جلست مطرقة في العتمة تحاول أن تتنبأ بما سيحدث، حتى امتلأت الغرفة المعتمة من وساوسها، تتفحص بعين أدمنت اللا جدوى أيامها الصدئة القادمة. الغرفة غارقة في الصمت، إلا صوت الكرسي يلج الصمت بين الفينة والأخرى ينازع فزعها بهدوء، فتُحدث رجله الكسيرة صريراً يزيد من توترها.
كان رأسها مثل حجرة للولادة تتمازج فيه الأصوات القادمة من كل رواق لتطفو بين خضم من أصوات متعالية، نادبة وداعية ومستعطفة، ومتوجعة ومن بين هذه الأصوات كان ثمة صوت واحد يدعو على أحد بالويل والثبور… انها كوثر كأنها قد ظفرت بمعجم اللعنات لتصيغ منه خيالات لخيانة خليلٍ زوجِها.
كان اسمه يطفو بين الفينة والأخرى كحسرة متكسرة في صدرها، او هزيمة لأنوثتها الحزينة
– ومع من!! تمتمت وهي تكاد أن تتكسر اسنانها:
– مع فتيات غريرات بهرته اجسامهن المكتنزة.
فأي طوفان لفها حتى لم تعد ترى شفتيها المصبوغتين بأحمر خفيف اختارته بذوق يلائم مزاجه الهادي، ولم تبصر اتساع عينيها اللتان زادهما الكحل جمالا حتى همس يوما ما في اذنيها في لحظة هيام داعرة:
-أنك أجمل من كثير من النساء التي اراهن في الصباح.
واذ تنحني قليلا لترتاح من الم عابر وانتفاخ داهمها في بطنها، تدرك انه القولون، كما قال لها الطبيب منذ بضعة أشهر، في تلك اللحظة ضربت عضدها الأيمن البض بيدها وهي تدفع ذبابة فقدت ذاكرتها مرارا وتكرارا على عضدها الأيسر.
الساعة تقترب من التاسعة ليلا، كانت كوثر تحمل هموم مغنيي الاحزان، وهموم لابسي الشعر المستعار، وحاملي رايات الحروب في معارك الفتوحات القديمة، وآلام العاهرات، كل هذه الهموم انبعجت في مساحة جسدها المكتنز وهي ترتدي ثوبا شفيفا احمر بانتظار أميرها المرابط مع زوجته الجديدة، إذ يتحسس الجسد الجديد الشهي الذي ما أن يثيره حتى يزحف نحوه ولو حبواً على الجليد، كانت تحمل سيف الغيرة النسائية بذراعيها المكتنزين المر تجفين بصورة لم تعهدها من قبل.. بينما قادها الشعور بالثقة بالنفس الى أن تنظر الى المرآة الجدارية الصقيلة في مخدعها و تتأمل اتساع عينيها وغواية شفتيها، وجمال أنفها وكأنها تحسب هذه الأنسجة الرخوة هي ابتسامات لربة الجمال من مسامات وجهها القمحي وحنكها الصغير… ابتسمت أمام المرآة ابتسامة الكسير وقد مات جواده في المعركة، وابتسمت مرة اخرى لتجرب البسمة بين قلب مطعون في شغافه وابتسمت ايضا لكي تتامل اسنانها البيضاء المرصوفة بدقة.. وحدقت في المرآة حاملة السيف الذي هو أيضا يرتجف بقبضته الفولاذية ….
– ولكنه تأخر…. تمتمت بامتعاض كمن يحدث نفسه:
– ربما بدأ يضاجعها للمرة الثالثة.
في تلك اللحظة كانت تمسك أحمر الشفاه بلونه الأرجواني واستطالته المستدقة النهاية، لم تستطع أن تقربه الى شفتيها فتراخت كجابي ضرائب خائف, سقط أحمر الشفاه من يديها وبدت غير مكترثة به اذ اشبكت اصابع يديها وهي تتأمل النور الخافت من مصباح يئس النور في زجاجته المعتمة, وأخرجت سيكارة من علبة خفية اعتادت ان تخفيها عنه, تلك التي رآها مرة وسكت لأنها في تلك الليلة كانت تحكمه مثل كسرى, في تلك الليلة ايضا, أضطر أن يتناول (حبة بروفين ) لتسكين مفاصله المبعثرة. كانت السيكارة من نوع (كينت) الفرنسي, و تكاد أن تكون أطول من أي نوع مألوف من السيكاير, سيكارة طويلة ليس في دبرها غطاء بني أشعلتها بصمت فأثارت شهقة اللهب خفايا كثيرة في جغرافيا مخدعها, وصورا لم تعهدها إذ تسمرت عينيها بشماعة الملابس, كان قميصه الأزرق السمائي يتدلى من نتوء معدني مذهب, صمتت برهة وقد وضعت سيكارتها بين سبابتها والوسطى ومضت تبحث في القميص, قميص المرابط في جبهة تلك وساحتها الذي يستلقي الان معها في فراش معطر وثير, ذراعه المشعر يمس رقبتها البيضاء أم الداكنة السمرة, النحيفة أم السمينة أم أم ؟؟
ووقفت أمام هذا السيل من الخيالات مثل سائس الخيل تريد أن يمسك أعنتها لكن سونامي من الحقد تصاعد فجأة بين عينيها حينما وجدت قصاصة ورق مطوية فتحتها بلهفة لكي تقرأها, رسالة الحب والعشق ابتسمت امام ذكائها المفرط ابتهجت حينما قرات بتأني الكلمات لقائمة اجور الكهرباء للسنة الماضية ثم قطب جبينها, قلبت الورقة معولة على ثقتها بحدسها, فرأت خربشات فيها كلمة واحدة قنينة عطر واحدة وأمامها رقم سبعة آلاف وظنت وربما للأبد إنها لم تدرك انها كانت تستبق الحدس بذائقة أكثر سقما من المريض نفسه, وهكذا مضت سنيها السبعة معه يلجم جموحها بوعيه وما يحمله من ثقافة بسيطة حتى كانت تتندر انه (ابرد من …. السقا) , كان خليل قد ودع حياته البدائية معها ليداعب حلما طالما راوده في الخفاء انها عروبة الفتاة القمحية الوجه. تمتمت كوثر وهي تمزق أوراقه البيضاء.
لن أكون فلينة اطوف سادرة في بحار يركب أمواجها خليل ويراقص امرأة غيري..
سأسافر في كل درب يعرفه ولا يعرفه، سأتحدث الى الشياطين، سأستنجد بإبليس، سأرفع صوتي في كل محفل سأضع فعلته العوراء في كل بوق وسأنفخ بكل ما أتيت من قوة، سأجعله يتلاشى ويخبو صوته … انتظر لترى، كانت القلادة الذهبية التي يتدلى منها سن ذئب ذهبي نقش عليه أول حرف من اسمه، قد انتشلتها بعنف من عنقها حتى أحدث احمرارا خفيفا على رقبتها اشبه بأثر سيخ احمر.
الحل في الغد.. كما قالت سعدية …
التي تطلقت من ثلاثة ازواج اخرهم يكبرها بخمس وعشرين عاما.
- اذهبي الى مراد … في جهة السوق الخلفية البيت الثالث من زقاق صغير.
لم تسمع باسمه لكن وساوسها تلاشت فجأة أمام هذا الأمل الذي تسرب إلى عينيها، كأن صوت سعدية مثل موسيقى هادئة سكنت اطرافها وتسربت الى كل شيء في بدنها حتى انتفاخ بطنها أخذ بالتلاشي.
- ولما لا تذهب وهي تحمل رسالة حقد مقدس، لو تهيأ له شاعر لأنجز منها إلياذة ظلامات أعظم من ملحمة هوميروس، ولتصمت لحظات، لكنها منهوبة مستباحة، حتى الريح والنوافذ تدرك ظلاماتها، يشهد لها وجيب قلبها المتسارع ليلا ونهاراً، وبرودة أطرافها، وانخفاض وزنها حتى ضعف تماسك سروالها الداخلي، قالت سعدية: (فدوة أروح لك وينه بيته هذا)، وهل تذهبين معي؟
-لا.. لا.. لا يستقبل إلا الشخص بمفرده … ردت سعدية بتلقائية واضحة:
- كأنه محتال؟!
- لا
- ربما …. لكنه (يدبر الأمور)
- يعني هل هو مضمون النتائج؟
- إنه ابن قحبة، رضع مع إبليس، وما شأنك انت …! هو (سيسوي الأمور) كما تشائين.
صمتت كوثر للحظة.. كانت صورة خليل تهمس بين عينيها لم يعد ذلك الفحل الذي روى عطشها يوما ما، ولم تعد هي تلك المهرة الجموح. كان يصف ظمأها مثل عروق نبتة عندما تروى يتفجر منها أزيز وتنبعث حرارة لا يطفئها الماء، كانت ضربات قلبها تتسارع وتنخفض وعينيها تبحر في الوهم كأنها تسير في مدن لم تطرقها من قبل..
- ومهما يكن مراد… فإنه يملك السر في الانتقام.
كانت دائمة الصمت منذ أن تعرفت عليها جاراتها وأدركن أنها امرأة خليل، كن يرددن إن كوثر امرأة جميلة أجمل من وجه خليل الأزرق، فتصمت وهي موجمة أيضا.
كانت الريح خفيفة يحدث حفيفها لفحات ساخنة على وجهها الموجم.
سّوت نفسها وقد تلفعت بعباءتها السوداء, وكانت العباءة تلتصق على اجزاء بدنها المكتنز فتحيله الى تكورات ترتج مثل كيس مطاطي مليء بالماء, أخفت خصلات شعرها السوداء المنسدلة على عينها خلف العباءة واتمت وضعها على أنفها كما كان يأمرها خليل مراراً وتكراراً, اغلقت باب الدار بمزلاج حديدي من الخلف وسارت بين إغماءات اسرارها وهي تفيق بين لحظة وسواها حينما تعتصر كفيها المثلجين, كانت تتعمد ان تحبس مشاعرها وان لا يظهر طيف يفسره الرائي بشيء كأنها شعرت ان الوجوه تلاحقها وهي تذهب الى بيت مراد, (ابو السِّحارْ) كما يعرفه الآخرون, الآن عمدت ان تخفي كل وجودها في كل صورة او أي حديث عابر حتى مع سهام جارتها عندما لمحتها وهي تشتري من بائع السمك, تعمدت أن تظهر أمامها بمظهر لا يثير ريبة, كأنها تحاول ان تخفي رقعة كتبت في جبينها تشي بما هي ذاهبة من اجله, كان طريقها ينحرف من خلف سوق الاسماك برائحته المميزة, رائحة السمك العفنة, ولم تدر كيف انفرج فمها عن ابتسامة غريبة عندما تذكرت كيف يتناول الآخرون طعاما تفور منه هذه الروائح .
رأس الزقاق يكون مباشرة خلف المدخل الخلفي لسوق الأسماك، كانت تتحدث مع نفسها، تقول إن سعدية أخبرتها أن باب الدار من الصفيح وهو مصبوغ بدهان أزرق، تذكرت…!!, بلا.. مثل قميص خليل , توقفت لحظة لكي تختار اي باب من الصفيح هو بيت مراد , فاقتربت من الباب الأزرق كان الشارع أمام البيت يعج بالنساء فقط , ففي الساعة العاشرة صباحا, ما بين قادمة او ذاهبة الى السوق, وكأن ثمة عدد من العيون تسمرت في اجزاء بدنها , ونظرات تتحدث عن جمال داعر, وشبق رخيص أمام ابن شرعي لإبليس , كأنما انتظرها الشيطان لكي يقطف ثمرة شهية , كان وقت زيارتها مشبوها, اقرب شيء فيه الى الوعي هو وصال ابليسي أشبه بسفاد البقر, هكذا تقول النساء أمام موعد مشبوه في ضحى الساعة العاشرة, كانت تدرك كل النظرات وتعرف مغزاها وتعرف عم تتحدث وتدرك ما تفكر به النساء, لكنها تعول على ذكائهن في غياب الشبق في تلك اللحظة , وكونهن لن يضمرن أن تكون العاشرة صباحا موعد لذة تكون المرأة فيه كمن تراود نبيا عن نفسه وبشريعته هو.
طرقت الباب طرقة خجولة واحدة، وتشجعت بيد مرتعشة لتطرقه مرة اخرى لتسمع صوت صرير باب الصفيح، واستمعت الى وقع اقدام مثل اقدام كائن وهمي عملاق يدك الارض دكا. اذن ها هي الآن هنا أمام عش للزنابير. فتح الباب مراد بهدوء وحدق في عينيها، كأنه استغرب كيف جاءت الريح بهذه الزهرة البرية الى هنا؟! اتسعت عينة وقال:
-ماذا؟
قالت:
-جئتك من أجل (عمل) لي
قال: ادخلي
فدخلت ما بين صلف واستحياء مثل زهرة ذابلة مزيفة، كانت عينها لا تبصر الأوساخ المتناثرة في البيت، سوى انها أدركت أنها تقترب من الموت، او أنها الثمرة التي اعدتها الاقدار لكي تكون بين يدي مراد (أبو السحار) كما كانت تنعته النساء.
أشار إليها بصمت أن تدخل غرفته الوحيدة في البيت، في مختبره الإبليسي، ابتسم بهدوء وهو يحك صلعته الملساء وتمتم:
- ماذا لديك
قالت:
- انه تزوج بامرأة ثانية
- وماذا تريدين؟ موته؟ موتها؟ أو كليهما؟
- لا…. أريده أن تخذله رجولته عندها.
– حسنا
كان قد وضع يده على كتفها، فشعرت بلسعة خفيفة ربما سيتقرح موضعها، وشعرت أن يده تتلوى على كتفها مثل تلوي افعى خبيثة، شعرت كأن الدماء تسيل من عينيها ومن رأسها، تحسست عباءتها كآخر لمسة لإحساس الطهر في رحمها. كانت أرضية الغرفة وسقفها وجدرانها تطبل أمام رقصة العبث هذه, وكان ثمة فراش مسجى أمام عينيها يغطيه شرشف مورد, ربما كان هذا هو الجزء غير المتعفن الوحيد في الغرفة بينما كان طباخ صغير تستعر ناره بصمت ترشفها من روح الكيروسين, ولمحت من بعيد صرة أعشاب نباتية متنوعة, وعلبا من الزعفران , واوراقا مكتوبة بمداد اصفر, ودفتر كتابة متوسط الحجم وفي هذه الفوضى البدائية كانت تشعر أن أرنبة أنفها الصغيرة تداعب الموت بأبشع صوره على إيقاع مجنون لم تر مثله في الكوابيس أو أسخف الاحلام, وأدركت ان اللعائن قد اتت على اخر فضيلة علمها أياها خليل قبل بضعة أيام. اذن هي نزلت المعركة التي اختار خليل نوعها وميدانها، وايقنت انها ستكسبها بتعويذة بسيطة من مراد، مهما يقال عنها من قول، لكن جبل الخوف الذي ربض على صدرها سرعان ما تلاشى بابتسامة مراد الصفراء وقد اجاب بالقبول لكن لعنة الشيطان لا زالت تصعقها بين الفينة والاخرى، عندما انسلت يد مراد الى جيب صدرها وعنقها، تتحسس القلادة الذهبية وتمسك بسن الذئب الذهبي الذي وهبته فحولة خليل في يوم قائض أنهكهما الحب فيه. جفلت من حيث لا تدري وكأنها لسعت بناب أفعى.
تمتم مراد:
– سحر لا يتم إلا بثمن
وتساءلت كوثر:
- وما الثمن
قال:
- لأمر سريع أم لا؟؟
قالت: نعم سريع.. سريع
قال نحتاج الى عظم هدهد وناب ابن اوى وأشواك قنفذ وهذه ستكلفك مبالغ أكثر
قالت:
– قبلت
- تمتم مراد: اذن الآن..
دخل مراد من باب آخر الى البيت، كأنما يبحث عن طلسم يستحضر لعائن الفراعنة فيه، كانت كل لحظة تركها في الغرفة تكممها وتكبلها وتتركها في قارب بين امواج متلاطمة، وان هاجس الغرق هو أسهل شيء تستحضر منه الموت، همت بترك الغرفة لكنها كانت لحظه خوف عابرة تشجعت بعدها لترى وسواسها ترسم لها صورا مفزعة مثل صورة بلل في رأس خليل بعد استحمامه من ساعة عبث معها، ويحها تلك المرأة.. كيف كان يتقن فنون الفراش معها. تيبست قدما كوثر وقد عولت على سويعة سحر وبعدها ينتهي كل وهم، وكل عالم ضبابي تنزوي فيه لتنتصر حتى وان كانت تلاحقها لعنات اللاعنين، تميمة أو طلسم من مختبر مراد بقدر راحة اليد تكفي لقلب حياته راساً على عقب، (عمل) من بقايا الأموات، من سنخ ما يفعل هاروت وماروت، والسفاحون وابناء البغايا عبر التاريخ. مجرد تميمة ويكون مجبوبا.. مثل البغل لا ذكر ولا انثى ….
في تلك اللحظة دخل مراد، يحمل صحائف قديمة، وقلما ودواة، وأخد يكتب ويسأل:
– ما اسمك
– كوثر.
– ماسم أمك؟
– فخرية سلمان
– كم عمرك بالسنين القمرية؟
-لا أدري لكني تولد سنة ست وسبعين.
– هل أنت طاهرة
– نعم
قطب حاجبيه وقال:
– لا بأس
كان يكتب كل شيء ويضع القلم في الدواة ,لكنها لم تر أي صورة لحرف يكتب, ثم اغمض عينيه وأخد يتلو كلمات مبهمة ينهيها بواصلة متكررة, وكانت عيناه مثل عيني ذئب تتسع وتبرق بين حمى الكلمات الغريبة المبهمة التي ستحقق الآمال, و كأنها زورق ستعبر منه الى إلى عالم الراحة والتشفي , وكأن كل كلمة هي خطوة واعدة لمسح خفايا النفس من الضباب الذي عشعش في خلجاتها , كل شيء من أجل المعركة , كل شيء لكي تتكسر الأمواج على الساحل لكي تلج الى خفايا السحر, ومن ثم الى بيت ولو بقرب الجحيم تعيش فيه وتتحمل كل شيء، الجوع والعطش والحرمان . شريطة أن لا تراه معها في فراش واحد. ليتها تراها الآن لتسقيها دم العناكب او سؤر الافاعي او تضعها بين فكي تمساح او تطعنها طعنة نجلاء ليست في مباني صدرها او بين ثدييها بل في أغمض موضع في بدنها.
كان مراد يمسك يدها بيديه الخشنتين كانت تستشعرهما يدين مثل البلور، وكأنما ارتوتا من منابع الماء الصافي، أنهما اليدين المباركتين اللتين تعول عليها وان كانتا اشبه بيدي سلحفاة بحرية.
صمت مراد لحظه ولم يعد وجهه الجهم يثير فيها الفزع، ولم تكن جبهته العريضة التي تشبه ساحة السوق الترابية، ربما شعرت بالامتنان لرسول الشيطان وقد ظهر من اردانه كان صوته تحول الى صوت أجش، وابتلع ريقه بسرعة وتمتم:
– لا يتم السحر الا أن يعقد تحت السرة.
-ماذا؟ تساءلت وهي في خوف وحيرة:
كان وقع الكلمات الأخيرة قد التبس عليها بين جرأة الطلب وغرابته للوهلة الاولى، لكنه رجع وغمغم:
تحت السرة بثلاثة أصابع حتى يغلق السحر ويقوى ويدركه، هل سمعت؟ كان غلق السحر وان كان عنوانا مبهما لكنه كان البشارة الأولى، فتمتمت:
-كيف؟
- كفى كفى استلقي واريني سرتك، وارفعي بصرك الى النافدة حتى يتسنى لي اتمام التعويذة
كانت كلماته مثل ماء عكر، لا تملك إلا أن ترتشفه بشدة تستشعر فيها لذة الارتواء وابتلاع الطين معا، وكانت قد خلعت عباءتها السوداء واستلقت وهي تضم ساقيها كأنها تخفي نباتا سوف ينبت بين ساقيها، ووضعت عباءتها السوداء واسدلت جهة منها فوق فخذيها وامسكت ثيابها بعد ان رفعتها قليلا للأعلى وهي تودع اخر معنى للطهارة كانت تعتز به أمام سعدية، حينما عيرتها بأنها تضاجع الزبون الواحد بأربعة آلاف دينار فقط أو دولارين وربع الدولار.
لازالت تشعر كأنها سوف تشق بطن خليل أو بطن صاحبته تلك، فلم يتملكها رعب من انها تستلقي امام عفريت بهيئة أدمى وان كانت الثآليل التي انتثرت في وجهه يهلل لها الشياطين. وعن قرب كان منظر بطنها الأملس البض جعل مراد يشعر وكأنه سيحفر حفرة عميقة كيما يدفن رغباته فيها، فنسي تلاوة كلماته وطلاسمه. فتمتمت: هل انتهيت؟
كان في سكرة عميقة فسقطت الطلاسم من يديه ونسي التلاوة والشياطين، وآيات الانجيل المزيفة، شعر كأنه يولج كل جسمه في بدنها، تحول الى فحل يلهث في أرخبيل دنس، مسح جبينه وقال لن يتم الأمر..
استوت جالسة، وصعقت بعد ان شعرت ان الحلول غابت في مملكته القميئة، وكيف غابت نبوءته التي وعد بها وكيف يريد ان يذبح براعم أحلامها في أطلال الصمت والحسرات وان كلفتها منظرا ملونا لسرتها، كانت تلملم ملابسها فزعة وقد انزلقت عباءتها أمامه فبان فخذها الايسر بضا تساءلت بغضب:
- وماذا بعد …
– لا ماذا ولا اي شيء لن يتم الأمر الا بدنس
– اي دنس؟
- ان نقع معا في الخطيئة ان شئت.. والا فلن يتم الأمر،
لم يبق شيء سوى مسار بمقدار إصبعين. استعد وشمر عن ذراعيه ليمس شاطئ اللذة وهو ينظر الى بدنها نظرة الجائع المسعور وقد امتلأ رغوة وزبدا مثل زبد البحر، وبينما كانت تنظر اليه، لم يعد امامها فحلا او رجلا مسعورا بل كانت كل الصور تغيب من امامها من صلعته الملساء الى ثآليل وجهه وفمه الدبق، كان قد وقع عليها لم تسمع منه سوى فحيح وهو يكاد ان يحطمها ويدك اسوارها بمدافعه بينما كانت هي لا تشعر به الا كيسا من القمامة يثقل أنفاسها.
بعد بضعة دقائق سوف يثوي متعبا وقد ترك فيها ذكرى من حمضه النووي وهو ينتشل انفاسه بعد ان انفرجت اسارير وجهه، كانت هي الاخرى في خيال لذيذ سوف يتحقق، سوف يأت فيه خليل وقد ضمد وسطه بشاش أبيض مصبوغ بالدم وبذلك حصلت هي على ما تريد.