يقول الشاعر العراقي الراحل حسين مردان..
أن الوزن حبل قصير لا يصل القعر، لذلك لا بدَّ من الاستغناء عنه والسقوط إلى الأعماق لنفرك التراب اللزج في القاع فتشع المعادن الكامنة فيه.
من ما بين اللا وعي واللا إدراك تتدفق قصيدة النثر، لتطيح بمظاهر الجمود والركاكة والصيغ التي لاكتها العادة، وأفرغها التكرار من روحها، ورغم أن نشأة هذه القصيدة لم تكن عربية فقد ظهرت قصيدة النثر بعد أن تمت ترجمة عدة قصائد أجنبية إلى العربية الفصحى، إلا أنها استطاعت أن تلفت نظر النقّاد والشعراء وصولاً إلى سرگون بولص.
كما أن هناك من شعراء الغرب من أبدع في كتابة هذا اللون الأدبي أمثال والت ويتمان وبودلير ولوتريامون وملارميه الذي يقول : «ليس هناك نثر وانما هناك الابجدية ثم أبيات متراصة الى حد ما: مسهبة الى حد ما، فأنّى يوجد جهد في الاسلوب، يوجد نظم» والذي اعتبروه الثائر والمجدد في الأدب الفرنسي، فإن هناك من العرب من أثبت جدارته وإبداعه في كتابة النثر أمثال أنسي الحاج ومحمد الماغوط من سوريا وغيرهم..
ولدينا اليوم شاعر بصري مبدع يكتب النثر بإسلوب رائع جداً صدرت له وحدات شعرية معنونة بـ (أرباض) و (الأحد الأول) و (قسيب وقلالي مجموعتان في كتاب واحد)..
ولا أدري لم ساقني التفكير إلى بطل الحفرة القومية حين قرأت النص (١٧) في الصفحة (٢٤) من كتاب قلالي، حيث يقول الشاعر مقداد مسعود:
– من هذا..؟ ما أن يضع سيگارة غليظة طويلة بين شفتيه، حتى تشتعل تحتها خمس قدّاحات أنيقات، ثلاثة أيادٍ نسوية، ويدان واحدة لرجل كبير السن مهيب وأخرى لشاب يشبهه، من هذا مدخن السيك..؟
– هذا عبد مملوك، يستعمله الكبار: فوهةً في الهواء الطلق، ويستعمله الأكبر من الكبار: ممسحه لحذائه
هذا لا يكفي أن يعدم، أو يحرق، أو يسحل….
التساؤلات المطروحة في النص تضع علامات استفام كثيرة وتساؤلات حول من هو الشخص المقصود؟ ثم يتبين أنه ليس سوى آلة تتلاعب بها الأيدي، وما توجهت له من عقوبة غير كافية بحقه.
وفي الصفحة (٢٥) نابذاً اختلاف العقائد والمذاهب يقول الشاعر مقداد مسعود:
– صديقك الشاعر يطلق عليك (شيوعي منهج القرآن)..؟!
– أنا نبات من بصرة المعتزلة والزنج والنصارى والصابئة واليهود والآرمن، كل هذه الملل والنحل كانت معي وأنا في مدرسة الجمهورية النموذجية التطبيقية الإبتدائية، كلنا اقتسمنا سمبوسة (أبو عباس) وقناني الببسي وأكلنا من صحن واحد في كل البيوت..
– والقرآن..؟
– أراه صيدلية لغتنا.
وقد جاءت مجموعة قسيب معاكسة لمجموعة قلالي ومجتمعتين في كتاب واحد فما أن تقلب الكتاب من جهة إلى جهة حتى يتلقفك الشعر.
في مجموعة قسيب يقول الشاعر في إحدى نصوصه:
الحزن هويتنا / هوايتنا العراقية
وصادمنا والمجلوب الطارئ: مسرّاتنا الخاطفة وضحكاتنا العائلية التي تتطيّر منها أمهاتنا وخالاتنا والجدّات فيطلقن صواريخهن نحو خطفة شهب المسرّات وقهقهات اللمّة العائلية، فيشعلن سقوف العائلات بالمعوذات والاستغفارات والتوسلات نحو المتعالي في صمته المقدس.. الجميل الذي يحب الجمال، ليغفر لنا قهقهات بهجاتنا العائلية…درءاً من موت الغفلة.. أو تفكيك أسري صارم.. أو ارتطام بمدير عام يؤدي إلى دوي خاص، من فوهة لا تقصد سوانا.