أقام نادي حيفا الثقافي والمجلس الملي الأرثوذكسي الوطني في حيفا واتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين ندوة أدبية للاحتفاء بالكاتب د. خالد تركي داود وتوقيع كتابه “من حيفا..هنا دمشق”، وذلك بتاريخ 9-12-2015 في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الارثوذكسية/ شارع الفرس3 في حيفا، وسط حضور كبير من الجولان وحيفا والجليل، من أدباء وعشاق كلمة إبداعية حرة، وقد استهلت جوقة البعث الغنائية بقيادة المايسترو رحيب حداد الأمسية بالنشيد الوطني “موطني”، وزهرة المدائن، وأغانٍ ميلادية أخرى، أضفت أنغامًا وأجواءً راقية للكلمة، ثمّ رحب بالحضور المحامي فؤاد نقارة رئيس نادي الثقافي، وعرض لمحة وجيزة عن نشاطات ومشاريع النادي الأدبية القادمة، وتولت عرافة الأمسية الكاتبة خلود فوراني سرية، وكانت مداخلات حول الكاتب والكتاب المحتفى بهما لكلّ من: الكاتب راضي كريني، والكاتب اسكندر عمل، وكلمة شكر للمحتفى به د. خالد تركي، بعدها تم توقيع الكتاب والتقاط لصور التذكارية
مداخلة فؤاد نقارة: باسم المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، ونادي حيفا الثقافي، واتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين، ومكتبة كل شيء، نرحب بكم في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، ونشكر جوقة البعث بقيادة المايسترو رحيب حداد، ونرحب بالحضور وبوفد إخواتنا من الجولان السوريّ المحتلّ/ أهلا وسهلا بكم بين إخوتكم في حيفا، والشكر للفضائيّات الإخباريّة السوريّة: الدنيا/ وسما.
هذه أمسية إشهار كتاب “من حيفا..هنا دمشق” للرفيق والزميل د. خالد تركي، وهذا هو اللقاء الثقافي الأخير لهذه السنة 2015، وبهذه المناسبة أتمنى للجميع أعياد ميلاد مجيدة وسنة خير وبركة، وبصفتي رئيس الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية في حيفا، أدعو الكنائس التي تسير حسب التقويم الغربي العودة إلى إقامة الأعياد الموحّدة حسب الاتفاق، فنحن في الرعيّة الأرثوذكسيّة في حيفا ملتزمين بالاتفاق، وسنحتفل بعيد الميلاد المجيد يوم (25-12) غربي، ولن ننجرّ إلى دعاة التفرقة.
أمّا بالنسبة لنشاطات نادي حيفا الثقافي، فقد وصلت 52 فعالية ثقافية، منذ 1-1-2015 إلى اليوم: 43 أمسية ثقافيّة عامّة، و9 أمسيات مناقشة كتاب، وذلك بفضل دعم المجلس الملي الأرثوذكسيّ في حيفا، ممثلا برئيسه الأخ يوسف خوري (أبو إيلي)، (والذي نبارك له استلامه درع شخصيّة العام بالأمس)، ونشكر كذلك ممثلا المجلس في الأمسيات، الأخ والصديق الصدوق جريس نعيم خوري، عضو المجلس وأمين الصندوق، الفنان والشاعر الذي لا يتغيب عن أية أمسية تقام في النادي، والأخ الزميل (حبيب القلب) كميل مويس، عضو المجلس الملي، ومن مؤسسي نادي حيفا الثقافي، وذلك بعد ان اقتنع بعض أعضاء المجلس المعترضين على فعاليات النادي، بضرورة مواصلة هذا النشاط، فالشكر أوّلًا للمجلس الملي الذي يفتح أبوابه لهذه الأمسيات المباركة، ويقوم بتغطية جميع مصاريف الأمسيات لخدمة كافة أطياف مجتمعنا، ولِما فيه عبرة للغير من تقدير واحترام لكتابنا ومبدعينا بكافة المجالات، والذين يمثلون الوجه المشرق لمجتمعنا.
الشكر للأدباء والمبدعين والمشاريكين الذين شرفونا بحضورهم أمسيات نادي حيفا الثقافي، والاستمرار بنشاطاته فهم، والذين أدخلوا لأرواحنا البهجة والأدب والثقافة، فبوركتم أخواتي وإخوتي، والشكر لأعضاء نادي حيفا الثقافي ومؤسسي النادي، الذين نقول لهم: إنّنا نجحنا في حلمنا، وبعد 4 سنوات من عمر النادي، أقمنا أكثر من 150 أمسية، ولا أعتقد أنّ أيّة مؤسّسة أخرى قامت بهذا النشاط. والشكر لاتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين برئاسة أستاذنا الأستاذ فتحي فوراني، وهو من مؤسسي النادي، اتحاد الكرمل ومنذ إقامته قبل سنة و4 أشهر، شارك بالعديد من نشاطات النادي، وقام بتعريفنا على الأدباء من منطقة الجليل والمثلث، ومشاركة أعضاء الاتحاد بالأمسيات.
الشكر للأخ والزميل حسن عبادي صاحب فكرة إقامة النادي، ودفعي إلى ذلك وعليه الملامة لما نحن فيه من نشاطات وتعب، كذلك مشروع الأمسية العكاظيّة الحيفاوية التي يديرها بنجاح، مع مشاكلها وكثرة الطلبات والاعتراضات، فباسمكم جميعًا أشكره على أفكاره النيرة، وجهده المتواصل بكلّ المحبّة والعطاء. الشكر الكبير للأخ فضل الله مجدلاني لِما يقوم به لخدمة النشاطات بتفانٍ وإخلاص ومحبة وعطاء دون أيّ تذمّر، وهو الوحيد الذي يتواجد في كلّ الامسيات، فتحيّة لك من الحضور ومني أخي فضل الله، متمنّيًا لك الصحة والعافية ودوام النشاط.
الشكر للأخت الشاعرة آمال عوّاد رضوان، لِما تبذله من جهد وتعب لتغطية الأمسيات تغطية كاملة وشاملة، على حساب راحتها وبيتها، كذلك نعلمكم أنّ الأخت آمال في المراحل الأخيرة لإتمام مشروعها الضخم، وتوثيق الحركة الثقافية الفلسطينيّة والمشهد الثقافي، في خمسة مجلدات لعقد من الزمن (2006- 2015)، مقدّمًا دعمًا لنادي حيفا الثقافي، وهذا المشروع الضخم بحاجة إلى الدعم، من ذوي المقدرة والنخوة والغيرة على حركتنا الثقافية، فيمكن التوجّه إلى الأستاذ حسن عبادي أو لي شخصيّا.
الشكر أيضًا للأخت الكاتبة خلود فوراني سرية، لِما تقوم به من خدمات للنادي، وأخصّ بالذكر كتابة المقال الأسبوعيّ عن فعاليات النادي في جريدة المدينة/حيفا، والشكر للأدباء والكتاب الذين تبرّعوا نقدًا لصندوق النادي، والذين أهدَوْا كتبهم إلى النادي لبيعها لمنفعة نشاطات النادي، فالجميع مدعوّون لشراء الكتب المعروضة بثمن بسيط لهدفين، الأوّل دعم الكُتّاب والتعرف على إبداعاتهم، والثاني دعم نشاطات النادي.
ملاحطة أولى: أسمع من حين لآخر وشوشات، أنّ بعض الأمسيات تستضيف كُتّابًا “مبتدئين” وغير جديرين بالظهور، فنحن في النادي نعي الأمر، ونعتقد أنّه يجب إتاحة الفرصة لهم والأخذ بأياديهم ودعمهم من على هذه المنصّة، وإبداعهم اللاحق سوف يُحدّد مواقعهم.
ملاحظة ثانية: أيّها الأدباء والكُتّاب والمبدعون، “أحبّوا بعضكم بعضا”، لأنكم تكمّلون بعضكم، فعليكم المشاركة في أمسيات زملائكم ودعمهم، فالحبّ لا يُرجع إلى مانحِهِ إلّا حُبّا. وأتوجّه إلى كلّ البلدات العربيّة لتقوم بالنشاطات الثقافيّة، لأنّ مبدعينا والحمد لله كثر، وهم بحاجة إلى منصّة لتقديم إبداعهم ودعمهم.
أخيرًا: أعتذر من الكُتّاب الذين يتوجّهون بطلب إقامة أمسيات لهم، فبرنامج النادي لا يسمح بإقامة أيّة أمسية إلّا بعد شهر حزيران 2016، ونشاطات النادي موجودة على صفحة الفيس بوك لمن تهمه متابعتها.
مداخلة العريفة خلود فوراني سرية: الحضور الكريم، مساؤكم نور حيفا والكلمة، مساؤكم نديٌّ عابقٌ بياسمين الشام وفيحائها، وطئتم سهلا وحللتم أهلا على أمسية ثقافيّةٍ تحملنا على جناح الأصالة والعراقة والإباء، مع د. خالد ابراهيم داوود تركي، وإصداره “من حيفا هنا دمشق”.
د. خالد تركي طبيب وكاتبٌ أديبٌ، مناضل من أجل العدالة، ومشحون بالإنسانيّة، يشعر بألم شعبه وغصّات أمّته، يُعالج المرضى بمبضعه، ويُخفف آلام الأمّة بقلمه، فينقل روح فلسطين الوفيّة لعروبتها إلى العالم. جاء في إهداء “من حيفا هنا دمشق”: إلى من علمني أن أحب حيفا، برها، وبحرها، سماءها وكرملها.. إلى من علمني أن أحب دمشق، غوطتها وقلمونها نارنجها وياسمينها.. إليكم جميعًا أهدي كتابي، وستبقى حيفا بلادي على عهد دمشق. ” وعليك عيني يا دمشق، فمنك ينهمر الصباح”.
يحتضن “من حيفا هنا دمشق” وهو المؤلف الثالث لد. خالد بعد “يوميّات إبراهيم البلشفي” سنة 2008 وهو بمثابة سيرة ذاتيّة لأبيه طيب الذكر ابراهيم تركي و”حماة الديار” سنة 2010 وهو وقائع محكية، يحتضن مقالات سياسية، اجتماعية، وثقافية نشرها في صحيفة الاتحاد مع كل إطلالة خميس ويستحضر الكاتب فيه حكايات وقصصا نالت جوانب مختلفة، منها التربويّة الثقافيّة والاجتماعيّة.
في طيّاته توجّهٌ إنسانيٌّ يحمل رسالة، ولكي لا تضيعَ البوصلة، أراد المؤلف لمؤلفه أن يكون كلمة تقدير وشرف وعز وشكر للسالفين، وكلمة تثقيف وتعريف وتنوير للناشئين، علّهم يستخلصون العِبَر. ولا أزال مسكونة أيها الرفيق بالسؤال: مِن أين لك البلاغة في اللغة العربيّة، تكتب بإتقان المقالات، وتصدر ثلاثة مؤلفات، كطبيب درس المهنة في دولة أجنبية (سلوفاكيا)، تُجيد عدّة لغات، مُتنقلا بين العربيّة والأعجميّة؟ أوعزت لي مهمّة الاستكشاف أنّ د. خالد نهلَ حبّ اللغة منذ نعومة أظفاره، فمِن مكتبة بيت أهله العامرة اغترف العربيّة أدبا وشعرًا وتاريخًا، وقد لازم في صغره عمه الشاعر والمناضل داوود التركي (أبو عايدة)، في تلك الأيام حينما كانوا وكنا نغفو على حلم ونصحو على غيمة، كان اسم داوود التركي وزمرته يعني سحر المدينة، مدينة لم تسقط إلا مجازا، لأنها بعثت في الرواية من جديد، فترك بصمة تجلت معانيها في ما نحن به الان. ولأصدقائه والعائلة أيضا دور في تشجيعه على الكتابة والتوثيق، أخصّ بالذكر صديقه وزميله الدكتور عصام زين الدين والأستاذ إسكندر عمل.
مَن يُتابعُ د.خالد بكتاباتِهِ وروائعِ مدادِ قلمِهِ، يراهُ لا يَنفكُّ يَستشهدُ بآياتٍ من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة والشعر العربيّ، فإن دلّ هذا، إنّما يدلُّ على ثقافتِهِ الواسعة وانتمائِهِ الصّادق للعروبة، وإنْ جاز التعبيرُ فهو شيوعيُّ الانتماء، كاثوليكيّ المذهب، ذو ثقافة عربية إسلاميّة، ولا غرابة في تواضعِهِ واختزال الحضارة في شخصِهِ، واسمح لي أيّها الرفيق أنْ أشي بمعلومةٍ على لسانك: يسكن مع بناته وزوجته السلوفاكية (إديتا) الداعمة الدائمة له، على سفح جبل الكرمل، وإن سألته عن مكان سكناه يجبك: أنا من حيّ وادي النسناس الذي أعتزّ به، فيهِ وُلدتُ ونشأتُ، ومنه تخرّجتُ كما تخرّجَ رجالٌ قياديّون مُثقفون ووطنيّون.
الأستاذ راضي كريني عمل في سلك التعليم ثلاثة عقود في مدرسة ينّي الثانويّة، علّم الرياضيّات والفيزياء، وكان سكرتيرًا تنظيميًّا لفرع الحزب الشيوعيّ في كفر ياسيف، وبعد انتهاء عمله القسريّ من التعليم، أصبح مراسلا لصحيفة الاتحاد، فساهم في تأسيس حركة اليوبيل، وبيت المعلم، ولجنة الدفاع عن الأرض، والمنتدى الفكريّ في كفر ياسيف، وتنشر مقالاتُهُ الأسبوعيّة علاوة على الاتحاد وموقع الجبهة، في الحوار المتمدن ومواقع أخرى.
مداخلة راضي كريني/ اللّذّة في قراءة نصوص خالد تركي: خالد تركي قامة مغروسة في قلبِ الحزب النابض؛ حبّا ونضالا وانتماءً وتضحية، في مسيرة كفاح الشعب الفلسطينيّ التحرّرية، لا يكلُّ ولا يلين، ولا يتراجع، ولا يتخاذل. يقف كما وقف عمُّهُ ووالدُهُ، يَقف إلى جانبِ شعبه صامدًا ضدّ الظلم، منحازًا للعدل ولحقوق الإنسان، ملتزمًا بعشق الوطن والحياة الحرّة، ويُقنعُ بصدق الانتماء، ومفتخرًا بقيم المبادئ التي تربّى عليها، ومازال يحملُ لواءَها ويبشّر بإمكانيّتها وضرورتها، مؤمنًا أنّ لابدّ لليل أن ينجلي، ويعمل على كسر القيد؛ فلخالد تحيّة، ولأبو خالد إنحناءة.
نلاحظ في المؤلفات ثلاثة التي أصدرَها خالد حتّى الآن، أنّه بذلَ جُهدًا صادقا وبإخلاص؛ والقليل مع الإخلاص كثير، والكثير مع الرياء قليل؛ فكم بالحريّ إذا كان إخلاص خالد كثيرًا؟!
اعتمد دكتورنا في مؤلّفاته الثلاثة على تحليل مواضيعَ تتعلّقُ بنهجه السياسيّ، رسم مخطّطاتِهِ ووضع حبكاتِهِ وفقًا لمبادئ الحزب الذي ينتمي إليه، وتماشيًا مع المبادئ التي يؤمن بها، وعيّن مراحلَ التطوّر في المؤلفات متّكئًا على درجة ثقافتِه ووعيه وإحساسِه، وانطلق بانيا على موضوعٍ ثوريّ موجودٍ في بيته وبيئته، وفي ذاكرةِ والدِه وعمِّه وأدبيّات حزبه، وزادَ عليه لواحقَ جديدةً واختراعاتٍ مستحدثةً، واهتدى إلى أفكارٍ تتعلّقُ بمواضيعَ أخرى من التراث الشعبيّ والدينيّ، ومن الحضارة الحديثة.
يكتشفُ المتتبّعُ لمؤلفات خالد الثلاثة أنّه اتّبع نهجًا واحدًا تصاعديّا، ممّا أملى على نفسه، أن يفاوتَ بين مؤلّفاتِه بالنوعيّة والعمق، لم تكن هذه العمليّةُ بَديهيّةً عنده؛ بل اهتدى إلى موضوعاتِه عن سابقِ إصرارٍ وإعدادٍ، وهي الموضوعاتُ التي صدمتْهُ، وأثارت فيه حوافزَ، وكوّنت لديه مجموعةً من الأفكارِ التي أثارت الخيالَ، وثوّرت مشاعرَه المنغمسةَ بالذكرياتِ المسنودةِ بالمطالعات والخبرات والتأمّلات؛ فتفاعلت كلُّ هذه العواملِ فكريّا وعاطفيّا وخياليّا، فأولدت المؤلّفاتِ والمقالات الواحد تِلْو الآخر، جديدا على جديد، مكمّلا وموفيا لما وُجد ونَقص، دون أن يقعَ أديبُنا في التشابه والتكرار المملّ، أو في التقليد، أو في الشبيه اللاواعيّ؛ فإبداعُه انفعالٌ بالواقع المأساويّ، وبالتالي اتّحادٌ بالأمل المشرق.
هكذا، يُطلّ علينا مِن بين صفحاتِ مقالاتِه وكتبِه مخزونٌ ثقافيّ وتِقنيّ متفجّر، وإرادةٌ قويّةُ العزم على فعل الخير وبلوغِه، تطالبُنا بالصبر وبالتماثل مع إرادتِه، وبالسعي والإسهام معها؛ لتأمين شروطِ حياةٍ عادلة أفضل، ولتحريرِ الإنسان المنسحق، ولإرساءِ أساسٍ فلسفيّ وخلقيّ لفكرة الاشتراكيّة.
نجد في كتاباتِ كاتبنا دمجًا لأهمّ خصائص النصوص الأدبيّة والوظيفيّة؛ ففيها النصّ المعلوماتيّ واضحُ اللغة، وبعيدٌ عن الرمز، ومعتمدٌ على الحقائق المستقلّة عن رغبتِه ورأيِه، وعلى مصطلحاتٍ خاصّةٍ بالموضوع الذي يتناولُه، وعلى أوصافٍ للأشخاص والأماكن والأشياء، لكنّها لا تخلو من خصائص النصوص الأدبيّة.
وفيها النصّ الإرشاديّ الإجرائيّ الذي يتوجّه إلى جميع القرّاء، لا يستعملُ أديبُنا صيغةَ المبنيّ للمجهول كمُحايد في المعركة، فهو يشير ويرشد لكيفيّة تنفيذِ أو إجراءِ أيِّ عملٍ حزبيّ أو ثوريّ أو وطنيّ، مستخدمًا الروحَ الخطابيّة.
وفيها النصّ الإقناعيّ، الذي يهدفُ للتأثير في القارئِ لإقناعِه بوجهةِ نظرٍ معيّنة في موضوعٍ سياسيّ واجتماعيّ ما، فيكشفُ المعلوماتِ والوثائقَ، ويستشهدُ بآراءٍ وحججٍ، ويستعينُ باللغةِ الإيقاعيّةِ وبالأمثالِ والشعرِ والحكم والآيات والأحاديث.
يعرض أديبُنا في الكثير من مقالاتِه وجهاتِ النظرِ المتعارضة في القضايا السياسيّة (في الانتخابات والمؤامرة على سوريّة، وفي التصدّي لسياسة التمييز والاضطهاد القوميّ وغيرها)، لكنّه يغلّبُ رأيَ حزبِه على الآخر؛ لأنّه أصيلٌ ولا يعرف التزييفَ والتملّق. ونجد في نصوص خالد التي تمّ نشرُها في موقعِ الجبهة أنّها نصوصٌ جمعيّة، فكنّا نشاركُه كمتلقّين في بناء النصّ وكتابته، وكما جاء في كتاب “تأثير الإنترنت على أشكال الإبداع والتلقّيّ في الأدب العربيّ الحديث”، لأختنا العزيزة ابنة عارة، الدكتورة إيمان يونس، كتبت في صفحة 286 و287، تنطبق على هذه النصوص مقولة بارت حول “لَذّة النصّ”، إذ يرى الناقد الفرنسيّ رولان بارت (1915-1980) أنّ القراءةَ هي لذّة وليست واجبًا، وذلك لأنّ القارئ لا يكون قارئا في اللحظات التي يكون فيها مرغما على القراءة، وإنّما في اللحظات التي تكون فيها القراءة رغبة. (كما هو حالُنا مع كتابات خالد)، والشعورُ بهذه الرغبةِ يجعلُ من القارئ كاتبًا، وهذه الرغبة ليست أن تكتبَ مثلَ الكاتب أو عنه، وإنّما أن تكتبَ فقط، وهو تَصوّرٌ يَجعلُ من القرّاء إنتاجا، فالاستهلاك يتحوّل إلى إنتاج. إذًا لَذّةُ القراءةِ هي التي قادَتنا إلى التعليق بما نشعر به على مقالات خالد، (وجدير بالذكر أنّ التعليقات كانت متبادلة)، والتعليقات المتبادلة حوّلت نصوصَ خالد إلى نصوص رقميّة، وأصبحت كأنّها تحملُ صورةً أو رسما، فدفعتنا للاستمرارِ في عمليّة كتابةِ النصّ نفسِه، بأن نضيف إليه ونزيد عليه؛ كي تتواصل لذّة القراءة بلذّة الكتابة، لتكمّلَ الواحدة الأخرى؛ فمنذ بداية النصّ دعانا خالد للاشتراكِ والإسهام معه في إنتاج النصّ، فحوّلنا من قرّاء للمتعة والاهتمام والتعلّم وللانخراط في المجتمع إلى كتّاب. وفي الختام اسمحوا لي أن أكشف لكم سرّا، أحيانا كان يعتريني اليأسُ من الكتابة؛ فأتوقّف عنها، فكان خالد يقف لي بالمرصاد محفّزا ومشجّعا ودافعا ومتعاطفا ومثمّنا و… ويحثّني لأنّ والدَه بانتظار المقال مع فنجان القهوة في الصباح، فقهوتُهم معطّرة وفوّاحة، سنبقى نتطيّبُ بها ما دامت في رأسنِا فكرة!
العريفة خلود: من عنترة العبسي تعلمنا: لا تسقني ماء الحياة بذلة/ بل اسقني بالعز ماء الحنظل/ ماء الحياة بذلة كجهنم.. وجهنم بالعز أفضل منزل.
والشاعر الدمشقي نزار قباني قال: كتب الله أن تكوني دمشقا بك يبدأ وينتهي التكوين/ علمينا فقه العروبة يا شام فأنت البيان والتبيين.
المشارك الثالث والأخيرهو إسكندر عمل، مُرَبٍّ ومُؤرّخ، عملَ مُربّيًا في المدرسة الإيطاليّة الثانويّة بحيفا أربعة عقود، فتخرّجَ مِن معطفه آلافُ الطلاب. أشغلَ عدّة مهام تطوّعية في خدمة المجتمع منها: نائب رئيس بلديّة حيفا عن الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة، وله عدد من المؤلفات والأبحاث التاريخيّة منها “في سبيل الحريّة” حيث في شهر أيار من العام الماضي ومن هنا تمامًا احتفينا بإصداره.
مداخلة اسكندر عمل: مع كلِّ إطلالة خميس، طالَعَنا طبيبنا وأديبنا د. خالد تركي لسنوات على فنجان القهوة الصَّباحي بدرَّة من درر قلمه، استقاها من أحداثٍ عصفت بمجتمعنا، أو مناسبات وطنيّة أو قوميّة كان لا بدّ من التَّذكير بها، أو من أفكار وأحاسيس نابعة من قلب القلب لأهلٍ، ودَّ لو يُوفيهم بعضًا من حقّهم عليه، الأم، الأب، العم، رفيقة الدّرب، فلذات الكبد، الأخوات أو أشخاص كان لهم دور هامّ في حياته الخاصّة، أو حياة شعبنا العربيِّ الفلسطينيِّ الّذي لا يزال مصلوبًا يعاني من القريب ومن الغريب. ولا تخلو الصَّباحيَّات من ألم على فراق علم من أعلام أمَّتنا أو شعبنا كبن بيلا وأبي نرجس (نمر مرقص) وأبي عرب، شاعر الثَّورة الفلسطينيَّة ومنشدها إبراهيم محمَّد صالح، أو عزيزة أو عزيز كعمّ الكاتب أبي عايدة ووالدته أو رفيقة أو رفيق، صديقة أو صديق.
رغم تعدُّد الأساليب الفنِّيَّة في الكتابة الأدبيَّة، نجح كاتبنا وبامتياز في إبداع أسلوب له نكهته الخاصَّة وآفاقه الإبداعيَّة الخلاقة، حتى بتنا نعرف نصًّا يكتبه دون أن نرى اسمه في بداية النَّص أو نهايته. ومن أبرز ميزات هذا الأسلوب الاقتباس من آيات القرآن الكريم أو من الإنجيل بشكل ملفت للنَّظر وبطريقة تختلف عن كلِّ من وظَّفها قبله في نصِّه الأدبيِّ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، جعل عنوان صباحيَّته عن المسعى الحثيث في حيفا لإطلاق اسماء عربيَّة أو إعادة تسمية أماكن باسمائها العربيَّة الأصليَّة ” وقُلِ اعملوا”. أو عندما تحدَّث عن دور الجامعة العربيَّة المشين، أنهى صباجيَّته “فاستتروا” ب”تبيَّنَ الرّشدُ منَ الغيِّ”. أمَّا في صباحيَّته “الخامس” التي كتبها في ذكرى النَّكسة، ينهي مقاله: فإلى متى النَّوم يا “خير أمَّةٍ أُخرِجت للنَّاس”. أمَّا في مقالته “الشَّرق الجديد” التي عظَّمت العودة المقدامة لمجموعة كبيرة من الفلسطينيِّين التي عبرت الحدود القسريَّة فيقول عن مخيَّمات اللجوء “بعد أن دقُّوا فيها مسامير الجلجلة على جبل الزَّيتون. ووضعوا على رؤوسهم أكاليل الشَّوك الدَّامي، ليسيروا حُفاة على طريق الآلام الوعرة، مصلوبين في العراء، ليرقص الإسخريوطيُّ يهوذا رقصة الموت على أعتاب المذبح المقدَّس.”
وفي المقالة ذاتها يتحدَّث عن عدالة قضيَّة اللاجئين ويقول” ويثبِّتُ أقدامكم”.
وفي حديثه عن حريق الكرمل في “ربَّ ضارَّة نافعة” يبرِز حبَّه للكرمل، لأشجاره ووروده، طيوره وزواحفه، غزلانه وأرانبه، ويقتبس” قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا”. وفي ردِّه على الحاقدين الذين شمتوا عندما أودت يد الغدر بجوليانو مار “ومن قتل نفسًا بغير نفس في الأرض فكأنَّما قتل النَّاس جميعًا.” وفي حديثه عن الزَّيتون الذي اجتثَّ الاحتلال الآلاف من أشجاره المباركة، يورد “شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ” من الحديث الشَّريف، والقسم “والتِّينِ والزَّيتونِ” من القرآن الكريم. وعن صمود شعبنا والأمل الذي لم نفقده يومًا في العودة، يوظِّف الآية الكريمة “إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا”.
أنهى أديبنا معظم صباحيَّاته ببيت من الشِّعر أو حكمة أو آية قرآنيَّة أو حديث نبويٍّ شريف، وتطغى أشعار عمِّ الكاتب المناضل داود تركي على غيرها، فد. خالد يُعظِّم هذا المناضل العنيد الذي قهر السَّجَّان ولم يُقهَر، ويحقُّ له ذلك. واستشهد بأشعار محمود درويش ومحمَّد مهدي الجواهري وأبو سلمى وهارون هاشم رشيد وعنترة العبسي والأخطل الصَّغير والمتنبِّي ومظفَّر النَّوَّاب ونزار قبَّاني ومسكين الدَّارمي التَّميمي وآخرين.
التَّأكيد على المعاني المحوريَّة في النَّص هو معلم هامّ وميزة خاصَّة في أسلوب الكاتب، فنراه يكرِّر المعنى بألفاظ متنوِّعة تشدُّ القارئ وتلفت انتباهه أكثر للهدف من هذا التَّأكيد أو التِّكرار. فعلى سبيل المثال، في مقاله ” لنعِشْ كِرامًا” يكتب:” فنحن نتقاسم الأرض خيرها وجودها وعطاءها ومنتوجها الآتي من غيث جوِّها وخصوبة برِّها ورذاذ بحرها وسخونة رملها وعطاء سمائها وشموخ جبالها وغزارة وديانها، وكذلك نتقاسم العشق والشَّوق والحنين والمحبَّة..”. وفي “بحبِّك يا مصر” يقول “سنعود ونجدِّد العهد والوعد القسم، نزلت جماهير شعبنا، لتضع حدًّا للظُّلم والجوع والفقر والعوز والفساد والإهانة والمهانة”. وفي “وهل ينهض البازي..” يقول عن الشَّام: ” كيف صمدت في وجه جميع الفتاوى المدفوعة والضَّلاليِّين والتَّكفيريِّين والمرتزقة، الذين باعوا ضمائرهم وشعبهم ودينهم وعِرضهم..”.
وفي صباحيَّة مميَّزة عن مكتبة النُّور لصاحبها المناضل داود تركي يقول: “لقد كانت مكتبة النُّور سراجًا منيرًا في ظلمة وطننا خصوصًا بعد النَّكبة، ومنارة هادئة وهادية، تطلق سناها بعالي سمائها، لتضيء الدّرب في الدياميس المظلمة..”.
وفي وادي حنين يكتب “لو كان للشَّجر لسان، لنطق صارخًا من هول مأساة شعب تشرَّد عقودًا، أو كان للحجر وجدان لسرد حكاية الذين عادوا “متسلِّلين” في كفن، ولو كان للبحر قلب لنبض بوتيرة أسرع من سرعة الأنواء العاتيَّة..”.
لم يكرِّر د. خالد تركي نفسه في مؤلَّفاته الثّلاثة، فقد اختلف اسلوبه في كتابه الأول “يوميَّات برهوم البُلشفيِّ” عن مؤلَّفه الثَّاني “حماة الدِّيار”، فكان الأول دمجًا بين سيرة ذاتيَّة لأبيه ومسيرة شعب قارع الانتداب وبعده الصَّهيونيَّة التي شرَّدت أبناء شعبه وصادرت أرضه، وجثم حكمها العسكري على حياته ووجوده حوالي عشرين عامًا، لكنَّه انتفض وهبَّ رغم القهر والظُّلم والاستبداد. أمَّا الكتاب الثَّاني فتناول سيرة عشرات من مناضلي القاعدة الذين ارتكز عليهم النِّضال، أولئك الذين حموا بأجسادهم وبكفاحهم اليوميِّ المثابر وجودنا وبقاءنا على هذه الأرض الغالية. وفي المؤلَّف الثالث الذي يضعه المؤلِّف بين أيديكم ستجدون اسلوبًا جديدًا وإبداعًا مميَّزًا، لكنَّه لا يختلف في أهدافه عمَّا سبق من مؤلِّفاته، فالنَّبع الصَّافي لا يأتي إلا بالماء العذب.
مداخلة العريفة خلود: وُلدنا بأسمائنا، كبرنا ولم نقبل إلّا الهواء لحافا ولا إلا الأرض هوية وانتماء. نحن دائما تحت سقف واحد وفي ظل حلم واحد، مهما حاول العابثون خدشه سيبقى واعدا واثقا، فأحلام الأحرار وعود تتحقق، فكم إذا كانت وعود إخوة في الإنسانية والحرية والعقل! د. خالد، لتبق منارة ونبراسا وطريقا.
مداخلة د. خالد تركي: إلى من علَّمني أن أحبَّ حيفا، برَّها وبحرها، سماءها وكرملها.. إلى من علَّمني أن أحبَّ دمشقَ، غوطتها وقلمونَها، نارنجها وياسمينها.. إليكم جميعًا أهدي كتابي، ومنهم والدي ابو خالد ابراهيم تركي، برهوم البُلشفي.. ومن شابه أباه فما ظلم.. والابنُ ينشَأُ على ما كان والِدُهُ/ إِنَّ الجُذورَ علَيها ينبتُ الشَّجرُ، وستبقى حيفا/ بلادي على عهد دمشق، “وعليكِ عيني يا دمشق، فمنك ينهمر الصَّباحُ”
من حيفا..هنا دمشق، من عكَّا ويافا واللد والرَّملة ومن كفر ياسيف، وأبو سنان والكويكات وعمقا وامِّ الزِّينات والبروة والطَّنطورة والسميريَّة وأم الفحم واللجون هنا دمشق.. ومن أربع طيِّبات بلادي وطيرتيْها والنَّاصرة والقدس ودير القاسي ودير ايوب وعمواس واللطرون وبيت جن ودالية الكرمل وطبريَّة والنَّقب ومغار حزُّور ومن كلِّ بلادي هنا دمشق.. من قلبي ومن كبدي ومن كلِّي لا بل من كلِّ كلِّي..هنا دمشق..
فيا دمشقُ انت القلب النَّابض للعرب، “انت المجدُ لم يغِبِ”، انت “الفولاذ في العَصبِ”، وانتِ سوار من خالصِ الذَّهبِ، في معصمِ بلقيس ملكة سبأ وزنوبيا ملكة تدمر، وفي معصم الزَّهراء والعذراء وفي معصم أشرفِ وأطهر النِّساء، فلكِ منِّي، يا فيحاء، الوفاء والكبرياء والإباء ولك منِّي، ايتها العنقاء، العهد والوعد، أن يبقى السَّناء في عالي السَّماء، يا حسناء..
فالشَّام شمسنا وشامتنا، تُزيِّنُ جبينَنا ليبقى مرفوعًا وترفعُ جبهتَنا لتلامسَ الكواكب والأجرام أو يزيد.. فيا دمشق دومي لنا، دوام الماءِ والغَبراءِ والسَّماءِ، كما كنتِ وكما انتِ منتصرةً رغم انوف المعتدين.. لأنَّكِ أنتِ أنتِ روحُنا وحبلُ وريدنا ونياطُ قلوبنا وعزُّنا وعزَّتُنا وانتِ نبضُنا ﴿بالعَشِيِّ والإِبْكارِ﴾! كيف لا و”أنا صوتي منك يا بردى”.. فيا دمشق يا مكَّة العرب والعروبة، مُكِّي رقاب المتآمرين والتَّكفيريِّين، فانتِ قِبلة الثُّوَّار والأحرار والشُّرفاء ولكِ منَّا ما شاء الله من قُبَلٍ ومن قُبلةٍ وقُبلة، يا قِبلة.. من حيفا..هنا دمشق، من أين أتاني عنواني الذي مَلَكَ مكاني وزماني وكياني وكلَّ آنٍ من آني!
في الثَّاني من تشرين الثَّاني من عام العدوان الثُّلاثي على مصرَنا، بعد تأميم قناة السُّويس، في القرن المنهزم، بانهزام المعتدي وصمود مصرَ والعرب، قصف طيران انجلترا وفرنسا أجهزة إرسال محطَّة الإذاعة المصريَّة، الواقعة في منطقة صحراء أبي زعبل، شمال القاهرة، حيث دُمَّرت تمامًا، وانقطع إرسال صوت القاهرة، قبل أن يلقي النَّاصر للعروبة خطابه، ما سبَّب عطلاً في الإذاعة، وانقطع الإرسال، وهنا صنعت دمشق مفاجأتها الكبرى، كما نعهدها حين تقومُ يومَ المحن بالذَّود عن العرب والعروبة، وهزَّ صوت النَّاصر لجمال وطننا العربيِّ عبر أثير إذاعة دمشق على الفور بعد ان كان النِّداء الإذاعيُّ “من دمشق هنا القاهرة، هنا مصر من سورية”، ناقلةً خطاب جمال عبد النَّاصر..
لقد كانت فاتحة الخطاب: في هذه الأيَّام التي نكافح فيها من أجل حرِّيَّتنا، حرِّيَّة شعبِ مصرَ، من أجل شرف الوطن، أحبُّ أن أقول لكم، إنَّ مصرَ كانت دائمًا، مقبرةً للغزاة، وإنَّ جميع الإمبراطوريَّات التي قامت على مرِّ الزَّمن انتهت وتلاشت حينما اعتدت على مصرَ،..انتهى الغزاة وانتهت الإمبراطوريَّات وبقيت مصرُ وبقي شعب مصرَ.. يومَها أعلنت سورية التَّعبئة العامَّة ووضعت كلَّ قدراتها العسكريَّة، من عُدَّة وعتادٍ وعسكرٍ تحت تصرُّف مصرَ، وقطعت علاقاتها مع فرنسا وانجلترا، فأين تلك الدَّولة الشَّقيقة وأخواتها من العدوان العالميِّ، الكونيِّ والمسكونيِّ، على شقيقتهم سورية.
يا سيِّدنا علِّمهم درسًا في الشَّرف والكرامة والشَّهامة وعزَّة النَّفس والوفاء والإباء..
يدعو المناضل داود تركي مصرَ: فانهضي يا مصرُ شعبًا قد تحدَّى شرَّ أَقسى مجرمٍ في الظَّالمينا/ وارفعي شهمًا كريمًا دكَّ صرْحًا من صروح الظُّلمِ مرفوعًا جبينا/ وستبقى سورية بشعبها وجيشها وقيادتها الوطنيَّة وطبيب عيونها/ عيوننا../ وسيبقى المارقون مارقين والعابرون عابرين والمردودون مردودين ﴿أَسْفَلَ سافِلين﴾/ لذا “عَلِّمِينا فِقْهَ العُرُوبَةِ يا شَامُ فَأَنْتِ البَيَانُ وَالتَّبْيِينُ”/ فأنتِ “هبةُ السَّماء، طبييعةٌ فتَّانةٌ لن يستويها مارقٌ مستشرقُ” (الشَّاعر داود تركي).
حيفا ما زالت تعيش نكبتها، ودمشق تعيش مؤامرةً شرسة وجوديَّة وما زال يلتقي بهما “جيل البطولات بجيل التَّضحيات التقى كلُّ شهيدٍ قَهَرَ الظُّلم ومات، بشهيدٍ لم يزل يبذُرُ في الأرض بذور الذِّكريات، أبدًا ما هنتِ يا سوداننا يومًا علينا” (محمَّد الفيتوري من قصيدة أصبح الصُّبحُ)..
أبدًا ما هنتِ علينا، يا حيفا ويا دمشق، ويا بلادي من مشرقك إلى مغربك، ومن محيطك إلى خليجك، ومن القامشلي شمالاً إلى رفح جنوبًا..
لقد بناك، يا بلادي، الطَّيِّبون والطَّيِّبات لتكوني انتِ للعبادِ، يا حبيبتي يا طيِّبتَنا، يا أرضَ الرُّسُل والرِّسالات والصِّدِّيقين والمناضلين والشُّرفاء والأحرار والأبرار والأخيار ومهد الحضاراتِ، وقد تضرَّع رسولنا العربيُّ الكريم إلى الله، كما جاء في حديثه الشَّريف: اللهمَّ بارك لنا في شامنا..
فكانت الشَّآم “بنت الأكابر” والكرام، عزيزة على الأنام على مرِّ الأيَّام وستبقى في ناسِ أهل الشَّام المسرَّة وسيحلُّ السَّلام على أرضِ السَّلام، على ﴿هذا البلد الأمين﴾.. فهل نرضى بأن تكوني غير ذلك!
لذا انتفِض يا شعبي انتفاضتك الشعبيَّة الجارفة في وجه أيتام مسيلمة الكذَّاب وأبي لهب وحمَّالة الحطب وابن ملجم وابو لؤلؤة ويزيد بن معاوية وآل سعود وآل حمد وآل الاسخريوطي وكلِّ المفكِّرين الأيتام الذين كانوا من “تلامذة القوميَّة” لغاية في نفس من لفَّهم!
فضمِّدي جراحك وانهضي يا شامُ نهضة عروس المجد، “وامسحي دمع اليتامى”، “والمسي جرح الحزانى”، فجراحنا ما زالت تنزف وتنتظرك لنُعالج جرحنا معًا..”وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح”.
—