في قصيدته نفايات وهي اولى قصائد مجموعته الشعرية (بين شقوق الجدران) يطلق الشاعر رافع بندر صرخة استياء لكل الموازين التي اجهضت المجتمع. وعنوان القصيدة باعتباره عتبتها يشير الى ذلك بكل وضوح حيث يجري مقاربة لفظية ما بين النفايات والفاسدين ومدى التصاقهما ببعض فالنفايات ما هي الا صورة أخرى من صور الفساد:
(المدن
التي تتجمعُ فيها النفايات
منشورات اباحيّة
للفاسدين من حكامها) الديوان ص7
والمنشورات هنا هو تأكيد على مدى الانتشار والتحقق خاصة اذا كانت تلك المنشورات اباحية فتلك لها علاقة بالاخلاق وما فسد منها ويمكن ان لا تكون النفايات في النص المذكور (برغم دلالتها الواضحة) اشارة فقط الى المخلفات وأنما هي اشارة ايضا الى نفايات النفس البشرية فالفاسدون ما هم الا نفايات بدواخلهم وتفكيرهم ونواياهم:
(النفايات…
تبوح بأسرار اصحابها..!) ص7
أي اسرار تبوح به النفايات عن اصحابها غير قذارة العقول والأنفس والتوجهات.
الشاعر رافع بندر يكشف هنا المستور والمخبوء ليوصلنا الى:
(تلك االبصمة القذرة لمخلوق
يحافظ على وجوده
رغم كل شي..!)
اذن هي بصمة قذرة لمخلوق. ولكن، أي مخلوق هذا؟
المخلوق الذي يعنيه الشاعر في القصيدة كان قد اشار اليه في مطلعها ونعني به الفاسد وذكره الشاعر جمعا (الفاسدون) فهم اولئك المخلوقات التي لا همّ لها الا المحافظة على كيانها ووجودها رغم كل ما يحدث مثلها بالضبط مثل النفايات التي تتكدّس هنا وهناك والتي تحول كل شيء جميل الى قبيح وهذا لا يخص المظهر فقط انما يتعدى ذلك الى الحديث الذي بلا معنى الذي يكون هو الآخر مجرد نفايات لا نفع منها.
أنه (أي الشاعر) يقرّب للقارئ الصورة لا بل يضعه في قلبها ليتحسس حجم الأوجاع ويشهد الفوضى وضياع الجمال في زمن لا ينتمي اليه بكل ما فيه:
(النفايات
تديم الفوضى
وتلتهم الجمال
تجسد زمناً
يقع خارج زمننا العقلاني) ص8
هي اذن فوضى المكان بكل ما يحتويه وفوضى الزمان ايضا ان يجيء بفاسدين ليتمكنوا من امكنتنا وحيواتنا. هو زمن غير الذي نتوق اليه وخارج ما يسميه الشاعر (زمننا العقلاني) والذي قد يؤدي الى النهاية (بعمليات انفصال جماعي).
ولأن الزمن قد اختلف وادى الى الانفصال واللاانتماء الى الزمن الطبيعي (العقلاني) فالشاعر يكشف أوراق ما يجري دون أي رتوش او تزويقات. فكل شيء قد تغيّر أو أعيدت صياغته نحو الأسوأ:
(في بلداتنا كل شيء يعاد تدويره
النفايات..
المعتقدات..
المباني..
اسماء الشوارع) ص8
ويكتفي الشاعر رافع بندر وهو يختم صرخته في ضرورة أن تزاح تلك الدران والنفايات من العقول أولا وهو بصيغة الأمر يقول:
(نظّفوا أرض عقولكم
واميطوا بعض القمامة
واستروا عوراتكم بالنظافة) ص8
وما بين النظافة والاماطة والستر يكمن سرّ تلك النفايات وهي سبب البلوى التي حلّت بنا وما زالت تهدد وجودنا.
قصيدة نفايات للشاعر رافع بندر قطعة صُهرت باتّقانٍ واستطاع الشاعر ان يحرّك الساكن في زمن جمد فيه كل شيء.
- رافع بندر- ديوان بين شقوق الجدران – اصدارات اتحاد ادباء البصرة 2019