في الأربعينية التي أقامتها مؤسسة النهضة الثقافية بالتعاون مع القصر الثقافي 2/12/ 2018
هل الدنيا
أقترضناها
قرضة ً
من الآخرة ؟
إذا الأمر كذلك
لماذا تباغتنا
بتسديد قروضها؟
: الآخرة
الورقة المغروسة في غصن مغروس في شجرة، راسخة جذورها في ظلماء التراب والماء، هذه الورقة / الأوراق كالأصابع في الراحتين ، لذا حين تتساقط على الأوراق زخات المطر، تنحني الأوراق لتشكل منسرحا للقطرات التي ستستقر على قدم الشجرة، هنا المكر النباتي اللذيذ، يهبنا درسا أخلاقيا، لكن الورقة حين يدب بها شفق متوقع أو مباغت، ستتدحرج في الريح ثم تجثو مثقلة بالمطر وغير المطر.. هنا أحتدم القمر.. القمر العطوف الحنو الرحيم، تأمل الكون والكائنات وبحث عن رسول ٍ مؤتمن، فلم يجد أفضل من النملة، همسها بالبشارة وكلفها بتوصيل الأمانه الى شقيقه الإنسان .. وهنا أتساءل أنا الراوي الملفق الذي يقترض حكايات الشعوب ويمنتجها حسب هواه، لماذا تم تكليف النملة وليس الغزالة أو الناقة هل لأن النملة عليمة بالأقتصاد المنزلي ؟و الإنسان هو المنزل .. النازل الأول من عليين الى تراب الخليقة، كانت النملة تحث خطاها، ولاتكترث للملوك وخدم الملوك، يكفيها فخرا أنها تحمل رسالة لخليفة الأرضين : الإنسان ، في الطريق صادفها أرنب لعوب.. ماكر.. وربما خبيث أو غبي ، واغواها فأخبرته بنص رسالة القمر الى الإنسان (نديمي الغالي، لاتحزن فأنت أنا، وكما أموت أنا وفي مماتي أحيا، كذلك أنت ستموت وفي مماتك تحيا، كلانا ).. ربما الأرنب وهو يقرأ الرسالة أصيب بالغيرة، أو الأرنب يومها كان مغثوثا، وهناك من يرى أن الأرنب، كان متهما بسرقات متكررة لحقلي الجزر الأسود والأحمر، فأرتفعت نسبة الغل في دمه وهبطت نسبة المرؤات إلى الحضيض.. المهم وصل الأرنب الى الإنسان واخبره كالتالي
(يقول لك القمر أطمئن، لا تكترث لأي شيء، مثلما أموت وفي مماتي أفنى، كذلك أنت) وما أن أنتهى الأرنب من كلامه، حتى صعقته كف القمر، على فمه، وهكذا مايزال الأرنب يمتلك شفة مشقوقة الى ما بعد الآن … رغم العناية الإلهية فالإنسان محقود عليه مرة من الأرنب ومرة من الأفعى الذي طردته من بيته الأول، وفي الطابق الأرضي من بيته سرقت منه العشبة.. والغراب يدفعنا لهدأة التأمل : لماذا مجيئنا مشروط بالرحيل؟ لماذا أقامتنا الأولى ذريعة لطردنا منها؟ كيف يكون العوم في غضبة الأمواج، والإنسان مقيد الأطراف بحبل من مسد؟ ولماذا الجنة تخطف الاطفال ولا تدعهم في أحضان أمهاتهم وعلى منكبي آبائهم؟! السؤال : هي حرية الإنسان الوحيدة غير المعقوفة. والسؤال إبراهيمي الدوافع : ليطمئن قلبي . ونعود للسؤال لماذا الذبابة لها كل هذه الغزارة في العيون؟ والبعوضة لها ثلاث قلوب؟ لماذا سلحفاتها نابليون ضربت رقما قياسيا في العمر؟ لماذا شعوب تعمر وتتجاوز المئة عام وشعوب تتشظى كل حين؟ مِن حق الإنسان أن يسأل وهو بقلب سليم، من حقه أن يشعر بالأمان، لقد خذلته الحكومات ..خذلته الاحزاب .. المؤسسات العالمية، فكيف لا يلوذ بالرحمة الواسعة، لكن ما يناله منها هو الأقل من القليل : وما يزال هذا البئيس الإنسان يردد خاشعا، قول تلك السيدة العظيمة :(إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) ويردد مع سيد البلاغة وإمامهم (نِعم َ الحارس الأجل )..وهاهي الصواعق المحرقة التي تنضدها الحكومات والعولمة والفتن الداخلية وعقاقير التجارة ..وفي الطرف الثاني من الخيط هناك من يصر أن الإنسان هو أثمن رأس مال في الوجود. والذين نفتقدهم كنا معهم نستبق فسبقونا، ليتحملوا وجع الانتظارات عوضا عنا، ويطلون من أحلامهم على يقظتنا لنزداد شوقا لوجوههم الكريمة..
(*)
منقبة في مكتبة
الفقيدغازي فيصل حمود ليس من الغائبين فهو: ذرية طيبة ومكتبة زاخرة ومن الخالدين في ذاكرة نخيل البصرة وأسواقها ودرابينها، وبالنسبة لي تمنيتُ تأبينا له في دارته الثقافية التي استضاء بها واضاءها،قبل رحيل مؤسسها العم الفقيد فيصل حمود، ولم يترك محرابها إلاّ في ظروف خاصة، ومغادرته الأخيرة كانت لإداء فريضة البيت المعمور، الآن أستعيد بسمته، وهو يخبرني أنه اكمل كل مستلزمات الفريضة وسيكون جناحيه في الحج رفيقة عمره أم مصطفى وشقيقته، فنطق قلبي قبل لساني : (حجٌ مبرور وعود ٌ أحمد.. ) لكن في داخلي كنت أسألني : هل بمقدور هذا الإنسان الذي تعرض قبل فترة قصيرة الى جلطة ،أن يحتمل مشاق المناسك ؟ ثم قلت لروحي : هو من ضيوف بيته المعمور، والمضيّف كريم ورؤوف .. المهم فاز أبو مصطفى ونال الفريضة،برعاية المضيف الأكبر…وعاد للبصرة قليلا وذهب لبيروت وما قاله الطبيب في بيروت يعرفه الطبيب في البصرة، لكن طبيب البصرة، لم يسلب الحاج من حلمه الأكبر وهو فريضة الحج…
(*)
يحلو لي الإصغاء الى الحاج غازي فيصل حمود لتغمرني مبخرة تتضوع بما أحتاجه من كلام شفيف يخلو من الشكوى، رغم الدمع الذي أراه متأهبا خلف جفنيه .. قبل أيام وأنا في تواصل مع العزيز نجله مصطفى، لمحتُ أبا مصطفى في جلسته المكتبية، ينتف ريش عصفور أسود، ثم يقذفه باتجاه زجاج الباب، يخترق العصفور الذي كان أسود، الزجاج، دون أن يترك أي خدش في الزجاج أو صدع ٍ، فتزداد المكتبة ضوءا وتزدحم بروادها ورواد جدد، ثم لمحته يغادر مكتبته، ويتموضع في صورة ٍ ملونة ٍ تبزغ شمسها خلف الكرسي الذي يأبى نجله مصطفى الجلوس فيه حتى اليوم : هذا كرسي أبي وحده، هذا مالم يقله مصطفى بلسانه بل بفعله الأخلاقي
(*)
أقتطف ما يوائم التأبين وأثبته :
(مَن منكم ُ رغم الحياة وعبئها
لم يحتسب للموت ألف َ حساب ِ
أنا أبغض الموت اللئيم وطيفه
بُغضي طيوف َ مخاتل ٍ نصّاب ِ
ذئب ترصدني وفوق نيوبه ِ
دم ُ أخوتي وأقاربي وصحابي/ الجواهري)
(*)
لماذا كزنتزاكيز في أيامه الأخيرة، لم يتذكر إلاّ فيلسوف الحدس هنري برغسون؟
أعني لم ، يتذكر زوربا اليوناني، أو الكابتن ميخائيل في (الحرية والموت) أو القديس
أو كاترين الشقراء أو البريء مانويل في ملحمته(المسيح يصلب من جديد) ؟ ! هل المبدع الكبير يحتاج الى محاكاة برغسون ؟ أو الضرورة القسوة لم تجد منفذا غير ذك ؟ لنستمع الى كزنتزاكيز وهو بعينين مليئتين بالدموع يخاطب هيلين زوجته وصديقه : (أحس ُ كأنني سأفعل فعلة برجسون،اقصد الشارع وامد يدي كمتسول واتوسل العابرين : صدقة.. صدقة يا أخوان: تصدقوا علي بربع ساعة.. بربع ساعة فقط اريد ربع ساعة من كل منكم..أريد مايكفي فقط لإنهاء عملي الأدبي الاخير ..وأهلا به الزائر الاخير ..أهلا به فقد اتممت ُ عملي .. تعال يازائري الاخير وخذني الى هناك
(*)
(مِن بلل ِ الفجر أرتوى عابر
مهوّم في الأفق الطالع
فاشتعلت في روحه لوعة
تقطرت من طرفه الدامع
وهكذا اسلمه حُلُمه ُ
من شاسع البعد الى شاسع
أين انتهى؟ وكيف ؟ لم يلتفت
إذ مر للنافذة الموصدة
اغمض عينيه فسال الندى
كالدفء في اجفانه المسهدة/مجيد الموسوي)