جالسة أمام الطاولة، تجتاحني رغبة كاملة في حديث شيق هذا المساء…
أسند ظهري على كرسي مقابل لزوابع البحر، وللزوابع المخبأة في تضاريس الوقت، ترافقني امرأة لا تشبهني،
لا تجيد ثرثرة الصمت، لكنني أحب عفويتها، وهي تعكر صفو الأماكن بحكاياتها اللزجة…
النادل شخص كسول، وأنا لا أجيد الإنتظار…
قيل لي يوما إن صبري سيء كأكلة فاسدة…
طاولتي مقابلة للبحر، وأنا نهمة هذا المساء…
بحر واحد لا يكفي امرأة بنياشين الإنتصار في حروب الوجع…
النادل يتقدم نحوي بيده قائمة الأكل، يخطو بتثاقل كأنه يتبع نعش شيخ، أقول في قرارة نفسي، وأنا ألمحه يقترب مني :
” سأوبخك أيها النذل…!
كيف تفسد مسائي ؟ سأطلب لقاء المسؤول هنا لأبث له شكواي.
النادل نفسُه ينحني أمامي بانكسار : سيدتي هذا المساء لن يأتي، والبحر متعب لا يستقبل نظرات العابرين…
قاطعت دهشتي تلك المرأة التي ترافقني:
” أرجوك أقفل نافذة البحر، وأنا سأرقص على الجرح، أحتاج فقط كثيرا من الملح وحذاء بكعب عال…!
رأيت النجوم مستلقية على ظهرها من التعب، لاشك أن الليل أيضا ذهب ليستريح .
أومأ النادل برأسه ، وأدار ظهره لي قبل أن أتفوه بحرف…
توجهت بناظري نحو المرأة المرافقة…
كانت تستعد للرقص، أعرتها حذاء السهرة كما أرادت، وجلست أنا بقدمي حافيتين أنتظر عرضاخارج التصنيف، فتحت حقيبة اليد، فلمحت الليل مضطجعا على جانبه الأيمن، فوق ورقة تحمل نصوصا لي كنت قد كتبتها في ليلة مقمرة سابقة،
ودون أن ينتبه أحد، أغلقت الحقيبة وإذا بصوت يسألني :
نخب من ستشربين وحيدة هذا المساء…؟!