خرجت إجاباته عن مسار توقع اسئلة المحقق، حين أخذ يسائل نفسه، ويحقق مع ذاته… نهض فجأة… تقدم نحو حافة المسرح الذي احتشد فيه طفل واحد، يجلس متربعاً يرتفعرأسه قليلاً كي يسمح لبصره بصعود المسرح:
– عبرنا أم كبرنا؟
هل كان ذلك فجراً؟
ماذا كنت أرتدي؟
وماذا كانوا يرتدون؟
أخبروني بأن مركبة ستقلنا في نزهة… ثم ..
“باص” كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها تلك الكلمة. باص! نعم باص!
الآن أتذكر، كان ربيعاً مزهراً.. كنت أحكم قبضتي على يد أمي، كنت أخاف الطريق لكني كنت سعيداً، وهي أيضاً كانت سعيدة.. وهم كذلك (أعني أولئك الذين استقلوا معنا ذلكالباص).
صعدنا.. ثم أخذنا مقعدينا.. والجميع اتخذوا من تلك الكراسي أماكن لهم.
قال السائق ببهجة:
– الآن ننطلق بعيداً إلى تلك الأرض الموعودة.. حيث الحياة أجمل وأعظم هناك. سألت أمي عن ذلك المكان، فأخبرتني بأنه:
– المكان الذي يعلوه التل الأخضر، حيث تتحقق الأماني. هل لديك أمنية؟
ترددت كثيراً في الجواب… وبينما كنت أبحث عن أمنية ..
شاهدت عمي “محمود” يقف ثم يطلب من السائق أن يتوقف، فسألت أمي:
– إلى أين يذهب؟
– لقد حان وقت ترجله.
– ألن يذهب معنا؟
– لقد كبر كثيرا، يا صغيري.
ثم غفوت … وحين رفعت رأسي لم أجد أمي بجواري، بل سيدة مسنة..
أخبرتني بأن أمي ترجلت هي الأخرى.
وعبرنا … سرنا بعيداً .. بعيداً حيث أكبُر، وأكبُر ..
ترجل الجميع، ثم أعلن السائق خبراً مهماً:
– لقد حان موعد ترجلي …
نظر إلي، ثم أشار إلى المقود.
– إنه دورك الآن.
أمسكت بالمقود وقدت المركبة بعيداً.. بعيداً … بعيداً حتى أصبح الطريق منحنياً والباص بطيئاً جداً والركاب يتذمرون.
————-
* قاص سعودي