تمتاز الكاتبة العراقية هدير التميمي بشعرية اسلوبها في الكتابة المسرحية وسعة المعنى الدرامي بإحتوائه على حدث وصراع وهدف دون انسيابية تفقده معناه ووظيفته , اذ استقلت الدراما لديها بالمنحى القصصي بنمو وتفعيل وتماسك وتوتر ومحاكاة فعل , لها العديد من الاعمال المسرحية كان منها ( قسوة ) , ( غفوة رمل ) , ( ملفوف السلق ) , ( غربة نوم ) , ( خربشات رحم ) , ( مذكرات آخر عراقي ) , ( غصّة ) , ( ميتاموت ) , ( شمس التبريزي في سوق الحلة ) , ( سيلا ) , ( نادرة ) , ( ماريا ) , ( عَبّارةُ المَوت ) , ( أكياس ) , ( منبر المجانين ) ونصوص مسرحية اخرى , اهتمت بالذات الانسانية وصراعاتها وما عانته من نتاجات الحروب ظلما وتهميشا, بكل ماتحمله من نقائض , فكل شيء في الكون يحمل نقيضه وكل شيء موجود في تناغم من التواترات المتقابلة , اذ يحوي التناغم مبدئين متعارضين رغم تعارضهما الا انهما يشكلان وحدة ضمنية تقوم بها حياة الاشياء بطرح دائم يكشف عن وجودها.
ضربت الكاتبة بحرفية عالية المركزية المثالية للاب كشخصية ايقونية تدل على السلطة والحكم والريادة في القرار والجانب المحتوي للعائلة وتد البيت وقامة التملك لكل ماموجود في مملكة العائلة حين جعلت من شخصية السجين (1) يوسعه ضربا ( تعودت أن أصفعه في هذه اليد .. تعودت فعلها كل يوم ( يضرب على وجهه لاطما ) أضربه .. وأضربه … وأضربه للحد الذي أتعب فيه (يترك ذراعيه يسقطان على الارض ) ، أتعب ولا أمل .. لعنة مكللة بالألم .. (يقف واضعا ظهره على الجدار رافعا قدم واحدة ) كنت أوقفه هكذا .. أوقفه جنب الجدار بقدم واحدة ، كلما أنزل قدمه الاخرى ضربته أكثر ( يصرخ ) آه .. لا .. لا تضربني .. لم أنزل قدمي ) ، اذ اولت الذات حرية الحكم والانفلات لتكون حركة هدم لبناء جديد في تناقض متناغم بهدم الابوية المتسلطة والعبودية والعنف التي تفرز التشرد في الشوارع التي تلف الاطفال (كان أبي يفعل لي الكثير كي أكون مشردا في تلك الشوراع العمياء ، (يلتف حول نفسه ) شوارع تلف الأطفال .. تحرق ما تبقى من الطفولة والحب ، تمزق اللوز في الأفواه ، عقيمة كقلب أبي ، لا تلد الاحرار بل العبيد ، علموني أن أعيش اليوم بلا تعليل ، علموني أن أحيد ولا أجيد فعل شيء ، علموني العنف حد التمزق ، زرعوا بي الألم فوزعته على البقية هدية عيد ) , وصولا لبناء جديد مناقض معبر عن روح العصر في ايجاد نظرة جديدة للحياة والوجود المهمش بعيدا عن القيم الزائفة والمعتقدات القاسية التي تحكم الحياة , في الجانب الاخر يبرز ( سجين 2) ليمثل الواقع المناقض لواقع ( سجين 1) والمتناغم معه اذ يبرز فيه صورة الاب المتسلط القاسي القلب المسجون في لعنة الموت الابدية للآخر , يبث الرعب في قلب ابنه ( أبتلع السم في الكؤوس ، كنت أتألم كل يوم عند رؤية أبي ( يتحدث بخوف ) ، اششش .. أبي .. ( يتلعثم ) نعم أبي .. كان يصفعني على أتفه الأسباب ، يمزق قفصي الصدري بلكمته اليسرى ، كان دوما ، ( يتلعثم ) يحمل السكين ( يتنفس بسرعة ) .. يحمله ليشوه يدي ، كان عندما يدهس عتبة الباب ، ( يركض لنهاية الزنزانة ويكور نفسه ) أختبيء تحت السرير، أخفي يدي خلفي … لا .. لا تصدروا صوتا .. انه يسمعكم .. تعودت الاختباء .) لتكون الحالة معكوسة تماما ومناقضة فالاب هنا مصدرا للرعب والوجع , لكن في نهاية الامر ينهي السجينين واقعهما نهاية واحدة بإزالة المظاهر الغير مرغوب فيها في الواقع وبالمقابل رسم صورة مغايرة تماما عن الواقع ومتضادة معه الا وهو عالم السجون المظلمة عالم منسجم ومتناسب عالم المعقولات الذي يمثل للاثنين الخلاص من واقعهما المؤلم في تناغم متقابل , لتكون ظلمة ليالي السجون ارحم من نهار يأكل الاحباب.
ناقضت الكاتبة الشكل للمضمون لتظهر الفكرة مجردة تماما عن شكلها وتصبح فكرة خالصة , سجن بلا حرية وحرية بلا حياة فالخروج من السجن بجنازة , اب بلا ابتسامة وعيد بلا هدايا وهدايا اعياد مملوءة بالألم , بكاء الابن بعد ضرب ابيه بقسوة والقسوة بعد البكاء , اب يمزق صدر ابنه بيده وابن يمزق صدره بعد ان ضرب ابيه ,خيط يلملم الجراح ويفتح فجوة عميقة بالذات (كان خيطا طويلا (ينظر إلى الخيط )، كأنهم ما خيطوا جرحي (يضعه على القميص الممزق ويرميه ثم ينظر إلى صدره ويمد يده على طول شق القميص) فتحوا برأسي جراحا أعمق وأعمق وأعمق) كلها تناقضات شكلية متناغمة لمضمونها المتعارف عليه خلقت صورة الصراعات القائمة للوجود , لتنسجم الذات الكامنة في الاشياء المليئة بالاضداد .