التجربة الشعرية مغامرة تعبيرية عن موقف ازاء الحياة الكونية لتحقيق آلية جمالية مركزها التجريب وفق رؤى ابداعية متجاوزة بلغة مجازية مكثفة رامزة ووحدة عضوية تؤطر المشاهد الفنية المحتضنة لمضمونات تستفز الذاكرة للكشف عن دلالاتها الجملية المشحونة بفعل التأمل لما تختزنه الذاكرة لاختصار المسافة والزمن..
والشعر وسيلة المعرفة باستنطاق عوالمه الحالمة..المتجاوزة(التي لا تكتمل الا في العالم الآخر) على حد تعبير بول ايلوار..كونه وسيلة التوصيل الموحي الخالق للرؤية التي هي القدرة على التعبير والابتكار والتصوير الذي يؤسس لفضاءات تتناغم فيها الرؤى وتتفاعل مع انساق مكتظة بالحيوية والدينامية من خلال القلق الشعري بؤرة انبعاث الحالة الابداعية التي تمثل حالة اللاتوازن النفسي التي تخامر(الانا) المنتجة التي تلازمها طبيعتان: اولهما انسانية.. وثانيهما فنية..
هذا يعني ان الشعر تاكيد لوجود عالم له معنى يخلقه من يتعامل مع جماع المؤثرات التي يتلقاها جهازه العصبي(اللون/الحركة/الصوت..)..لان الوجدان الشعري تأسيس قائم على الاضاءة الشعرية المكتنزة فكريا ووجدانيا والمتكئة على ضوابط فنية وبنيوية معبرة عن لحظة شعورية مكثفة خالقة لحقلها الدلالي والايحائي..
و(لائحة اتهام)المجموعة الشعرية التي نسجت عوالها انامل الشاعر الفريد سمعان واسهمت دار الرواد في نشرها وانتشارها/2015.. لاتسامها بتداخل الاجناس وتواصلها مع السردي باعتمادها ضمير المتكلم والراوي العليم(المنتج) واقترابها من الشعري المتجاوز للقوالب الجاهزة..
متهم
بانني نسجت من طقوس
احلامي
بساتين الوطن
توهجت حروفه على فمي
واختبأت اوجاعه بين الضلوع /ص9
فالنص نتاج التفاعل بين الذاتي والموضوعي المتصلين بنائيا من حيث اللغة التي تدور في اطار سوسيلوجي وسايكولوجي تاريخي متناغم مع المدى المعرفي الموروث والمعاصر..باعتماد تقنية المقابلة القائمة على متناقضين بلغة مشحونة بطاقة دلالية متجسدة في جماليات فنية محاورة للاشياء ومتأملة لها عبر صور مركبة ومركزة ومختزلة تومض بالتفاعل الحركي وخلق الصور الانزياحية مع استثمار الاستعارات والمجاز والترميز والايحاء لخلق عوالمه التخييلية واستشراق ما هو ممكن لرؤية فكرية وابداعية منسوجة بخيالات تكشف عن مغامرة الفكر وتحرك الذاكرة التي تكشف عن مغامرة تنم عن تجربة تقدم صورها بافق جمالي ووعي شعري يحمل شحنات من القلق المنبعثة من كينونة الذات الشاعرة التي تشغل حيزا فاعلا ومتفاعلا بشعريتها التي تمثل نمطا تعبيريا متميزا بمعطياته الفنية وتقنياته الشكلية التي تستوعب التجربة والرؤيا ومتطلبات الحركة الحياتية والكونية بكل موجوداتها ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة بفونيميها النكرتين المشكلان جملة اسمية مضافة حذف احد اركانها واضفيا ممكنات دلالية متأتية من اللاتحديد والاطلاق والمستل من عناوين المجموعة الذي اتسم بالعمومية وقد فرش روحه على امتداد لوحة تشكيلية رامزة بشجرة مكتظة الاوراق تحيطها اصابع تشير باتجاهها مستفزة لذاكرة المستهلم(المتلقي).. وتحت العنوان استلقى اسم النتج(المبدع) فالجنس الادبي تحته.. اما الواجهة الثاتية للغلاف فقد احتلها الناقد علوان السلمان بسطور موجزة عن الشاعر وشعريته منها( الفريد سمعان حضور فاعل في الحركة الابداعية والثقافية بعد ان نهل من ينابيع التجديد والحداثة لتنعكس جمالياتها الفنية على صوره الشعرية والوجدانية..
في كل يوم..
عندما تغادر السماء
باقات النجوم
وتملأ الكون مصابيح النهار
تقابلين شرفتي
بنظرة جامحة
تكاد تهرب العيون من اوكارها
تلوحين
ترسمين بسمة هائمة
تبوح بالاشواق
حين تغرب الاصوات
والخطى
عن الطريق
فالشاعر ينسج افكاره بتأمل ذاتي معبر عن عاطفة انسانية تحتضن خصائص اسلوبية وصياغة مشبعة بحلميتها الممزوجة بواقعيتها التي تكشف عن هم اجتماعي باعتماد الهاجس الانساني استنادا على تحليل نفسي لتصوير العواطف والاحاسيس الداخلية التي شكلت نسقا شعريا متجاوزا للقوالب الجاهزة ويقوم على انتزاع الصور المتميزة بحسيتها المتوالدة في الذهن بتكثيف ايحائي واختزال جملي لشظايا النص المستفزة لذاكرة المتلقي بشعريتها واعتماد الاشارات الرامزة الخالقة لمشاهدها الكاشفة عن انفعالاتها الداخلية..باعتبار التجربة الشعرية ادراكا حسيا وعاطفيا لمجمل الحياة عبر فكر يحدد الصور التي هي(تأويل ذهني للموضوعات الحسية)على حد تعبير هيغل..بمزج الافكار والعلاقات اللغوية المركبة بتتابع جملي يحقق غرضا اتصاليا بعد خوضه في غمار الاخيلة الخالقة لصورها المجازية المتأتية من الواقع بدفقات شعورية.. جمالية..وتوظيف لغة حالمة بعيدة عن التقعر..
وفجأة..كما ارى
تحاورين كل ما كتمت عليه
اصداء اللقاء
وكل ما كنت تريدين
وما كان يدور بيننا
وكل ما يجري على وسادة الشوق
يالها من نشوة
تقربت..تباعدت
تألقت…او انطفأ بريقها
تنوعت ثمارها تلك القبل
لا ادري كيف عانقت ارواحنا
وزغردت فيها مراسيم الحنان والغزل
فالشاعر يقتنص اللحظة مع اعتماد المزاوجة بين الحلم واليقظة لبناء نص درامي يعتمد الاختزال في الامتداد الزمني وتحويل الصورة من مجالها الحسي الى مجالها الذهني المشحون بالايحاء.. بلغة مكثفة..موحية تطرح مضمونها في سياقها بالفاظ مكتظة بمدلولاتها الموحية وحركة ايقاعها الداخلي المنبعث من بين ثنايا الالفاظ والخارجي المنسوج من قافية توحد مقطعية النص..فضلا عن ان الشاعر يؤسس لقول شعري مغامر من خلال الحضور المكثف والانزياحية الدلالية وهاجس مؤطر للحدث الشعري بتقنيات فنية منها التكرار..التقانة الاسلوبية التي تدل على التوكيد والاهتمام..والتنقيط(النص الصامت) الدال على التوقف الزمني والقفز عليه للتأمل واستدعاء المتلقي للاسهام في اشغال مساحة المحذوف من القول..
تشدني خطاك..
ترقص الارض على اوتارها
تحملني الانسام
تدعوني الى تجوالها المريب
في تلك الظلال المورقة
تراود الانفاس
تستبيح لهفة نقية
لا تنطفي شموعها
فالنص حالة من التوتر الذي يكثف المعنى ضمن بنية موجزة قادرة على الاشعاع الدلالي بتجريد الموجودات من حدودها لتشكل انموذجا نصيا يمتاز بافقه المرتقب وصوره التي هي(الحركة الذهنية التي تتم داخل الشعور).. بلغة تتميز بقدرة ايحائية تحرك مناطق الروح عمقا وتستفز الذهن بشعريتها التي هي وسيلة للكشف والتجاوز..كونها تقوم على تفاعل الجزئيات ببناء معبر عن كون الشاعر الشعري بلغة اشارية مع استثمار بعض الثنائيات الضدية(تقربت/تباعدت..) والتي تجسد الحوار الذاتي القائم على تكثيف صوري مشحون بايحاءات تدغدغ الذاكرة وتستفزها..من خلال ممارسة الشاعر الارتقاء في جمله الشعرية المتصاعدة ضمن بناء متوازن في جمله وصوره من اجل تحقيق اللذة الجمالية وخلق رؤية عاطفية في لحظة من الزمن.. باعتماد التكثيف الدلالي والايحائي ليجعل من النص ملامسا لروح المتلقي وتحفيز مخيلته عبر لغة تحمل دلالاتها وتكشف عن انفعالاتها الداخلية..
ظل ما ينهل من ثغرك
شهد
قبل جذلى..حكايات عن الاشرار
وعد
يفرش النشوة في قلبي
فاشدو
ان ما يغريني بالاشواك
يا ترنيمة الآهات ورد /ص87
فالشاعر يعتمد الصورة المركزة..المختزلة وهو يؤشر التفاعل الحركي من خلال توظيف اسلوب الانزياح مع استثمار الاستعارة والمجاز والرمز والايحاء لخلق عوالمه التخييلية واستشراق ما هو محكي لتحقيق رؤية فكرية وابداعية للمنتج الناسج بخياله المتوهج لصوره الشعرية..
وبذلك قدم الشاعر نصوصا متسمة بالقصدية والخيال المتوقد بجمل موجزة معبرة عن لحظتها الانفعالية..الكاشفة عن قابلية المنتج(الشاعر)ورؤاه المتفاعلة والانسان عبر تشكيلات حققت غنى النص وامتيازه بالخواص الجمالية بلغة تؤكد على الموضوعية والحركية..
—