في مشاهد مثيرة للحزن والإشفاق تخبرنا الرواية عن فقدان الكلبين تسونامي وبوسي ، وكيف كانت كريستينا حزينة على ضياع كلبتها بوسي ، لم يهدأ لها بال ، الأصدقاء و البوليس و كلّ من عرف بقصّة ضياع الكلبين بدأ بالبحث عنهما و يرجو لهما البقاء على قيد الحياة ، كريستينا تلوم أوسكار لإهماله في ضياعهما ، بينما أوسكار كان يفكّر بأنّ المجرم الفاعل هو بلاشك ( زاك) الذي يريد التخلّص من الكلبة بوسي كي لا تورث المال . وأخيرا يتمّ العثور على الكلبين في فجوة عند البحر إختفيا فيها وظلاّ هناك عالقين ، فتبيّن أنهما تأثرا بفلم (إي تي ) الذي شاهاداه وكيف كان مخلوق الفضاء يختفي مثل السلحفاة لكون رأسه يشبه رأس السلحفاة . ما أروع الروائي كريم هنا إذ يخبرنا عن أنّ الكلبين مولعان بالسينما والأفلام ، بينما الملايين في العراق اليوم لا يمكن لهم أن يروا فلما سينمائيا لعدم تواجد أيّة صالة سينما في هذا البلد البائس بعد أن كان أيام زمان يرفل بمهرجانات السينما و منها أسبوع الفيلم السوفييتي ، أو ما تُقدّمه المذيعة الجميلة و الكاتبة الرائعة ( إعتقال الطائي) في برنامجها الممتع( السينما والناس) .
الرواية تحدثت أعلاه عن الحبّ بين كريستينا و كلبها بوسي ، وهذه العلاقة الحميمية رأيتها أنا كاتب المقال عن كثبٍ في سلوفاكيا ،حيث تجلس فتاة جميلة في يومٍ صيفي لاهب مع كلبها كاشفة كلسونها وتأكل البوضة مع كلبها فكتبت نصا خاصا بهذا الحب العارم بين الجميلة و كلبها بعنوان( آيس كريم في سلوفاكيا) أقتطع جزءً منه:
بنتُ الثلاثينَ صيفٍ و خريفْ
ذاتُ النعيمِ والدلالْ
جَلستْ…
في كافيتريا الشارعِ الأخضرِ(Greenstreet
تلعقُ البوضة َلعقة ً،لعقة ً،لعقة
لعقةُّ لكلبها المرقّطِ،الناعمِ،المهفهفِ أولاً
ثم لعقةُّ لها
ثم تتالتِ اللعقاتُ بينهما،بحبٍ عظيمٍ
و شهيةٍ عارمةٍ،أصابتني بالدوار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنقلنا الرواية في أحد فصولها إلى الموت وآلام أوسكار وكيف يُفكّر في ذلك الخطاف لأعمارنا مهما كُنّانّا ملوكا أو صعاليكاً او حميرا ، فكان أوسكار يرقب الشمس حين تغيب في الأفق يوميّا ثم يُعيد الكرّة مرّة أخرى في اليوم التالي ، حتى تنقضي أعمارنا و تأفل كأفول الشمس عند المغيب، لكنه في لحظة ما فكر ماذا سيحل بتسونامي لو أنّ بوسي ماتت ، حيث أنه قرأ ذات مرة عن زوجٍ من القردة في حديقة دبي ، تموت الأنثى و يلحقها الذكر ، بعد أن يُضرب عن الطعام حتى الموت و يلحق بزوجته حزناً و حرقةً و جوعاً عليها. أين الإنسان من هذه القردة ، هذا الإنسان الذي قال عنه (آشلي مونتاجيو) بأنه الأكثر بلبلة إلى نفسه، بالرغم ممّا يمتلكه من عقل ضخم لكنّه سخّره لصناعة أسلحة الدمار الشامل، و كلّما هو خطير يؤدي إلى ضياعنا و هلاكنا .
من بين الآلام التي تظهر على أوسكار هو تفكيره بالأساس الذي بني عليه حبه لكريستينا ، أساس الخداع والزيف ، حيث بات يلوم النفس على فعلتها الدنيئة التي لا تليق به كإنسان وروائي ، ذلك الأساس الذي زرعه فيه ( زاك العجوز الخبيث) ، هذا الشعور يُدمّر أوسكار و يجعل منه فاقداً لكلّ أصول الراحة رغم الحياة الباذخة التي يعيشها مع كريستينيا و رغم الملايين التي لا تحصى ، هنا رسالة من الروائي من أنّ المال هو جالب القلق و ليس السعادة في كل الأحوال ، تلك السعادة التي تكلمنا عنها أعلاه.
ظل أوسكار يُفكّر مرارا بما وصلت إليه حالته من تشظي بعد أن كان روائيا مستقرا صادقا ، هو اليوم ملوّثا ، دنيئا متدنيا ، هو اليوم أوسكار بنسخته الجديدة التي خلقها ( زاك الخبيث) .
في الرواية نرى فصلا ليس بالقليل عن الخمر و عن أفعالها لبني البشر الحزانى أو الذين أصابتهم الملمات في وقت عصيب فيلجئون إليها كدواء ضدّ الداء . (يظنّ الغرباء أنّ الذين يحتسون الخمر كسالى، ليس لديهم ما يفعلونه، ولكنّهم لا يعلمون أنّ إحتساء الخمر كلّ يوم يحتاج إلى جهد جهيد،إنّنا نحمل ثقل العالم على كاهلنا ….إليف شافاق ..قواعد العشق الأربعون).
لذلك نرى أوسكار لكي يريح النفس الكئيبة و المتعبة يذهب إلى الحانة التي تعوّد أن يشرب بها أيام زمان كان فقيرا ، و كالعادة يلتقي بصاحب الحانة والنادل ( ميشيل) ويسأله إن كان سعيدا ، فيجيب الآخر بأنّ السعادة تأتيه إذا شرب كأسا معه على حسابه ، لكنه يعرف أنّ أوسكار ثريا الآن و سيدفع أضعاف الفاتورة .هذه هي حيل أصحاب المهن في إصطياد الزبائن الذين يدفعون أكثر من فاتورتهم الحقيقية . شخصية النادل هذه كانت لدى همنغواي شيئاً آخراً فهو كان الأحب لدى قلب همنغواي وكان يسميه (قارئ كف السكارى).
الخمر تفعل فعلتها فتريّح سكاراها أيّما راحة ، تجعل من الحمار فيلسوفا متثاقفا متّقد الخيال ، طائرا على بساط الريح مع مصباح علاء الدين ، تجعل من العبد ملكا كما خوان كارلوس ، تجعل من البليد متشاعراً هيّاماً بحب فتاة فينشد لها بما هو جميل لايمكن أن ينطقه لو كان صاحياً ، لكنه إذا ماصحا وجد نفسه ذلك الإسكافي أو بائع الخردة في الطرقات ، أو راعي غنم كما يقول المنخل اليشكري ( تراني إذا انتشيتُ فأنني رب الخورنق والسدير .. وإذا صحوتُ فإنني رب الشويهة والبعير) . ولذلك حينما يخرج أوسكار من البار مترنحا ، تراه يحاور النفس فيتذكر ماقاله له قارئ كف السكارى ومؤنسهم و صديقهم الحميم النادل ( ميشيل) على لسان ( سنشو) في رواية دون كيخوته ( ليذهب الميت إلى القبر .. والحي إلى الخمر) .الروائي كريم كتب عن بطله ( أوسكار) بصفته مشرّدا وقتيا في بعض اللّيالي و سكيرا يريد أن يهرب من ألمه الذي يعصر القلب نتيجة خداعه لكريستينا، أوسكار الضائع ليلا في الحانات نراه على غرار ( أدغار ألن بو) ذلك الشاعر الأمريكي المطفأ وجعا و حزنا في الشوارع و المدن الكريهة التي ما عادت تأوي شاعراً نيزكا خاطفا كما حياته الخاطفة التي خطفها الموت عند أعتاب باب الحانات الليلية . ( أدغار الن بو ) غالبا ما يُرمى خارج البار بركلة من النادل لعدم امتلاكه نقودا يدفعها لما يُعبه في جوفه من كحول .
أوسكار يعبّ الويسكي على طريقة برنالد راسل الفيلسوف وعالم الرياضيات و صديق ( الجواهري) أيام زمان الرومانسية الجميل . نرى أوسكار يعاتب النفس ، يضعها أمامه على الطاولة أو يراها في كأسه الماثل أمامه ، يُمسكها بيديه ويرفعها ثم يبدأ بمحاسبتها عن كل فعل تآمري مخادع و مُخطّط له مُسبقا اتّجاه حبيبته كريستينا ، فيجد نفسه ضئيلا غبياً و ليس ذاك الروائي أوسكار الطيب ، ثم يرجِع الكأس على الطاولة كعادة السكارى فيردّد مع النفس ( هل أنا زائفاً حقا؟) . هذا هو وخز الضمير ، فيتذكر قول أحد الحكماء ( رأيك في نفسك أهمّ بكثير من رأي الآخرين بك ) ، وهكذا تتوالى حالات الإرهاص والراحة لدى أوسكار بفعل الخمر فتخفّف عنه أثقال محاسبة ضميره لما فعله بحبيبته كريستينا .
يتطرّق الروائي كريم السماوي إلى سلوك البشر ومدى تأثره بالعنف ، فيستنبط أحكامه من الكلب في رواية نداء البراري للروائي الأمريكي جاك لندن ، وكيف كان الكلب لدى سيده مُنعّما مُتخما بالطعام فكان هادئ الطباع مطيعا على الدوام حتى وجد نفسه مرميا في البراري ، بالكاد يحصل على فريسة كي يشبع بطنه فعاد إلى طباع الشراسة والنباح مع بقية كلاب البراري المتوحشة . هكذا هو حال البشر بين الجوع والشبع .
ثم ينقلنا السرد إلى العنف مرة أخرى في الألعاب المسلّية لدى البشر ، ومنها قطار الموت و الملاكمة وقتل الثيران في إسبانيا أثناء الحديث الدائر بين أوسكار و كريستينا ، الحديث الذي يتبين منه قتل عشرة آلاف ثور سنويا في هذه اللعبة أي بمعدل ثور لكل ساعة ، و رغم ذلك هناك في مقاطعة كتالونيا في إسبانيا معارضة شديدة لهذه اللعبة .هنا الروائي يعطينا درساً بليغا عن وحشية الإنسان في بعض الجوانب رغم إدعائه الحضارة و العقل و ميله إلى السّلم ، إنّه الإنسان العنيف و الشّرس لا ذلك الإنسان الذي أراده نيتشه في حلمه الجميل فكان يطلق على الإنسان ( السوبرمان أو الإنسان الأعلى) ، هذا يعني أنّ الإنسان بهذا السلوك لم يكن يعجب الفيلسوف الألماني نيتشه الذي مات مجنونا في آخر أيامه لكثرة تفكيره في مصير البشر و أفعالهم الدنيئة التي لا ترتقي إلى (الإنسان الأعلى) .
تعود الرواية مرة أخرى فتتحدث عن الموت بشكلٍ يثير الأسى…. يموت ميشيل النادل صديق أوسكار و يتذكر كلماته (المفلس يجتاز السوق سريعا) ، كان يردّدها ميشيل عندما كان أوسكار مفلسا وها هو اليوم يملك الملايين لكنه يفتقد راحة البال ،أو كان يقول له ( كلنا كالقمر له جانب مظلم) ،هذه الكلمات تنطبق على أوسكار و ما يفعله في حياته إتجاه كريستينا فيرتاح أيّما راحة . يتذكر ماقاله عن الموت ( وردة واحدة لإنسان على قيد الحياة أفضل من باقة ورد كاملة على قبره) تقول الكثير من التجارب أنّ الإنسان عندما يكبر في السن كثيراً لا يعود يقلقه الموت بل هو باطنياً يبدأ يعشقه ، هنا كمسرحية عالمية ( جواب من متقاعد ) يكبر في السن و يقول ( سيكون لي متسع للراحة عندما أموت) . لكنّنا هنا وحينما نرى حالة أوسكار وتفكيره بالموت أو بحبيبة العمر الفتاة الصغيرة كريستينا و إنتظارها للموت نشعر بشعورٍ آخرٍ يثير الأسى ، يبكينا كما هو الحال الذي أبكانا أيام زمان الصبا ونحن نقرأ رواية ( موت في ريعان الشباب) ، إنه الموت التراجيدي بحق ، لا الموت الذي يدخل في باب الإحصائيات كما في الحروب حيث تموت الملايين من الفتية الطرية و الغضّة كما يحصل في العراق والموت الإحصائي المثير. ولذلك نستطيع أن نقول هنا إنّ كل امرئٍ هو سيد موته و الشيء الوحيد الذي بالإمكان عمله هو عندما تحين الساعة يتوجب علينا مساعدته كي يموت دون خوفٍ أو ألم.
تستمر الرواية في تطرقّها للموت وتستذكر الحرب العالمية الثانية وكيف كان عامل البدالة يتنصت لأعداد الموتى فينذهل لذلك ، فيظلّ بعد ذلك طيلة حياته يزور قبور الموتى فهم الرائعون بالنسبة إليه. أوسكار نتيجة لذلك يتذكّر الموت و يتذكر ميشيل و يضع الزهور على قبره حتى صار ذلك المكان أحبّ الأماكن له في تلك الأيام .
أوسكار و بعد إكمال روايته (الصّرخة المدوية )التي قرأتها زوجته كريستينا بدأ يدعو لها بالصلاة في أن تعيش وقرّر أن يخبرها بكل شيء،بكل نصبهِ وخداعه لها هو وزاك ، بدأ يفكر إنطلاقاً من تلك المقولة الرائعة لـ( أفرينوف) مؤلف كوميديا السعادة ومضمونها ( الرجل الذي يعلم أنّ الحياة قابلة للتغيير وأنّ واجبه يُحتّم عليه تغييرها،هو سيّد نفسه لا عبدها، فستلوح له الحياة مرحة بسيطة لا كئيبة مُعقّدة، لأنّه هو الذي يتصرّف في تكييفها كما يشاء) . ولذلك قرّر أوسكار في أن يعترف لكريستينا بما أساء لها من معاملة وخداع كي تُسامحه على فعلته قبل موتها ، لكنها بادرته بالقول المفاجئ أنا أعرف كل شئ فقالت :
(مالم تفهمه أنّي وراء كل ذلك ، انا طلبتُ من زاك أن يقوم بالتعرف عليك وتنفيذ الخطة بالشكل الذي حدث ، عقدت الدهشة لسان أوسكار وصار ينظر إليها مبهوتا وقال صارخا : أنتِ؟ لم تمهله طويلا حتى قالت : زاك هو جدي والد أمّي ) .
تبيّن أنّها قد أحبّته قبل أن تراه من خلال رواياته ثم أحبّته أكثر بعد أنْ عاشت معه و تخبره بأنّ زاك هو جدّها .. ياللهول.. ما أروع الروائي عبد الكريم في هذه الإنتقالية الشيقة ، المبهرة ، الصادمة ، الفجائية ، التي جعلتنا في غاية الذهول والإندهاش وعدم التصديق وهذا هو الفن الروائي الناجح ، هذه هي الحبكة والتورية التي تشدّ القارئ ،هذه هي المقدرة على التحويلة المذهلة من قبل الروائي .
ينقلنا الروائي بعد فصولٍ عديدة عن زاك المحامي ، عن زاك الشرير و المخطط للّعبة المحكمة ، زاك الجشع و الطامع بملايين كريستينا ، إلى زاك الرجل الطيب للغاية وهو الذي أكمل مشواره معها وكان يستمع لكل ما تريده ، هو الذي أراد لها السعادة الحقيقية قبل الموت الأكيد بعد أيام ، هو الذي عاضدها على خطتها المحكمة في نيل السعادة .
كريستينا بفعلتها هذه وخطتها المحكمة جسّدت المقولة الرائعة لتشيخوف في مسرحية طائر البحر (يجب تصوير الحياة لا كما هي و لا كما ستكون بل كما تبدو في أحلامنا) .ثم تذكّر أوسكار عن حديثهما السابق حين قالت له ( إن كان الإنسان يحمل في داخله الوقواق أم طرزان ) .
في النهاية كريستينا تدخل في مراحل احتضارها الأخيرة وتدخل المستشفى، تطلب من أوسكار أن ترى الكلبين بوسي و تسونامي و جرائهما، حتى لو كان من خلف الزجاج ، ما أصعب الموقف والوداع الأخير حيث أنّ الجميع ينظر لها من خلال الزجاج، ما أعظم الألم للناظر والمريض ، حيثُ أنّ مراقبة الألم من وراء الزجاج شيء مضحك ،كالأطرش الذي يسمع الموسيقى.
في المراحل الأخيرة من الإحتضار يقترب منها أوسكار وزاك لغرض المسانده وإلقاء الوداع الأخير( ماعلينا سوى أن نساعد المحتضر على الموت دون خوف أو ألم ) . تموت كريستينا ثم يلحقها زاك جدها الطيب بعد أن عرفناه خبيثا جشعاً في بداية السرد الجميل للروائي عبد الكريم ممّا أضاف للرواية شيئا من الشوق . يموت زاك حسرة وألما على حفيدته ، و يبقى أوسكار بعد الموت اليفاعي لكريستينا و بعد كل هذا الألم يزور قبريهما ين الفينة و الأخرى( قبر كريستينا وإلى جانبه قبر زاك) . حتى أصبح المكان بين القبرين من أحب الأماكن لأوسكار ، حيث يتذكر كلمات الروائي الألماني هاينرش( الموتى هم الرائعون ) كريستينا وزاك الطيب يورّثا كلّ مالهما لأوسكار ( يا للحظ في بطاقة اليانصيب)، كما يوصي زاك بمليون يورو لمولن الموظفة المساعدة له و بعض المبالغ لكل الموظفين لأنه يؤمن بأن السعادة يجب أن يشترك بها أكثر من واحد والألم يحمله شخص واحد ( ألمه هو و ألم كريستينا) ، هذه هي الحياة ناسُّ موتى وآخرون يرثون الملايين .
في آخر فصل من الرواية أوسكار يتأمل القبرين لـ ( كريستينا و زاك )،أراد أن يرقص رقصة زوربا اليوناني كي يستعيد نشاطه بعد الخسارات الكبيرة ، زوربا الذي كان يرقص بعد كل فشل ليعطي لنفسه الدفق لأملٍ آخر و نجاحٍ آخر. لكنّ أوسكار سرعان ما يخرّ راكعا بين القبرين يعلو نحيبه الذي يمزّق القلوب ، وهي إشارة من الروائي كريم إلى عظمة الحزن والقلق الناجم منه ، فرغم كلّ هذه الملايين التي جاءت إلى أوسكار على حين غرّة و دون تعبٍ أو شقاء، نراه حزينا قلقا على فقدان الأحبّة و ما الحياة سوى لعقة كلب سريعة خاطفة بارقة غدّارة غير مُنصفة، تنصب لنا الفخاخ غير المتوقعة ، حتى تجعل منّا صارخين: ” كفاكِ يا دنيا “.
كلمة أخيرة لابد منها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا أعتقد بانّ كريم السماوي استطاع أن يرسم لنا (الإندهاش الشوبنهاوري الناجم عن زوال الوهم ) ،كما حصل لدى كريستينا حينما زال عنها وهم الخلود ، فلم تعد تخاف الموت، بل أصبحت أكثر اندهاشا بالسعادة والحب والإستمرار غير المشروط في الحياة سواء إن قصرت أم طالت،إن كانت حزينة رغما عنها أم مليئة بالحبور،فيتوجّب عليها قبول الحياة حتى نهاية فصولها.
كريم السماوي كتب و بشكلٍ مُلفت،عن السببية والمحفزات باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في الوجود و التعامل الأخلاقي . ولذلك نجد أنّ السبب الذي جعل أوسكار يغيّر ما يجول بخاطره نحو كريستينا هو حافز الضمير الإنساني و معاقبة الضمير للنفس هي التي حفزت أوسكار فكانت سببا لهذا التغيير المفاجئ .
في النهاية أستطيع الخروج بمحصلة (أنّ حياتنا مثل البندول تتأرجح بين ألم الرغبة و فراغ الإشباع و ليست السعادة إلاّ حلم لا يمكن تحقيقه …شوبنهاور)….. لكنني هنا أختلف جزئياً مع شوبنهاور وأتّفق مع الروائي كريم السماوي ، من أنّ السعادة يمكن تحقيقها كما فعلت كريستينا رغم الموت الذي ظلّ يلاحقها ، بإعتبار أنّ الموت هو الشيء الوحيد المشترك بين كافّة بني البشر ، وهذه هي الصفة الوحيدة الرائعة للموت ، فهو قادم لا محال لأيّ إنسان وبدون استثناء و مهما طال الزمن .
هــاتف بشبوش/عراق/دنمارك
—