(الكتابة تفتح الجروح وتكويها في الوقت نفسه)*
الابن البكر عمل بالبناء في الجنوب لمدة ثلاث سنوات. جمع بعض المال ثم سافر إلى طنجة. انقطعت أخباره منذ أربعة أشهر. لا أحد يعلم إذا كان قد انتقل إلى الضفة الأخرى من المتوسط أم ابتلعته الأسماك في البحر. أخته زهرة تقدم محمد ولد العربي لطلب يدها. اعتقد والدها في البداية أنه سيطلبها لأحد أبنائه الشباب، غير أنه طلبها لنفسه. ووعد بأن يقدم في مهرها ثمن شاة وعنزتين.
أمر والدها بأن تتوقف عن الدراسة. قال بأن البنت بدأت تكبر، ولا بد أن تتزوج. عندما أخبرتها أمها بالموضوع كادت تسقط مغمى عليها. لم تصدق بأنها ستتزوج رجلا في سن جدها. باتت ليلتها تفكر كيف تتخلص من هذا الكابوس. قالت لنفسها:
ـ ليس أمامك سوى دواء الفئران، أو الهرب من هذا القدر المشؤوم؟!
صمتت لحظة. عز عليها أن تشرب دواء الفئران، ثم أضافت:
ـ لكن إلى أين أهرب؟! ومع من؟!
تذكرت علي الطفل الذي كان يجلس بجانبها في القسم، ويحميها في الطريق التي تفصل بين المدرسة والبيت، وتمنت يوما أن يصبح فارس أحلامها،
عندما سأل المعلم القسم السادس عن المهنة التي يتطلعون للعمل بها في المستقبل اختار علي مهنة المحاماة، واختارت زهرة مهنة الطب. والآن تحول الحلم إلى رماد، وأحسّت كأنها تُذبح من الوريد إلى الوريد.
بعض الفتيات تزوجن قبلها بنفس الطريقة، لكن هربن بعد ذلك من القرية. لا أحد يعلم عند من يشتغلن في المدن البعيدة. ولا أحد بحث عنهن، أو سجل شكاية حول اختفائهن. البعض منهن يزرن أمهاتهن خلسة بين الفينة والأخرى، ويقدّمن لهن ما جمعنه من نقود، ثم يختفين.
في اليوم الموالي زارت بيت الجيران، وسألت حادّة عن ابنتها فاطمة التي هربت منذ مدة من بيت الزوجية. باركت المرأة لها الزواج، وهي تبتسم بمكر. في البداية لم تعطها رأس الخيط*. بعد أن استأنست لها تحدثت بحذر، وقالت بأن فاطمة تعمل بمدينة بعيدة، ولم تترك عنوانا أو رقم هاتف. سقطت دمعة على خدها، وأقسمت بأنها تحترق شوقا لرؤيتها. لم تزرها منذ خمسة أشهر على غير العادة ، ولا تعلم هل هي حية أم ميتة! ثم ربَتَت بيدها على كتف الطفلة، وقالت بأسى، وهي تُدرك ما تُفكر فيه:
ـ لقد قست علينا الحياة في هذه القرية الملعونة. لا أحد يهرب من قدره. لا نملك غير الصبر والنسيان. ستمر الأيام يا ابنتي، وتتعودين على الجراح كما تعودنا.
ثم رفعت يديها إلى السماء، وطلبت من الله أن يُعوّض عليهن يوم القيامة كل ما يعشنه من شقاء وقهر.
أرعبتها إحدى الفتيات عندما أسرّت لها بما سمعته عن نساء القرية ، وهن يحكين لبعضهن بأن أشياء المسنين كبيرة، وأنهم في الفراش يتحولون إلى حيوانات لا تشبع من الجماع. وكل الناس في القرية يعتقدون بأن جسد المرأة المكتنز والصغيرة في السن، أدفأ من نار الحطب.
بدأ العرس يقترب، والوقت يداهمها. كلما تخيلت ممارسة الجنس مع العجوز تصورته مثل جمل هائج يجثم على صدرها، ويخنق أنفاسها. وأحيانا ترى جسدها يُلقى به في النار مثل الحطب ليُدفئ العجوز في ليالي الشتاء.
لم يُقم لها عرسا كما توهمت. أعدّ فقط وليمة استدعى إليها بعض كبار السن في القرية. همس حمّو لصديقه:
ـ أنظر إلى العجوز، يبدو كأنه عاد عشرين سنة إلى الوراء، ولم يدخل بالعروس بعد.
جلست العروس وبعض الجارات في الغرفة المجاورة. أم العروس تنظر كل مرة إلى ابنتها وتنهرها:
ـ أيتها الحمقاء! هل تبكي عروس ليلة دخلتها؟!
قرصتها في ذراعها الأيمن وأضافت:
ـ ماذا سيقول الناس عنا؟! لا نعرف كيف نربي ابنتنا!؟ كل النساء من حولك تزوجن أصغر منك!؟
بعض النسوة انشغلن بالنظر إلى الخاتم والدملج ومحاولة التحقق هل ذهبما حقيقي أم مزيف، ولم ينتبهن لما توشوش به الأم لابنتها.
تمسح الطفلة الدمع من فوق خديها، وتتذكر ما قدمته لها الأم بالأمس من إغراءات بأن العجوز سيفتح لها بيتا خاصا، ويشتري كل ما تشتهيه من حلي وملابس، وإذا عرفت كيف تلاعبه في الفراش، قد يكتب لها جزءا من أملاكه. تخيلت قوة خارقة، تهبط من السماء تخطفها، وترمي بها إلى الثلث الخالي من الدنيا الذي سمعت عنه في قصص جدتها.
أجلسوها بين والدها وبين العجوز، وأمامهما بعض الشهود. سألها فقيه القرية إن كانت موافقة على الزواج. اختنقت الحروف الثلاثة في حنجرتها، فاعتبروا الصمت علامة على الرضا. سأل الفقيه عن قيمة الصداق ، فأدخل العجوز يده إلى محفظته، وأخرج منها مبلغا من المال، أعدّه أمام الشهود قبل أن يسلمه لوالدها. لم يكتب الفقيه شيئا، اكتفى برفع يديه، وقراءة الفاتحة رفقة الأشخاص المحيطين به، ثم أعاد الأب العروس لتجلس بين النساء.
بعد تناول الضيوف طعام العشاء، أخذتها والدتها إلى غرفة مجاورة، وطلبت منها أن تهدأ، وتترك العجوز يتصرف، فهو أدرى منها بما يجب فعله.
دخل العريس، وأغلقوا عليهما الباب، وبدأت النسوة يضربن على الدفوف. صلى العجوز ركعتين ، ودعا ربه أن يوفقه لما فيه خير ، كما نصحه أحد الملتحين بالقرية الذين يدّعون الفهم في الدين أكثر من غيرهم. نزع جلبابه، فأخذته نوبة سعال. خاطب صدره همسا:
ـ الم تجد وقتا تسعل فيه غير الآن ؟ ماذا ستقول عنا العروس ؟ لا بد أن أثبت لها بأني قوي، ولازلت قادرا على الجماع مع ثلاث نساء أو أكثر!
قدم نحوها بملابسه الداخلية. جلس بجانبها، ووضع يده على كتفها متوددا، ثم أزال الخمار. بدأ يلمس أطراف جسدها الحساسة، حاولت أن تبعد يده، وقلبها يدق بسرعة، لكنه أحكم ذراعه على عنقها وقبلها بقوة. عضته في شفته السفلى. صفعها بعنف، ثم ضغط عليها حتى مالت تحته، وبدأت حرب من نوع آخر. أحست بأنها ضعيفة، وبلا سلاح أمام حيوان مفترس وجائع.
كل ليلة يفعل بها ما فعله في اليوم الأول. في النهار يلاطفها ويضاحكها، لكن في الليل عندما يطفئ المصباح يتحول إلى تمساح يحكم فكّيه عليها من الوسط، وينهشها من كل أطراف الجسد.
تعبت من المقاومة، فاستسلمت لقدرها. بعد ستة أشهر، سرقت خمسمائة درهم للعجوز، واختفت بعد أن ركبت الحافلة وغادرت القرية.
في الثلث الخالي من الدنيا، تعلمت كيف تُخدر جسدها بلا بنج، قبل أن تُلقي به فوق الفراش، وتفتح ساقيها لأشباح الغرف المظلمة، حتى بدت كل الكائنات المخيفة التي نامت معها، أقل توحشا من الكابوس الذي عاشته مع العجوز.
الهامش:
ـ كاتب وصحفي إسباني ازداد سنة (1946) Juan José Millás*
ـ لم تعطها رأس الخيط : تعبير مجازي مترجم من العامية يعني لم توضح لها ما تسأل عنه .
مراكش 25 أبريل 2022