بخطواتي المسرعة اقف امامه،وانا بعبائتي السوداء المفضّل لونها وحتى أيام الاعياد ،وهي من المنضدة التي يعرض عليها الملابس المستعملة إستهوتني نفسي أن البسها مرّة أو مرّتينِ حتى هدأت على ثوبي،ولكنٌ الشيء الغريب من ذلك البائع إنٌه شاب جميل متوّرد الخدّين،له انف مناسب لمقاطع وجهه واسنان تمنحها الشفتان لحظة الظهور مع إبتسامة متكرّرة .
إذن هو شاب جميل يقف عند منتصف المحل يرفع الثوب الأحمر ،ويضع مكانه الأخضر تستهويه الألوان ربٌما يفعل ذلك ليروّج لبضاعته التي إعتاد عليها لسنوات كنت اراقبه يحمل البالات من المحل الكبير ليعرضها في المحل الصغير بالات صفراء مغلقة بخيوط ،ومنسّقة حتى إنٌها تغري الواقف ليجد ضالته منها.
كنت امتحن قدرته على الثبات في موقعه هذا ،شاب بتلك الهيأة المقبولة يقضي عمره بين الالوان وأنا ادرس الانكليزيٌة في الكلية ،لا ادري أهيَ هفوة منّي ام طيش لغويّ عند بائع الملابس قلت كلمات متسرّعة you love the rad color ،لم ينتبه لما قلت هل ساستمّر على لغتي في توضيح ما قلت ؟ تساءلت ربٌما يكون حاصلاً على شهادة جامعيّة وجاءت به السنوات إلى هنا ،وانا منذ سنوات اقف على محلٌه أقلّب الثياب .هل اصابه الخجل مما يحمل في طيّات نفسه من رُقي في التعليم؟او تراه يتخّذ المحل فرصة للنظر الينا نحن النساء ممن يعشقن الألوان التي كثرت بعدإنتهاء الحرب ،وقد لا نقف عند ورود الحدائق الملوّنة .
انظر إليه ثانية يرفع الثوب الأخضر ويضع الأحمر ! هكذا يمارس لعبته مع الثياب كلّ يوم.اخذتني وقاحة نفسي لأجددّ السؤال you love the green color , لم يتكلّم .عندها قلت أنّه لم يحصل على أيّ شهادة جامعيّة حتى يتبادل معي الكلمات والتي غرقت بها خلال دراستي !لتزمت الصمت عوضاً عمّا هدرته من عبارات ثقيلة عليه،والغريب في امره أنٌه يبتسم كلّما رفع الملابس ووضعها بصوت عالٍ. إفيها لعبة يجيدها بعدما أعلن عن سعرها أوّل مرّة ،وما حاجته لكل هذا العبث،ونحن نراها باعيننا ! انظر إليه ماسكاًعليها بقوّة ما يلبث أن يفتح يديه يروّضها اشبه بالساحر تلتفت إليه العيون ،ويغامر فيما يريد ليلقيها على الجانب الثاني ،ويكررّ اللٌعبة اكثر من مرّة .يفتح باطن يده باصابعه وفجوات الخطوط التي عليها. ينظر إليها ويبتسم ،يفتح يده الثانية ويتحسّس نڤس اللعبة مع إبتسامة مماثلة ،كفّان ينظران لبعضهما ،كفّان يكتمان سرّ الثياب الملوّنة ،كفّان يدعكان الثياب حتى ترتفع حرارة باطنيهما ،ويكرّر إبتسامته.
إنقضى جزء من النهار ،وانا اراقبه كلّما جاءت فرصة بيع الملابس يتسلّم النقود ،ويعاود القبض عليها واحدة بكفّه الأيمن يرمي بها يساراً،وأخرى بكفّه الأيسر يرمي بها يميناً.
حاولت أن ادفن كلمات اللٌغة التي نطقت بها ،يبدو انٌه من أعدائها ،او انٌهاعدوّة له.! اخذت اعبث بالملابس التي يتركها على المنضدة .نطقتُ أمامه بكلمة وصلت إليه ها..هذه الملابس فيها رائحة ! ضحك هو ليعيد كلمة قلتها ،وقال بصوت خافت :فيها رائحة الحبٌ ! كنت وقتها انظر إلى الملابس تطير أعلى من اكفّنا تاخذها الفرحةى ،وإكتسبت صفة الإنوثة منه ،توزعّت الملابس على النسوة،اخذت كل واحدة منهنٌ تحثضن ثوباً بيدها ،كانت حصّتي ثوباً احمر واخضر . تذكٌرت الكلمات الاجنبيّة التي نطقت بها،صاح البائع الجميل اليوم كل الثياب بالمجّان اليكنٌ ،لحظات وخلت المنضدة من الملابس اخذت خطوات من البائع اسمعه يقول:نعم هي رائحة الحبٌ ،ولكِ يا صاحبة الثوبين الملوّنين.
كانت خطواتي إلى الأمام ثقيلة ،إستغربت منه يوزّع بالمجّان من اجل الملبسين الملوّنين ،وكانت من حصّتي ،كم كنت أنا بلهاء نطقت امامه بلغتي الثانية ،ترى ما حاجته إليها ،وهو يفتّش عن الحبٌ ويعلن عن رائحته.!
وفي اليوم الثاني جدّد نداءه على بضاعته الأستهلاكيٌة للأطفال والنساء .قال بصوت عالٍ:انٌها رائحة الحبٌ في وجبة ثياب هذا اليوم ...كانت خطواتي مسرعة امامه،يضحك ،وهوينطق بها، واضحك أنا على سنوات الدراسة
التي لم تعد تنفع فيها الكلمات الاجنبيّة لشاب يصُّر على صناعة الحبٌ بين النسوة ،وقد تستهوي الرائحة احداهنٌ،فتجعله على مقربة من صيدها الثمين شاب جميل متورّد الخدّين ،ولكن مَن يضمن ان يبيع رائحة الحبٌ لمن احبّته،ولا يعطيها لأخرى تسلبه الحبٌ الذي نبع من منضدة مزاد البالات.
البصرة/2021/12/8