في تلك البساتين الهرمة ,. شمال البصرة ,, كان هناك بستان وحيد حي فقط … اعتنى به صاحبه وسوره بسعف النخيل وجذوع الاشجار ومتيبس القصب … قال صاحبى (موتى تحرس احياء ـــ مشيرا الى اجزاء النخل المتيبس الجدارـ ).. كنا نتقدم قاصدين نهيرا لنصطاد في موسم اللا صيد ..لكنا نتسلى فقط : تلال من الطين المتحجر يعكس كري الانهار .. زمان … آثار لعجلات دراجات في التراب الندي .. ودرب يملؤه حجر الترابي المتصلب….ميتة واقفة … كانت اشجار النخيل مغدورة رحل عنها المهتمون وخانها الماء, ونهبت منها الوظائف الايادي السمر .. وهناك ما احترقت منها او تحولت لقناطر ..طالما انعشتها حرارة المرود واقدام الفلاح المتحجرة وظللتها طائرات تنفث عليها دخان قاتل الاوبئة … اتصورها منتعشة كانت والانهار تجري جوارها .. وحين يسقون المخضرات تتنفس رئتها بعمق وتتعمق الخضرة في السعف … الان لا احد يخسر نظرة اليها, ولهذا واحدة تلو اخرى تحجرت فماتت واقفة وبشموخ . ربما هي الان موطن للقوارض والزواحف ..فقط ذلك البستان يذكرك بجنة هذه الارض في عصرها الذهبي .. لكنهم وضعوا فزاعة … بدلة لصبية بالوان حمراء وبرتقالية حادة.. انها معلقة بقصبة او سعفة .. مثل دمية فاتحة ذراعيها لاخافة العصافير … طفولة تعلن عن الرعب وقد ذكرني تناقض الوانها بالمدرسة الوحوشية التي ابدعها الفرنسي ماتيس..والتي انبثقت انطلاقا من التضادات اللونية والاشكال البشرية المشوهة الابعاد ….هل تزوجت الان صاحبة البدلة الفزاعة او ماتت مبكرا او تمكن منها السرطان او انها الان تحاور امها في مرح وحبور .وهل العصافير العراقية تخشى الفزاعات او انها اكتشفت اللعبة فلم تعد تبالي.!…
كاظم حسن سعيد
من كتاب ( مجهر على القاع).