عبد السلام هاروني :
عالم ألماني قام بأبحاث حول دماغ الإنسان فتوصل إلى فكرة لا تصدق، يدعي أنه اكتشف طريقة لزيادة مستوى ذكاء الإنسان ليصل إلى درجة العبقرية، ولكن يقول أنه يحتاج إلى مساعدة عدد من العلماء الباحثين في نفس تخصصه، لكي يقوم بالتجارب التي ستوصله إلى “عقار العبقرية”،. طلب هذا الرجل من حكومة بلده أن تنظم له حملة إعلامية . ليوضح للناس فكرته، ويقنع العالم أن زيادة ذكاء الإنسان هدف يسير المنال إن تظافرت الجهود. تم له ما أراد، استغل الفرصة، وقام بإستدعاء كل عالم مهتم بالفكرة. أثار ضجة إعلامية و سياسية كبيرة، فأصبح العالم كله مهووسا بأفكار هذا العالم التي لا تصدق. عندما سمع عدد من العلماء أفكار هذا الرجل عبر الأثير و شاشت التلفاز و عدد من وسائل الإعلامإتقدت شعلة الحماس في نفوسهم، وأعجبوا بما يود أن يقدمه ذلك الألماني للبشرية. منهم من إلتحق به إلى ألمانيا فورا. أماالعلماء الذين ينتمون إلى البلدان المتخلفة، فلم توافق أنظمتها المستبدة على ذلك ومنعتهم من المشاركة. ببساطة لأن تحول مجتمعاتها إلى “مجتمعات ذكية” يهدد مصالحها، ومن مصلحتها أن يبقى الناس “أغبياء”.
إجتمع العلماء في بيت ذلك العالم. هذا البيت شاسع و فخم. ويوجد في قبو المنزل مختبر رائع مجهز بكل المعدات والأجهزة المتطورة و المواد الكيمائية، وكل ما يحتاجه هؤولاء العلماء لصنع “عقار الذكاء” كما سماه العالم الألماني.
أول ما قام به هذا الأخير إلقاء خطاب على مسمع من إلتحقوا به ، قال : زملائي ! مرحبا بكم في منزلي و في مختبري والذي أصبح مختبركم إبتداء من هذه اللحظة. لا شك أنكم تعرفون هدف اجتماعنا ، ما نحن بصدد تحقيقه شيء يعتبره البعض مستحيلا، وأنا لن أقول لكم أن الأمر يسير. لو كان يسيرا لما أستدعيتكم، لكي أكون صريحا سيمل بعضكم، وربما سينسحب البعض ، ويستسلموا بسبب كثرة التجارب التي سنقوم بها، و لكن تذكروا أن أحدهم قام ب 99 تجربة فاشلة لكي نكتفي نحن اليوم بالضغط على قاطع التيار و نستمتع بالإضاءة ، لذا من فضلكم نحتاج لصبر “اديسون” وعزيمة قوية لنستطيع تحقيق هدفنا .
كان عدد العلماء أربعة وعشرون.شرعوا في اليوم التالي بالعمل، بشكل جماعي، كل يقوم بمهمة. مرت ثلاثة أيام، ولم يتوصلو بعد لشيء يذكر. حدث ما تنبأ به الألماني راود أربعة منهم الضجر والملل، ثم قرروا الرحيل مؤكدين أن صنع هذا العقار مستحيل.
بقي عشرون شخصا ، مرت يومين وإذا بخمسة منهم أرهقوا و تعبوا كثيرا من كثرة التجارب الفاشلة و رحلوا. مرت خمسة أيام و غادر المختبر ثمانية آخرون و أعربوا عن إستهزائهم بالألماني قائلين : حلمك كان واضحا أنه من المستحيل أن يتحقق منذ البداية . يالك من أحمق، قمنا بتبذيرأموالنا ووقتنا مجانا. لم يدافع الألماني عن نفسه، إكتفى بالصمت فقط ، أصبحوا الآن سبعة علماء فقط . واصلو العمل واثقين بالعالم الألماني و بفكرته، في اليوم التالي إبان انشغال كل واحد من هؤؤلاء السبعة بالقيام بدوره ، صرخ الألماني قائلا : إقتربووووا !!! لقد توصلت إلى التركيبة النهائية و الصحيحة للعقار أخيرا.
عم السرور والفرح المختبر ورسمت الإبتسامة على محيا الكل. و قال الألماني : أشكركم على صبركم و مثابرتكم والآن أفضل جواب يمكنني أن أجيب به هؤلاء الذين استهزؤو بي و بفكرتي ، هو تمكننا من تحقيق الهدف الذي جئنا من أجله.
شاعت الأخبار أن الألماني و زملاؤه تمكنوا من صنع “عقار الذكاء”، إهتز العالم بهذا الخبر، قرر السبعة مغادرة ألمانيا خشية أن يقوم أحد من عشاق الجهل و الغباء بالهجوم عليهم و التخلص من “عقار الذكاء”.ركبوا طائرة سرية خاصة وتوجهوا إلى جزيرة بعيدة لا يعرف بوجودها إلى القليل حاملين معهم كمية قليلة من العقار والمعدات اللازمة ليقوموا بتصنيعه في الجزيرة بكميات كبيرة، ويوزعوه سرا عبر أرجاء العالم.
لكن الكارثة حدثت أثناء الرحلة، أرسل أحدهم طائرة حربية لتلحق بطائرة العلماء السبعة و تهاجمها ، عندما إقتربت الطائرة الحربية من طائرتهم أطلقت قديفة تسببت بإسقاط طائرة العلماء ، سقطت الطائرة في المحيط و إنشطرت إلى جزئين بفعل قوة المياه، غرق العلماء و ماتوا كلهم، وغرق معهم سر “عقار الذكاء”. القنينة التي وضعوا فيها العقار بقيت سليمة رغم سقوط الطائرة ، وضعتها تيارات المياه فوق صخرة في قعر المحيط،أقبل أخطبوط كبير وتربع على تلك الصخرة ، القنينة التصقت بأحد الماصات الموجودة بأطراف الأخطبوط ، بعد بضع ثوان غادر الأخطبوط ومعه القنينة، ذهب للتنقيب عن فريسة لكنه سرعان ما تحول، هو نفسه، إلى فريسة، حوت أزرق ضخم و جائع يتقدم نحوه بسرعة ،إلتهم الأخطبوط في رمشة عين،إنكسرت قنينة العقار في بطن الحوت وامتص جسده “عقار الذكاء”، مرت بضع دقائق وفجأة أغمي على الحوت الأزرق،فقد وعيه لمدة ساعة. بعد استيقاظه أحس بصداع رهيب في دماغه، الحوت الأزرق تغير بشكل جدري لم يعد يخضع لغريزته يفترس و يتناسل فقط، أصبح يتأمل فيما يقع أمامه، يتأمل سلوك الأسماك الأخرى و يستغرب مما تفعله ، فهم أن الأسماك غبية جدا ،و لاحظ عمليات الصيد التي يقوم بها البشر والأسماك تقع ضحية غبائها في يد الإنسان، ويستفيد هذا الأخير من لحومها، فكر الحوت الأزرق الضخم كثيرا وقرر أن يوقظ الأسماك من سباتها و يحررها من رق الغباء، صعد الحوت الأزرق فوق جرف بحري وأخذ صدفة بحرية كبيرة على شكل بوق، نفخ في الصدفة وإذا بها تصدر صوتا مرعبا، أصيبت الأسماك بالذعر واقتربت لتتفقد الأمر، اقترب عدد هائل من الأسماك من الحوت الأزرق وبدأ يلقي خطابه قائلا : أيتها الأسماك تفترسين بعضك البعض بلا رحمة و لا شفقة القوي منكيأكل الضعيف ، هل أنتم سعداء على هذه الحال؟الإنسان يصطادك بكل سهولة عبر طعم في صنارة،يا الهي أشعر أن غباءك مطلق أيتها الأسماك، البشر لا يترددون في تدمير محيطنا من أجل مصالحهم، صوت بواخرهم ومراكبهم ألا يزعجكم؟ ،شباكهم العملاقة التي تصطاد أعدادا هائلة منانستغرق سنوات لكي نلد أجيالا من الأسماك ، ليأتي الإنسان اللعين ويرمي بنا في المقلاة ، ويلتهمنا بلا رحمة.من منا يمتلك أكثر من زعانفه ؟ هلا أجابني أحدكم.
ثارت الأسماك بسبب ما سمعته وبدأت تصيح قائلة أنت محق ! أنت محق !أنت محق !!.
قال الحوت الأزرق : كفانا من افتراس بعضنا البعض علينا تسخير طاقتنا ضد عدونا الحقيقي ، يجب أن نتكافل و نتعاون ونضاعف الجهود لكي نتخلص من إزعاج واستغلال البشر ، وتسيطر الأسماك على العالم ويصبح الإنسان في مقدمة أطباقنا الرئيسية. من منكم يقف الى جانبي؟!
زلزل المحيط بحماس الأسماك وصياحها الكل يردد : فليحيى الحوت الأزرق ! فليحيى الحوت الأزرق!… نحن معك، اللعنة على الإنسان !
قال الحوت الأزرق : بوركتم ، و الآن سوف ألقنكم التعليمات التي يجب أن تتبعوها لكي ننجح في مهمتنا: أولا لا يجب على أي سمكة افتراس سمكة أخرى، سنكتفي بالإقتيات على النباتات البحرية ، الحيتان الزرقاء الضخمة ستتكلف بإغراق البوارج والبواخر العملاقة للبشر، القروش ستتكلف بالمراكب الصغيرة والشواطئ أينما وجدتم البشر فلحمهم حلال عليكم، أما أسماك الأخطبوط فستتكلف بإفساد أنابيب المياه العذبة خاصتهم التي تمر وسط محيطنا، أما الأنواع الأخرى فمهمتها هي نقل الجثث البشرية وتخزينها ليتم توزيعها بالتساوي بين الأسماك، ومتى تسنت لها الفرصة لإفتراس إنسان.
البشر صنعاو صنعوا أدوية سامة كفيلة بالقضاء على الأسماك في وقت وجيز، شرعو في رش تلك الأدوية على البحار كلها بواسطة العدد الهائل من الطائرات التي يمتلكونها، مرت ثلاثة أسابيع فقط و تحول البحر إلى مجزرة سمكية، إنقرضت جميع أنواع الأسماك، وأصبح المحيط عبارة عن مستنقع ضخم سام و قذر لا ينتفع البشر منه، دمار شامل حل بالكرة الأرضية، مجاعات وأوبئة…كل هذا تسبب به طموح البشر في تعميم الذكاء ليصبح خاصية يتمتع بها كل إنسان.
و هنا نرى أن العقل هو سبب المصائب التي تحل بالإنسان والطبيعة وهو الذي يدفع بالإنسان للإرتطام بعرض الحائط، فلولا عقل البشر الذي جعلهم يفكرون في تطوير مستوى الذكاء البشري لما استطاعت الأسماك أن تثور ضدهم و يضطروا للقضاء عليها ، و لولا عقل الحوت الأزرق الذي تطور وفهم علاقة الإستغلال التي تجمع الأسماك بالإنسان لما تسبب في إنقراض بني جنسه .العقل إذن يتسبب في المتاعب لا غير !!!.
—-