الخرطوم : محمد أحمد الدويخ:
يعد الراحل من رواد التفعيلة بالسودان وتم اختياره شخصية العام بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي.
غيب الموت بضواحي جبرة بالعاصمة السودانية الخرطوم فجر الأحد 30// 10 /2022.م المهندس والمترجم والشاعر الكبير عبدالله شابو (1943 _ 2022.م) عن (79) عاما من العطاء الكتابي في ضروب الشعر والترجمة باللغتين الانجليزية والاسبانية التي يعد الراحل احد أبرز المجيدين لها بالسودان..وله ترجمات مهمة لعدد من كبار الشعراء الاسبان منهم لوركا وبابلو نيرودا ورريتشارد برايد وآخرين حيث كانت له مفردات تغوص في العمق الفلسفي ولون التفعلية خاصة اشعار ديوان الابرز (أغنية لانسان القرن الواحد والعشرين) ومنها قوله :
من ثقب الشباك تداعى صوتُ ..
شهقةُ موسيقى..والصمتُ يعرّش في أرجاء البيت..ما أقسى أن تعرف ولا تقوى أن تفعل ..أن تدرك أن الوقت يمر ولا توقفه..
تنبؤات ..الكتابة فوق الشواهد :
سيُكتب فوق الشواهد من بعدنا..
بأنا عشقنا طويلا ..
وأنا كتبنا بدم العفاف..
كأن لم يقُل شاعرٌ قبلنا..
وأنا برغم الجفاف..
ملأنا البراري العجاف..
صهيلا صهيلا..
وأنا مشينا إلى حتفنا..
رعيلا يباري رعيلا..
وأنا وقفنا بوجه الردى..
وقوفا جميلا..
شابو والاعمال الشعرية..
صدرت له ثلاثة دواوين شعرية أبرزها ديوان (حاطب ليل) و(أغنية لانسان القرن الحادي والعشرين) عام 1968.م بجانب ديوان (أزمنة الشاعر الثلاثة.)
ويُعد الشاعر عبدالله شابو احد أبرز مؤسسي تجمع الكُّتاب والفنانين التقدميين (أبادماك) عام 1968.م برفقة عدد من المبدعين من الشعراء والتشكيلين والمغنين والمسرحيين بينهم :
الفيتوري وخالد المبارك وطلحة الشفيع وعلي وراق وعبدالله جلاب وآخرين حيث تزامن ذلك مع تأسيس مدرسة الغابة والصحراء التي يعد الشاعر محمد المكي ابراهيم أبرز روداها والذي تربطه علاقة وطيدة مع الراحل عبدالله شابو.
شابو الشاعر والمترجم:
في إحدى المقابلات الصحفية التي اجراها الصحفي والشاعر محمد نجيب محمد علي مع الراحل شابو يقول شابو انه طلب من احد مدرسي اللغة الانجليزية (الافرنج) بمدرسة كوستي الثانوية والذي يجيد اللغة الإسبانية طلب منه أن يعلمه اللغة الاسبانية وبالمقابل يعلمه شابو اللغة العربية والتراث الاسلامي الأمر الذي جعل الشاعر عبدالله شابو يتمكن من التعرف على اللغة الإسبانية منذ وقت مبكر ويقول شابو عن ذلك :
علمني ذلك الاستاذ المسيحياللغة الإسبانية ولكنه لم يتعلم مني اللغة العربية ..بعدها تعرفت على عوالم اللغة الإسبانية والتي لها ارتباط وثيق باللغة العربية والثقافة العربية حيث ظل العرب أكثر من ثمانية قرون باسبانيا ..فتعرفت على عوالم الشاعر لوركا الأدبية وأشعاره الباذخة في ديوان (اغاني غجرية) وغيرها واحسب أن من أسباب قتل لوركا قوله :
(إنني ذاهب الى مملكتي العربية الاسلامية في غرناطة).
كنتِ في قلبي حديقة.. شابو وجائزة الطيب صالح:
أوسط أجواء باذخة من المفردات الرصينة والمقاطع العميقة من اشعار شابو يطالع رواد جائزة الطيب صالح :
كنتِ في قلبي حديقة..
وأنا أعدو مع اللهفة..والشوق إليك ..باسطا قلبي وكفي ..
فالقناديل التي أوقدتِها..لم تنطفئ ..
والاماني وشغاف القلب مشرعة اليك.
في مقال مهم للكاتب الصحفي برعي الابنوسي بعنوان : شابو شخصية العام لجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي ) كتب الابنوسي :
(للشعر مقدرة على تغيير العالم بكلماته..)..وذلك تعليقا على اختيار مجلس أمناء جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي الشاعر عبدالله شابو شخصية العام في دورتها الخامسة عام 2015.م تقديرا لدوره الرائد في خارطة الإبداع السوداني باعتباره احد أبرز رواد الجيل الثاني من قصيدة التفعيلة بالسودان بعد الجيل الأول الذي ضم الشعراء محي الدين فارس وجيلي عبدالرحمن وتاج السر الحسن وآخرين. خاصة أن لونية الشاعر عبدالله شابو اعتمدت على الأبعاد الفلسفية والفكرية فقد عايش شابو تحولات العالم السياسية والفكرية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وله تجربة معايشة بالولايات المتحدة الامريكية التي درس بها وهو شاعر ومهندس معماري ومترجم ماهر يجيد الانجليزية والاسبانية والعربية مخاطبة وكتابة.
المسرات القديمة.. طيرٌ من وادي تُبن:
تعد مدرسة شابو الشعرية ذات لونية متمردة على الواقع وطريقة العرض بل واختيار النصوص والتشبيهات وهو يشبه الدنيا بالحذاء في قوله:
تشبه الدنيا
حذاءا باليا ..
ساخ في الوحل عميقا وسكن..
ومن رائعته (المسرات القديمة) نستلهم :
طيرٌ من وادي تُبن..
حط في قلبي سكن ..
يا صديقي في الشجن
والمسرات القديمة ..
في زمان القنبلة..
واحتراق السنبلة..
وارتجاج الدم ..
في جفن الثكالى..
كما يقول شابو في قصيدة (طبعٌ خجول) :
أُحبك لا أقول ..
ويشدني شوقي إليك ..
وكيف بالشوق الوصول..
وأُريد أبدأ بالسلام تزلفا..
فيردني طبعُ خجول..
القاتل الانيق..وألقاكم غدا :
السيد الانيق ..
يتقن الكذب الحصيف..
يحبك الادوار حبكا رائعا..
ويخيط أكفانا..
من الفرو الثمين..
تريح أجساد الضحايا..!
وصوت يجئ من وراء الليل ..
بعبق في الهواء ..
ويملأ القلب الذي ..
ما نام حتى يستفيق..
لو كان الحزن دموع:
تعد قصيدة ( أغنية لانسان القرن الحادي والعشرين) من العلامات المميزة في تجربة الشاعر عبدالله شابو نختار منها :
لو كان الحزن دموع ..
لو أن بالعين نحسّ ..
ما يبست في شفة الشعر الغنوة..
لو كان الحزن يُشَم ..
نزفت رئتاي الدم ..
وطلعت عليكم ..
جمر الحرقة يشوي كفي ..
لكني أخجل أن تفضحني أنة ..
والدرب طويل ..
والصبر على المكروه سلامة ..
بجانب نصوص شعرية أخرى محفوظة لدى متابعي تلك التجربة الفريدة منها :
صحيحٌ أن وجهك مثل وجهي ..
شاخ في زمن الضياع ..
غير أني يا صديقي ..
ذاهب في الأرض ابحث عن شراعي ..
ألقاكم غدا..
عند التقاء الساكنين في الحراك..
في الشارع الممتد للابد..
الآن لا أحد ..
يطل من طفاوة الزبد..
وربما إلى الأبد
المصدر: سودان برس