الآخر دوما ما يحكم السيرة، ويحكي عن فكرنا وفكرتنا، ويظهر مشاعرنا وغرائزنا المُعرّفة لنا بيولوجيا، ويتعرض بالوصف لنا جسدا وروحا وعقلا ونفسا، ليشكل جزءً أساسيا من وضعنا البشري ككائن عاقل، متميزا ببُعْدٍ أساسي وهو الذات، فهذا الآخر لا يمكننا التخلص من ضغوطاته.
فالوضوح لا يَخفِ الالتباس الذي يعيشه المتلقي في البدايات، فلابد من وعي كيما يكون قدرة على توصيل الأفكار، لأن هناك ثمة فوضى فيما حولنا.
فالواحد منا كشخص هو مجموع المكونات الرئيسية من الجسد والعقل والقلب والمشاعر والنفس، وربما هناك ما لا نعرف كالروح المعنونة اِسما والمجهولة جوهرا، كما في نصوصنا المقدسة، لترتبط كل هذه المكونات بذاتنا، جاعلة الآخر بأرادتنا يتحدث عن افكاره، أي أفكارنا، اجتماعيا عقائديا، سياسيا، وخياليا، وأي لون من ألوان الثقافة.
انها فلسفة الآخر في محاكاتنا ومحاكاته مِن قِبلِنا، لأنها تفكير كلّ منا بالآخر، من كونها تخص علاقة بالآخرين.
فهويتنا كشخص وقيمتنا وحريتنا، لا تنفصل عن تلك المكونات، لنتساءل عن دور كل هذه الجوانب ذاتيا وخارجيا في فهم وتحديد هويتنا وقيمتنا، ورسم حدود حريتنا.
عندما يقرر رجلٌ ثري كيفيّة تعريف أبنه بأنهم من الأثرياء، فأنه يأخذه في رحلة إلى بلد فقير، فأمْضوا أياما ولياليَ ما بين الأسر الفقيرة، وعند العودة في طريق الرحلة ..
سأل الأبُ اِبنه : .. كيف كانت الرحلة ؟ ..
قال الابن: .. كانت الرحلة ممتازة ..
قال الأب : هل رأيت كيف يعيش الفقراء؟ ..
قال الابن : نعم ..
قال الأب : .. إذا أخبرني ماذا تعلمت من هذه الرحلة ؟ ..
قال الابن : .. نحن لدينا بركة ماء في وسط حديقتنا وهم لديهم جدول ليس له نهاية .. لقد جلبنا الفوانيس لنضيء حديقتنا وهم لديهم النجوم تتلألأ في السماء .. ساحة بيتنا تنتهي عند الحديقة الأمامية وهم لهم امتداد الأفق .. لدينا مساحة صغيرة نعيش عليها وعندهم مساحات تتجاوز تلك الحقول .. لدينا خدم يقومون على خدمتنا وهم يقومون بخدمة بعضهم البعض.. غذائهم لذيذ لأن أمهاتهم تطبخ لهم ونحن الغرباء يطبخون لنا .. أخلاق أبنائهم واضحة لأن أهلهم يربونهم ونحن غامضون لأنه لدينا مستخدمون للتربية .. أطفالهم يرضعون الثدي بلذة وأطفالنا تشرب الحليب المصنع بدون طعم .. نحن نشتري طعامنا فنخسر أموالنا وهم يأكلون مِمّا ينتجون فيربحون ما يكسبون .. نحن نملك جدراناً عالية لكي تحمينا وهم يملكون أصدقاء يحمونهم .. انها كثيرة يا والدي لا أتمكن احصائها كلها ..
كان والد الطفل صامتا، فاغر الفاه، في حالة صدمة من ابنه ..
عندها أردف الطفل قائلا :.. شكرا لك يا أبي لأنك أريتني ما هو الثراء وما هو الفقر.
لا يمكن أن يحاسب الآخر بما فيه على الذات الآخرى، على رغم وجود فصل بين الذاتين، وعندها نقول سيأتي الخلاص، لانهما يكملان بعضهم البعض، واِنْ لم يعيا هذه الحقيقة فلا يمكن للرؤية أن تكتمل، كي ما نجعل الالم الانساني قوة كالمخاض معالجين التشائم .
………….