كاظم نصار.. رحلة في ديمقراطية بكعب عال
قراءة كتاب ديمقراطية بكعب عال للصديق الكاتب والمخرج المسرحي كاظم نصار اشبه برحلة يأخذنا فيها الكاتب الى قاع المدن المكتظة بالتناقضات وهي مدن حقيقية لم تشكلها مخيلة الكاتب، مدن نعيش فيها، نلتقي بالوجوه التي التقاها، ربما نجالسهم ونتحدث معهم، نسمع ما يرددون، يملأون ذاكرتنا بحكاياتهم العجيبة الغريبة قد تكون من نسج تخيلاتهم او من تجارب مرة ما غادروا أثرها النفسي.
بسردية مدهشة وممتعة يتجول بنا نصار متجاوزا كل حقول الألغام ليكشف لنا مدى انحدار الذوات والأمكنة عبر اسلوبه الساخر حينا والتهكمي حينا آخر ليضعنا في لب المأساة التي غلفت كل تلك المدن والحارات والازقة والبيوت.. كاميرا الكتابة الساخرة تلتقط كل شيء هجين في مسرح الحياة ومسرح الفن، في الثقافة والادب والسياسة والتاريخ والدراما العراقية قبل مسلسل (غسل ولبس)! لم يترك لقطة حتى وان كانت عابرة الا واستهدفها من مطربات البوتكس حتى الخريف العربي مرورا بقفشات فيسبوك المثيرة.
مشاهد الحياة العراقية اليومية وقد تنطبق ايضا على حياة الشعوب العربية في كتاب ديمقراطية بكعب عال رصدت بعين مركبة عارفة بما يدور حولها وما يحدث وسلطت ضوءا ازرقا على أسماء وشخصيات ومفردات واغان اخذت حيزا في الذاكرة الجمعية تحت يافطة الديمقراطية وكشفت ما كان مستورا فيما يشهده الواقع العراقي والافتراضي.
في الكتاب صور مختلفة لديمقراطية لا نعرف من أين بدأت والى أين ستودي بنا، لكنها بالتأكيد مرحلة فيها من الكوميديا بقدر ما في صدور الامهات العراقيات من أسى، تلك الديمقراطية التي جعلها الكاتب عتبة لكتابه بصيغتها النكرة لتأخذ دلالة أكبر وتأويلا أعمق للمفردة، اقترنت بالكعب العالي وهي ديمقراطية يشوبها كثير من الشكوك كما تشير له صورة الغلاف.
كاظم نصار في كتابه أثبت أنه سارد خطير تفنن في ايصال افكاره باسلوب لا يحتاج الى تذكرة سفر في ذاكرة المتلقي وهو هكذا في مسرحياته التي قدمها تحت مسمى مسرح الكاباريه فهو العارف بما يدور حوله ليلتقطه ويقدمه مادة بأطر كوميدية واسلوب ساخر وايمان عميق بأن كوابيس زيف الديمقراطية لا مكان لها على وسادة الزمن العراقي.