….مع انبلاج الفجر وخلف الأفق
البعيد كان سيد الخلق جالسا كعادته شارد الذهن هائم التفكر في بديع صنعه عزوجل..كان ذلك في السنة العاشرة من الهجرة حيث كان نزول آخر آية عليه” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” جرفته الذكريات بعيدا. إلى ذلك اليوم حيث كانت أول رحلة له إلى الشام بصحبة عمه أبي طالب حيث نزلا عند راهب يدعى بحيرة هذا الأخير لم يحول وجهه لحظة واحدة عنه صلى الله عليه وسلم وكأن وجهه القمر ليلة إكتماله بدرا، وهنا أخبر عمه قائلا: إن لابن أخيك لشأنا عظيما ومع الأيام تصدق نبوءة الراهب وتبدأ بشائر الوحي بالنزول عليه عليه الصلاة والسلام ، تذكر أول ليلة حيث كان معتكفا بغار حراء حين جاءه جبريل عليه السلام وقال له : اقرأ يا محمد، وكأن كلمة ” اقرأ” هي مفتاح السر ، وبينما هو كذلك انسكبت دمعة حرى على خده الشريفة وتذكر كيف أن زوجته خديجة رضي الله عنها وأرضاها كانت نعم الزوج لزوجها قاسمته الحلو والمر وساندته في دعوته في الوقت الذي تنكر له فيه أقرب الناس وفعلا اكتمل الوحي بنزول القرآن في رمضان وهكذا بدأ رحلته النبوية بعرض الإسلام على القبائل ، وبرغم ملاقاته للتعنت والرفض إلا أنه كان يقابلهم بالصبر والتسامح ،
ومن عظيم لطفه به عزوجل جاءه الوحي ” واصدع بما تؤمر” فكانت بمثابة اعلان لدعوته وخرج قاصدا الكعبة حيث كان زعماء قريش هناك ، أخذته الذكرى لموقف حدث له مع أبي جهل حيث شتمه هذا الأخير ، ولما وصل الخبر لعمه حمزة كيف نصره وتوجه من توه قاصدا أبا جهل وشجه على رأسه وقال له: أتشتمه وأنا على دينه ردها علي ان استطعت ، وجاء الغيث باكتمال اسلام عمر ابن الخطاب وتقوت حينها شوكة المسلمين…
لم يتوانى زعماء قريش في التنكيل به وبأصحابه ووصل بهم التعنت والجرأة إلى أن قاطعوهم ثلاث سنوات بليلها ونهارها…
وهنا تذكر عليه السلام تضحية ذاك الشاب الوسيم ابن عمه علي الذي نام في فراشه مخافة أن يغتاله زعماء قريش وتموت معه الدعوة فكانت نعمة التضحية بالنفس من انسان عرف معنى الاسلام المعرفة الحقة…
عدل من جلسته ونفض الغبار عن يديه الشريفتين وندت عنه ابتسامة صافية تعلن عن اشراقة شمس عهد جديد ….
حينها تذكر عليه السلام كيف استقبله أهل المدينة بالترحاب الشديد كلهم فرحين بقدومه ينشدون ويرددون طلع البدر علينا…وهناك بالمدينة المنورة عمل على ترسيخ الوجود الإسلامي حيث بنى أول مسجد نبوي الذي شكل الدعامة الاولى للدعوة الإسلامية، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووثق عرى التعاون بينهم كما أبرم المعاهدات مع بعض القوى الفاعلة في المدينة ، وأرسل المبعوثين إلى خارج الجزيرة العربية للدعوة إلى الدين…
وبعد كل هذا وذاك أعد النواة الأولى للجيش الإسلامي وكيف أنه صلى الله عليه وسلم عمل على إقامة مجتمع إسلامي متماسك بكل المعايير والمقاييس…
بعدها رفع كفيه الشريفتين إلى السماء وحمد الله تعالى على نعمة الاسلام وعلى اكتمال دعوته الربانية…
وعندما استدرك نفسه أحس بيدين حانيتين على كتفه الشريفة إنها زوجه عائشة رضى الله عنها أتت إليه لتجلس بجواره….