أغير لباس المدرسة وأغسله. أشد شعري مرة أخرى، أختار لنفسي قطعة جميلة ألبسها، أحل جميع واجباتي المدرسية ثم أفتح صندوق الفرح ليومي. أتناول الطعام بلذة، أذهب للخارج أتمشى بين الحقول، أخلي سبيل السجن الذي يقيد أفكاري داخل المدرسة وأتأمل على جانبي الطريق. إنني كائن أعشق التأمل وأحب اللون الأخضر، لون الأشجار المفضل لدي. كان هو لوني حتى في اختياري للملابس. أحبه. أشعر بالهدوء الذي يمر بعقلي وينبعث في قلبي. ولكن العادات في بلادي لم تبسط الحرية كما تبسطه هذه الحقول. ولا تناسب صوت الغناء الذي يعزفه هذه الطيور للكون مجاناً، ودون عائد ينتظر. أتذكر كيف كنا نراقب نساء القرية وهن يسبحن في عين داخل الحقل، يتسامرن وتضحكن في أوج الظهيرة الحارة وما أن يحل المساء حتى يبدأن بسرد القصص عن الجن والوحوش وضرورة مغادرة العين بسرعة قبل أن يحل الليل الذي يجلب بحضوره المهيب كل الكائنات المخيفة. ثم يأتي الليل ونبدأ بتحضير أنفسنا إلى يوم دراسي جديد. يوم من الملل والتبرم والضيق. لم تكن أبداً فكرتنا عن التعليم مشرقة. ثَمّ لم تكن لدينا أحلام كبيرة، أحلامنا متشابهة ولكنها مع تلك بسيطة وسهلة.
بعض الأشياء موجودة وغير موجودة لا أعرف كيف أوضح ذلك أو كيف أتحدث عنها. الحب مثلاً. كان موجوداً وحقيقياً في الظلمة والخفاء. نحب الحكايات حوله، نبتسم بطلاقة لكل القصص الرومانسية. لكنّما أن نسمع عن تجربة قريبة حصلت تسيل الأفواه بكلمات لاذعة ومؤذية حول شخصيات القصص. نؤمن بأن الحب يجعل كل الأشياء ناصعة ومضيئة وجميلة وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نحب من يفعله. نعم إنها محرمة هنا، أعني في دائرتي. ومن المضحك المبكي حتى مع توالي السنوات لم يتغير شيء بهذا الخصوص وأن حصل تغيير فهو قليل. لا أستطيع أن أفهم ذلك. أحياناً أفكر ربما أعيش في نطاق ضيق، وأنني لا زلت أفكر بعقل تلك الطفلة. لكن ها أنا أعيش في زمن التواصل الاجتماعي وأفهمه جيداً وأتعامل داخله. وأرى كيف أن الناس لا زالوا يتعاملون مع الحب بدهاء لا كفعل مقدس. أتوق أنا للحب منذ نعومة أظفاري، أحلم بأن أعيشه كما عشته في أحلام يقظتي وفي أوهامي وتقليب قلمي في صفحتي. أن يحيا كما تحيا هذه الحروف في صفحات الورق ونوته هاتفي.
أجيل الطرف هنا وهناك وأرى إننا إذا تحدثنا عن الحب يكون عن استحياء شديد جداً نلازمه بحب الأخوة والأصدقاء وأن كنا في قلوبنا نقصده هو.
لماذا؟
لم أجد إجابة غير إننا نعرف أنفسنا أن أحببنا نحب بصدق، لكن نجلب كل الآخرين إلى قصة حبنا، نحضرهم إلى أذهاننا ونخافهم. فلا يكتمل الحب في الأغلب لمرتبة التتويج. فعندما وضعنا الجميع في حسابنا فقدنا توازننا. وضاع ما بنيناه أدراج الرياح. رجحت كفة الميزان نحوهم. وخسرنا نحن من نحب.