حدد المختصون جملة من سمات مسرح الطفل والتي نصت على ” استخدام لغة سهلة تصل الى ذهن الطفل , وفكرة بسيطة وواضحة تحمل الكثير من التشويق والإبهار والاستعانة بالحركات والرقصات مع إضفاء طابع البهجة والمرح مع تضمّن المغزى التربوي التعليمي”,
فإذ ما تفقنا بأن مسرح الطفل هو صنف درامي مسرحي يأخذ طابعه الخاص أي (خصائصه) وهويته من وظائفه التي تتحدد بطبيعة الجمهور المستهدف والذي يحتم وجود اشتراطات لا غنى عنها تتمحور حول ( المستوى الادراكي والنفسي المتمثل باللغة واليات العرض والموضوعة او الموضوعات المطروحة وبنية الحبكة او ثيمة العرض).
لذا فأن اشتراط المستوى الادراكي والنفسي يحتم على صناع عروض مسرح الطفل ان يأخذوا بنظر الاعتبار اللغة كتأسيس اولي لتحقيق (الاتصالية والتواصلية ) مع الطفل ذلك لان العرض يبقى عرضاً اتصالياً أي (يبقى مبادرة اتصالية من شخص او اشخاص ولا تتحقق فيه العملية التفاعلية والتحفيز مالم يحقق التواصلية أي مشاركة وتفاعل الآخرين معه ) , الامر الذي يحقق فيه العرض اهم وظائفه وهو الارسال والتلقي حسب تعريف ” باتريس بافيس “.
ان عملية تحقيق الارسال والتلقي في أي عرض مسرحي للأطفال واحدة من اهم الاهداف التي يسعى لها صناع العروض والتي تنطلق من عملية تركيز صناع هذه العروض على ثلاث محددات حددها الفيلسوف البولندي انجاردن وهي ” النص مابين المتصور والمقترح والعرض أي (إعادة إنتاج العمل الدرامى) , وكذلك التعامل الابداعي مع مختلف الوسائط وافق التوقعات وثقافة للمتلقي , والمضمون القصدي والعمدي للرسالة المرسلة من قبل المؤلف ابتداءً والمخرج , ومن ثم التجسيد “, أي ان عملية الارسال والتلقي في المسرح تحدث مابين مُرسِل ومُستقبِل، ولن تكتسب فاعليتها من دون الأخذ في نظر الاعتبار دور المتلقي، كما أن فعل التلقي لا يمكن استيعابه من دون الرجوع إلى عملية الإرسال لتحقيق عملية ( الاتصالية – التواصلية ) التي تحقق بدورها التفاعلية مابين صناع العرض والجمهور لذلك تكون اللغة واليات العرض وموضوعاته وبناء حبكته هي المرتكز الاول في تحقيق لأرسال والتلقي في عروض مسرح الطفل.
وفي تحليل عناصر العرض المسرحي لمسرحية ( سنان البطل الخارق ) تأليف الكاتب صادق النصراوي واخراج كرار الصافي وسينوغرافيا حمزة عبد لفرقة شعبة الطفولة والناشئة في العتبة العباسية المقدسة فلابد ان نبدأ من العتبة الاولى للعرض وهو النص
•النص :
ان فكرة النص تتلخص بــ( الفتى سنان الذي يبقى وحيدا برفقة جدته وبسبب اهماله ولا مبالاته الذي يتسبب بسرقة بيته فيدرك خطأه ويتعاون مع ألعابه للقبض على اللصوص فيقع في قبضتهم قبل ان تقبض عليهم الشرطة وتنقذ الفتى) وعلى الرغم من ان فكرة هذا النص فيها تناص كبير من الفلم الامريكي الكوميدي (Home Alone -وحيداً في المنزل) والذي انتج عام 1990 بطولة الممثل ماكولي كولكين الذي لعب دور الطفل كيفن ماكاليستر في الفيلم , الا ان كاتب نص( سنان البطل الخارق ) حاول الاجتهاد في كتابة نص يقترب من قصة الفلم ويبتعد عنه في بعض الخطوط الدرامية البسيطة المتمثلة بوجود جدة حاضرة قولا وغائبة تجسيداً وكذلك تضمين النص ابطال خياليين ألا وهم الالعاب ونقل الاحداث من بيت الطفل أي بيئة الفلم الاصلي الى بيت اللصوص لا بل كان امينا الكاتب لقصة الفلم حتى في توصيف الشخصيات مابين طفل ذكي ولصوصية غبية وهي طرفي معادلة الفلم الاصلي نفسه .
النصراوي قدم نصه بــ(😎 شخوص وهم كل من ( سنان كركر وعنتر والطائر والبطل الخارق وشرطيان وضابط ) , وقد اعتمد كاتب النص على لغة بسيطة من السهل المستسهل لمعجم الطفل وبذلك هو لم يكن بحاجة الى ان ينحو بلغة العمل نحو التعقيد معتمداً في ذلك على مفردات رشيقة يتلقفها الطفل ويتفاعل معها لبساطتها وسهولتها أي هنا نستطيع ان نصفها بالمحصلة النهاية بانها لغة وصفية اشارية تصيب المعنى وتصل بالطفل الى هدف ومسارات البناء الدرامي وصولا لحبكة ونهاية العرض المسرحي .
ان النص راع الفئة العمرية التي يستهدفها تماما في اقتراح المسار الخيالي للطفل قارئاً بذلك حاجة الطفل وعالمه وملبياً لما يستهويه من خيال وقصص الابطال الخارقين فضلا عن ان النص بث مضامين تربوية واخلاقية واسلامية واضحة , وصحح اخطاء طفولية شائعة سواء كان من خلال عرضها بطريقة مباشرة وعظيه او بصورة غير مباشر ضمنية وكان ذلك واضحا وجليا في التالي :
عنتر : اششش .. حاول ان تبقى صاحيا ايها الكسول .. اننا هنا لنسرق لا لننام
كركر: (مستنكرا) لا تقل اننا نسرق فالسرقة عيب وحرام
وايضا في :
البطل الخارق: حسنا لندخل من الشباك .. هنالك زجاج مكسور
سنان: كلا فأبي كان دائما يقول لي لا يجوز دخول البيوت الا من الابواب
وايضا في :
سنان: يجب أن نجد طريقا للخروج من هنا لكن كيف…..(يفكر ويقول بعدها) لقد علمني أبي بأني اذا واجهت أمرا يعجز فيه أي أحد عن مساعدتي أتوجه إلى الله عز وجل وأطلب منه المساعدة… (يرفع يديه) يارب أرجوك ساعدني وألهمني فكرة تساعدني في الخروج من هذا المأزق.
وهذا ما يحسب للنص كنص في اقتراح فكرة خيالية بمضامين تربوية واخلاقية واسلامية تصحيحية للطفل للسير نحو الهدف الاسمى للعرض وهي مستخلصات التجربة الدرامية والتوجيه الغير مباشر للطفل في الانتباه والجذب والاستفادة.
•الحبكة :
ان بنية الحبكة في هذا العمل المسرحي كانت بسيطة في عملية التلقي الذهني للطفل مثلما السبب فيها والنتيجة كانا مباشران فضلا عن لعبة العرض سهلة واضحة والسؤال النهائي للعرض كان مباشراً والاهم من كل هذا ان مسارات الاحداث الدرامية كانت واضحة جداً غير معقده والمتغيرات مقنعة أي اننا كنا نتابع تلك المسارات بانسيابية تصاعدية رشيقة ولم يحتج المتفرج ان يسأل نهاية العرض ( ماذا يريدون؟) لان الحدوته واضحة والطريق اليها كان سالكاً بشكل حافظ على وحدة الموضوع وسلاسة الطرح وصولا لغاية العرض النهائية .
•اليات العرض المسرحي :
لا يختلف اثنان على ان الجانب البصري يؤثر بالطفل ويكون أكثر أهمية له من حيث الضوء والكتل والفراغ والمسافات أو المساحات والفضاء والسينوغرافيا , فهو لا يفهم بضبط الحركة والميزانسين لكن يتحسس انتظامها , مثلما لا يفهم بموضوعة علاقة الممثل بنظيره بل يتلمس انسجامها , ذلك لان علاقة الطفل المتفرج بالعرض تتشكل بصرياً في البدء لتلهمه فيما بعد ليشكلها في مخيلته حواراً سواء كان مباشراً او غير مباشر او حتى ايحاءً او استثارة لتدفعه للمشاركة والتفاعل, وهذا بالضبط ما حدث في عرض ( سنان البطل الخارق ) فالمخرج عمل على خلق بيئة مسرحية تنسجم مع مخيلة الطفل في استغلال جغرافيا المسرح بشكل منتظم مشكلا بذلك لوحة معبرة لبيئة المكانين فضلا عن ان المخرج نجح في تخليص النص الاصلي من الحشو والاطناب والاسهاب ليختصر ويجيز في اخراج البناء الدرامي للمتن الحكائي للقصة وحاول قدر الامكان ضبط ايقاع الفعل الدرامي للعرض الذي للأسف سقط في اماكن عديدة من العرض في الملل والرتابة الا ان المخرج استفاد من قدراته الكوميدية كونه يجسد دور الشخصية الكوميدية الوحيدة في هذا العرض (كركر) في انقاذ العرض في احيان عديدة من السقوط في الملل والرتابة مدة اطول وهروب وتشتت الجمهور من خلال حركاته وما جتهد به من افعال واقوال كوميدية شدت المتفرجين الصغار وجعلتهم يعودون للعرض ويتفاعلون معه مجدداً , كما وعمل المخرج ايضا على خلق لغة بصرية جميلة ساهمت في خلق عوالم من البهجة والحميمية مابين العرض والمتفرج ,واستطاع ان يقدم عرض مسرحي في تجربته الاولى في الاخراج للطفل برؤية اخراجية محترفة الى حد كبير وفقا لعناصر العرض المختلفة, فالدتا شو ( الحلم ) والالوان والاضاءة والموسيقى والاناشيد ساهمت كثيراً في جذب المتفرج الصغير وانعاش العرض المسرحي اكثر, وما يجب تأكيده هنا وبشكل صريح ان السينواغرافيا في هذا العرض كانت عاملاً مساعداً اسهم في نجاح العرض مع اختلالات بسيطة في اختيار مساقط الضوء هنا او هناك في غير محلها , كما انه اقترح ( أي المخرج ) اشياء مضافة للنص الاصلي تمثل بدخول الشرطيان لتحطيم الجدار الرابع وذلك للاستفادة من الوقت لتغيير ديكور العرض خلف الستار , إلا انه لم يكن موفقا في ذلك على الرغم من ان الممثلان اللذان قدما دور الشرطيان الممثل ( عباس جاسم وذوالفقار السعدي) يمتلكان مهارات مميزة لم يستغلها المخرج في خلق لعبة مسرحية فاعلة موظفة بشكل احترافي تضيف للعمل فعلاً مسرحياً ينهض به بين مدراجات الجمهور , فجاء للأسف خروجهما مقحماً خالياً من أي توظيف او اضافة او هدف.
وفيما يخص التجسيد أي اداء الممثلين فقد شكلا ( كركر وعنتر) الاخوين سيف وكرار الصافي ثنائي جميل في رسم ملامح الشخصيتين لا بل شكلا عصب العمل المسرحي واساس متعته فكان الأداء الصوتي للحروف ومخارجها والألفاظ وسلامتها والعبارات وصوابها متقنا وعاملا مهما في فهم الشخصيتين وتقبلهما من قبل المتفرجين الصغار عكس الطفل سنان والذي ادى دوره الطفل ( كرار رشيد) فعلى الرغم من انه كان محور القصة وقدم جهد يتناسب مع سنه الا انه كان بحاجة كبيرة للتمرين اكثر ليكون ممثلا لا مؤديا في العرض , ذلك لان ردات فعله ومتغيرات قناعاته في تجسيد الشخصية جاءت سريعة الايقاع مما افقد الشخصية المقترحة تفاعل الجمهور معه وافقده هو بروزه المفترض فضلا عن غياب سلامة اللغة ومخارج الحروف في احيان كثير من العرض لا بل كان صوته الى جانب صوت ممثل شخصية البطل الخارق الممثل (علي البدر)غير واضحة المعالم لا بل غير مفهوماً في اغلب الاحيان , كما وان البطل الخارق ايضا كان بحاجة الى مران اكثر ليؤدي بشكل احترافي روحية البطل الخارق وحركاته الجسمانية المعهودة في المخيال الجمعي للطفل.
اما دور الشرطيان اللذان كانا يمثلان اساس الحماية المجتمعية التي نربي اطفالنا على احترامها والاحتكام لها في الاخطار الامنية والتي كان من المفترض ان يبث العرض المسرحي اهميتها في ان الشرطة هي اساس ضبط ايقاع امن الحياة فلم يكن تجسيدهما واضحا ولا توظيفهما يعضد دورهما في الواقع ولا فعلهما الدرامي صائب بل جاء دورهما متأخراً في اللعبة المسرحية مكملا للعرض لا فاعلا فيه , فضلا عن استخدامهما الوعظي المباشر الذي اضر بختام العرض المسرحي واخرجه من اللعب المسرحي الى المباشرة وهذا لا علاقة له بإمكانية الممثلان بل في توظيفهما من قبل المخرج .
وهنا ووفقا لمقدمة الورقة هذه لابد من ان نطرح اسئلة هامة :
-هل حقق العرض المسرحي وظائفه الاساسية فحقق عملية ارسال وتلقي ناجحة ؟
-هل اجتهد صناع العرض المسرحي في تقديم مايلهم الطفل ويستفز مخيلته ( لغة /اليات/موضوعة/بناء حبكة) أي (مضموناً وشكلا)؟
-هل حقق العرض المسرحي التفاعلية المرجوة منه على اساس جودة الاشتغال لا على اساس اسقاط الفرض والنتيجة تأتي تباعاً؟.
-هل استطاع مخرج العرض من الارتقاء بالنص الى مستوى الابهار والمشاركة؟
الجواب الذي لا مفر منه ولا جدال عليه ان العرض المسرحي حقق عملي الارسال والتلقي بشكل فاعل وكبير واستطاع ان يحفل العرض بتفاعل جماهيري وتشاركية كبيرة لا بل قدم العرض قصة متكاملة الاركان واضحة المعالم مشوقة الاحداث للمتفرج الصغير فنال اعجاب الكبير قبل الصغير, وهذا ما يجب ان يمضي فيه أي عرض مسرحي وهي التكاملية القصصية ووضوح المسارات الدرامية والاقناع الحتمي للوصول الى حبكة العمل كي لا يكون الاقحام وألا اقناع في متغيرات الافعال الدرامية لشخوص العرض حاضرة وبالتالي نقدم عرضا مبهجا بصريا وسينوغرافيا دون ان نلامس عقل الطفل المفكر وخياله اليقظ في التحليل والاستنتاج وهذا بالمعنى الدقيق مايسمى السرد القصصي الذي لابد ان نجد ونجتهد في تضمينه لأطفالنا كي لا تكون عروضنا ترفا بلا قيم .
ختام القول مبارك لجميع صناع العرض المسرحي ومن يقف خلفهم في انتاج مثل هكذا عرض وان حفل بهفوات الا انه يبقى العرض الاكثر اهمية تفاعلا ووضوحا واستفزازا لمخيلة المتفرج الصفير.
——-
ملاحظة :
هذه الورقة النقدية التي قدمت في الجلسة النقدية الثانية من مهرجان الحسيني الصغير الدولي لمسرح الطفل في العراق – محافظة كربلاء المقدسة للفترة من 1-5/3/2022 عن مسرحية ( سنان البطل الخارق ) وهو العمل الحائز على جائزة افضل عرض متكامل