نائب رئيس جامعة ابن رشد في هولندا للشؤون العلمية، التعليم عن بعد
أهدي هذه القصص القصيرة إلى صديقي المحامي الأستاذ عبد المجيد عيسى. صاحب اليد النظيفة في الدفاع عن المظلومين
1 ــ بحر المدينة
شاطئان يحتضنانه: الغربة والمساء.. الموجة وبرميل الزبالة.. شاطئ خلفي يعكس قاع المدينة، وأمامي يعشعش بأفراح البحّارة وطقوسهم.. للرجل شاطئان: ساعد زوجته ورأس صديقته.. ينجذب بطن النورس صور المرأة، وصوب بطن السفن المهرّبة إلى قبرص وأثينا. لا شيء في هذا البحر إلاّ زجاجات الفانتا والكوكاكولا ومايوهات النساء المخرومة، وأشعة غريبة من الصعب تحديد ماهيتها.
2 ـــ القبّرة
مسكت قبّرة شرنقتها، وبدأت تجدل خيطا من نحيب نائم.. ومدّت الخيط من حي (العمارة الشرقي) حتى حيّ (القصور) في طرف المدينة الغربي، وما إن شاهده الرصيف حتى تعلّق بأهدابه.
صرخت القبّرة: اترك الخيط، دائما أنتم الأرصفة آفاقكم ملعونة.
مسك الرصيف ثوب القبرة، ورفعه عاليا.. بان فخذها الجميل.. وانخرطت في بكاء حاد، وقالت: أتحبني؟ إذن تزوجني.
طارت القبرة، وتعلّقت بغيمة.. لوّح لها الرصيف.. مدّ لها عصا سحريّة. تحرّك فيها أفق الشهوة، فبالت على المدينة وجميع أحيائها ورجالها ونسائها وأرصفتها، وولاتها وعسكرها، وكان الحدادون يلوحون بمطارقهم، والمدينة ترشف زجاجات عرق التين المغشوش، أمّا نساؤها الألقات فكن يتشاتمن بفحائش بذيئة لا تخشى لومة لائم.
3 ــ النملة
في الأفق المسدود لا تلوح ثمرة، أو شفّة عطر.. غابت الأشجار خلف سماء الربّ.. أمطرت السماء سجائر.. غازل ذكر نمل نملة تبوح بالفحولة والشهوة.. كنت مسكوناً بالفراغ وزيت الكاز.. شدّتني النملة، فالأرض هراوة غليظة, والريح تقتلع هامات المدينة , وأسراب النمل تبني شاطئاً ومعسكراً صيفيّاً, ونساء مدينتي يغازلن البحر والمرافئ البعيدة, وهن فاترات يرشفن أقداح الويسكي السكوتلندي. وكان البحر بظله الساحر وقامته المديدة يغضّ الطرف مبتسماً، وهو يلوح للمدينة الضجرة، ولنسائها المعربدات.
بين النملة والسماء قامة تستطيل ثمّ تقصر، ولا شيء في الأفق إلاّ غيمة محمّلة بحبّات القمح التي تستعد للرحيل الأبدي.