هاتف بشبوش:
يبدو أنكَ ياماريو تعطرتَ لأجلِ إيفيلين**
هذا صحيحٌ ياصديقي ، لكنّ الحكيمَ يقول :
مهما تنوعتِ العطورُ
تبقى رائحة النقودِ ، هي التي تجذبُ النساءَ
وأنا…
لاأصدقُ كلّ ماتقولَ ياماريو !!!
أما تذكرَ اللقاءَ النادرَ في ماركتِ روبنسون
وكيف تحرّك الجيبُ الوردي لحقيبتها
على أيةِ حالٍ ، نحنُ الآن في باصٍ بين سيبو والعاصمة مانيلا ، والطقسُ أجملُ مما في التصور ، بالجنائن والنسائم ، ماريو وزوجه إيفيلين إنتبذوا مقاعدهم سوية ليرسموا الحب الحالم بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة ، بينما أنا إتخذتُ مقعدي منفرداً . سرعان ماصعدت فتاة مثلما رقّةِ أوفيليا شكسبير ،أوفيلياأوفيليا وطفلها الرضيع مازال مستيقظا بريالة فمه ، وعينيه كما عيني قطة تتطوّح يمينا وشمالا . مقعدي ضيقُّ للغاية فما كنت أتصور أنها تطلبُ الجلوس بجانبي ، فحصل الذي حصل بقبولي وفرحي العراقي والغائي الذي لايخلو من البراءة بعكس غايتها تماما . فكان لابد لها أن تلتصق بكامل جسدي ، فرحتُ أباعد جثتي عنها خجلا لكنني لم افلح لضيق المكان المخصصُّ لشخص واحد ، لكنني رأيتها على سليقتها وكأن الأمر لايعنيها بشيء وطفقتْ تداري طفلها الرضيع بإخراج ثديها الذي أكمل عري جسدها من الكتفين والأفخاذ بزّيٍ صيفيٍ معتادٍ في الفلبين على مدار السنة وأنا بدوري أرتدي الشورت ونصف بنطلون ، يعني انّ الأمر أصبح تلاصقاُ جلداً بجلد. ومرة أخرى حاولت التباعد لعادة عراقيةٍ تخشى النساء فرأيت الأمر من المستحيل فتسمرتُ في جلوسي هكذا. أخذ الباص يتناهب الشارع بينما المسافرون مسمرون في مقاعدهم . لمرةٍ واحدة سألتُ الفتاة عن اسم الرضيع فكان ( ديبيان) الذي تضاحك في وجهي بريئا قبل أن ينام في حضن سعادته . النسيم العليل البارد ونوافذ القافلة المفتوحة على مصراعيها تجعل المسافر خدِراً ناعسا فلابد له من النوم كي يقتل الوقت الطويل . مماجعل رأس البوذية هذي التي جانبتني من اليسار ، أن يندلق على متن يساريتي ، حتى غفتْ بكل أكتافها الصيفية العاريةِ ، وأفخاذها الفاضحة ، وجسمها العاري في هكذا نعيمٍ من الطقس الإلهي الجميل حتى تطايرشعرها الأسود الفحمي فراح يدغدغُ وجهي تارة وتارة ينسدل على كتفي ، فبقيتْ هذه البوذية الطاهرة تحت رحمة الريح ونومها المدلولِ دون أدنى حذرٍ وتوجسٍ مني ، نامتْ حتى كلّ متني وأنا بين الإنشراحِ والخدر الحبيسِ ، والقبول الشبقي الخجِل . فشاغلتُ النفس عنها كي أتعلّم الدرس النبيل من هكذا إمرأة ، فرحتُ أوخزُ ذاكرتي الى ما قبل سنين ، متخيلاً حالي راكبا حافلة السماوة البائسة الى بغداد مع حشرٍ من الجنود الميتين قبل ميعاد موتهم ، وكيف كنت أحمد الرب اذا جلس بالقرب مني رجلا بدلا من امرأة ، لأنني سوف أكون في اقصى درجات الحذر كي لا ألمس أطراف عبائتها أو أحتك بجسمها إحتراما لهيبتها أو خوفاً ، فسيان الأمر واحدُّ في مصدر القلق ، هذا إذا حصل وجلست بالقرب مني رغما عنها ، لأن الأمر لايحصل أبدا بفعل التقاليد والأعراف التي تجبرها على الجلوس مع من رافقتهُ الطريق كمحرمٍ أو حارسٍ من خافيات القدر المحتمل في شعوبٍ مريضةٍ في كل شيء .أو أتذكر معلّمي الشهير في مدرسة سومرالإبتدائية رحمهُ الله ، الذي كان يدفعه شبقه الرهيب والمكبوت ليسافر كل يوم خميسٍ لأن معظم النساء تذهب لزيارة العتبات المقدسة فيكون له الفسحة في حشر جثته بينهن وملامسة أجسادهن بحجة أنتِ أجلسي هنا أو انتِ خذي هذا المكان وبينما هو يوجه نصائحه لهنّ يداه تتحركان بين صدورهن وأفخاذهن وعجيزاتهن بذكاء ينجيه من أي ملابسات لهذا الأمر الفضيع الذي يجعله في أقصى غايات الإنتشاء لهذا الفعل الغريب في مجتمعٍ مريضٍ أجبرهُ أن يتصرف هكذا ليشبع غريزته التي لاتكل ولاتشبع .
سقطت عيناي على أفخاذ هذه الفتاة الفلبينية التي جعلتني ثقافتها نبيلاً يتجاوز بقدر المستطاع كل مايشير الى الزوغان والشبق اللعين ، الثقافة التي علّمتها أن تترك تفاصيل جسدها المثير وتنام على كتف رجلٍ غريبٍ قادمٍ من بقاع هذا العالم الفسيح ، ليس لشيء وإنما أعرافُ هذه الشعوب بعيدة كل البعد عن تفكيرنا الضحل في ماهيات المرأة والجنس وشرفها من عدمه . إنتهى الطريق واستيقظ الطفل الغريرعلى قبلةٍ فوق خده الناعم من الأم التي بدت في غاية الراحةِ والشبعِ نوما وحنانا . نهضتْ بقامتها الناعمة والطاهرة وإلتفتتْ لي بنظرة أخيرةٍ ولوّحت بيدها بمايشير الى الوداع الأبدي.. ثم أردفت ضاحكة باي باي .
تحملني دواعي العمرِ الى العراق
وكيف كنتُ أباعدُ جثتي
وكيف كان الحذرُ يشلّني
لو أرغمتُ أنْ أجالسَ إمرأةٍ
في ذات المقعدِ المكفهرّ من الحافلة
ولو أنّ الأمرَ لايحصل أبداً ، بفعل الأعرافِ
هكذا نحنُ المتباعدون نساءُّ ورجال
بلُهاءُ حتى اليوم !!!
فلامباركُ لنا في الأسفار والدروبِ
ولا مباركُّ لنا في الضياعِ والإدراك
ولا مباركُّ لنا …
في تفاصيلِ الحبّ والجنون
*ماريو برلسكونتي ..صديقي الإيطالي
*إيفيلين …. زوجة ماريو
هاتف بشبوش/شاعروناقدعراقي