فهو ولدي ../ 4017).. لكن مقتل قهار تمرد على نسق واحديته التمامية
ونقله حركيا – حسب منطق المعتزلة – من حركة الإعتماد إلى حركة وهكذا انتقل من نسق الواحد إلى تعددية الكثرة المنتصرة إليه ومن أجله وهكذا ومن خلال هذه الكثرة المدججة معرفيا وإلكترونيا سيعرف الكل كيف أنتهت حياة المعرفي والعالم قهار ناجي البحار..
(*)
عبد الواحد يستقيظ فجر الأثنين الرابع عشر من شهر نيسان سنة 2014 في الثالثة والنصف ، يهاتفه صديقه مشعل( تعال في الحال إلى مستشفى مبارك / 60) يستقبله مشعل في المستشفى يحتضنه باكيا فيعلم منه أن أخيه قهار : مات في حادث مروري وهو يسوق دراجة مشعل ..بعد دفن أخيه عبد القهار ، يحاول عبد الواحد : استحضاره روحانيا وبعد أربعينية رحيله حاول عبد الواحد التماهي مكانيا فيه (قررتُ أن أنام في حجرته وعلى سريره / 67) فيعرف ونحن القراء معه سنعرف أن عبد القهار (يقرأ في كل ليلة صفحة من القرآن قبل أن يأوي إلى مضجعه ./ 68) وهذه القراءة تبث فاعليتها المنشطة في نظامه الفسلجي وبشهادته من خلال أخيه عبد الواحد فأنه (من خلال تلك العادة اليومية يستطيع أن يُبقي َ عقله في حالة تدبّر وتفكر أثناء النوم / 68) ..آخر ليلة من حياته كان قد قرأ (سورة المزمل)
سيفكك عبد الواحد أفعال السورة الكريمة وتغمره السورة بفيوضاتها وبشهادته (كأن هذا التأمل السريع في الآيات ومضمونها أخذني من نفسي . حاولت أن أخرج من الزمان لأعيش المكان والمكان هو حجرة أخي . أما الزمان فإنه سيتلاشى تدريجيا ).. ثم سينتقل عبد الواحد في مراتب التلقي العرفاني مرتبة (ليخلق المكان زمانه الخاص به وبي /70) ثم يتنقل عبد الواحد في رحلته التنقيبية الجوانية في غرفته أخية مدققا في تقليب وتصفح كل الاشياء وسحاول قطع المسافة الفاصلة بين ضفة اليقظة وبوابة الحلم….إلخ …شخصيا ترى قراءتي أن ثمة عطل عائلي في التواصل بين عبد الواحد ووالده ..ربما لوكان ثمة وشائج أقوى لقرأ عبد الواحد مافي وجه والده بعد الحادث ،أقول ذلك إعتمادا على ما يتمتع به عبد الواحد من طاقات جوانية كما سردها لنا عبد الواحد نفسه / 67- 68- 69… ولجلس منفردا بأبيه وأستطاع أن يعرف المزيد من خلال تقطير بوح الوالد مع ولده عبد الواحد في خلوات متتالية.
(*)
الأختلاف بينهما متأت من خبرة الحياة وأمتلاك ناصية الوعي، لدى الأب : يتناول الحياة بحكمة العمر ، أما الإبن عبد الواحد يتقدم صوبها بضراوة الشباب ..الأب يريد الحفاظ على عبد الواحد فهو عينه الباقية ، فالأب يعي جيدا ان مَن فقأ عينه الأولى عبد القهار، من المتوقع أن يفقأ عينه الثانية ، إذا تصدت وفضحت وأدانة جريمة القتل …
(*)
جميل جدا أن تطبع مخطوطة قهار الشعرية وضروري إدانة ماجرى .. لكنني كقارىء : تمنيت نهاية َ أخرى لهذه الرواية الجميلة المتماسكة جدا في المفصل الأول والثاني ..في المفصل الثالث : حسب تجربتي المتواضعة في قراءاتي المنتجة: شعرت ُ بترهل السرد : من ص333- 360 ، ومن ص372 إلى نهاية الرواية ..
—–
*سامي القريني / الياسمينة جدتي وأخي الطريق / دار رياض الريس للنشر /ط1 / نيسان 2017
—