بعد الإفطار الأخير للشهر الفضيل، دنى مبتسما حفيدي الجميل وهمس لي ولم يكتف حرك السبّابة والوسطى فرأيتُ فيهما مقصا، فضحكنا ونحن نرتشف الشاي.. ثم قصدتُ الحلاّق وهو من فتيان محلتنا الكرام وبعد السلام، رأيت دكانته في زحام. والرؤوس تنتظر دورها لتطيب النفوس. وقال لي بحنو الولد المطيع، يا خالة بعد ساعة ونصف سيكون الوقت مكرسا لحلاقة أميرك السعيد، فقلت له أسعدك الله سأضيف نصف ساعة مني.
بعد ساعتين قصدنا الحلاق أنا وحفيدي المشتاق للحلاقة فهو على صغره يحب الأناقة. ما أن دخلنا رحّب الحلاق به، وأخبر الزبائن الجالسين كالرهائن الوقت الآن لحفيدي في الجلوس على الكرسي، فهنأت ُ نفسي، لم يعترض أحد وما أن جلس الحفيد على الكرسي، حتى اشترط على الحلاق المسكين بإخراج الزبائن من الصالون، فأمتثل المساكين، ولم يبق في الصالون سوى طفلين وأنا. وما أن جامله الحلاق بالكلام، حتى ردعه بسوط بالسكوت وإلاّ يغادر الكرسي والصالون. فأصيب الحلاق بالخرس وأنا أصابني الحرج وروضت نفسي حتى يأتي الفرج. لا صوت سوى المقص وما كنة الحلاق، والحلاق صامتٌ على مضض والطفلان المنتظران في حنقٍ وبغض…فجأة يبتسم الحفيد، ليومه الجديد، حلاقة أنيقة وحلاق ماهر مطيع فأمتلأ الصالون بالربيع.
ونحن في الطريق للبيت يسألني حفيدي، حين أنام ليلتي هل يتجعد شعري الجميل.. قلت له شعرك مثل وجهك الحلو ولسانك الجكليت وعنادك في الصالون والبيت. عانقني ونحن في الطريق فرأيتني بعمريه الجميل بين الدواليب والاراجيح في لحظة ينتصر النسيم على الريح.