شخوص المسرحية
- المتهم .
- المحقق .
- الشرطي .
- مجموعة من الممثلين .
المشهد الاول
(( داخل زنزانة …… ))
المتهم ( بصوت باهت ) : السجن صديق المظلومين ، يتنفس معهم ، يضحك بحسرة معهم ،
السجن ، عذاب وقلق المدانين ، الحافرون على الحائط سنواتهم الماضية
والباقية ، اشتهي ان اشم هواء الله النقي ( يسحب نفساً عميقاً ) ما اعفن
هذا الهواء ، القضبان هذه ( يمسك بها ) هي الفاصل بين ان تكون
محترماً او تنام تحت انظار الناقمين عليك …. السجن ( بصوت هادئ )
هو الحد الفاصل بين جميع الناس ، وكأنه عنوان مغاير للطهر والشرف ،
كي تكون نقياً وطاهراً عليك ان لا تدخل الى السجن .
( يمد يده الى قفل الزنزانة )
هذا القفل اللعين في بعض المرات يفتح لك صناديق الكنوز وفي مرات
اخرى يقهر المساجين ، العصافير وحدها تعرف قيمة هذا القفل بل تعرف
قيمة الزنزانة هذه ، فتراها لا تبني اعشاشاً فيها كي لا تورث العبودية
لصغارها ، حكيمة هي العصافير ، حسناً لا بد انكم تتساءلون كيف جئت الى
هنا ( يضحك … يقرب رأسه للقضبان ) هل سألتم يوما بائع العصافير
والبلابل عن تهمة العصافير، وما الذي فعلته ؟، كي يحتجزها ها هنا ؟؟؟ اذا
عليكم ان لا تسألوا ، هل سألتم يوما المتسول في الشوارع عن سبب تسوله
في وطن اقل ما يقال عنه متخوم بالنفط والمال ، حسناً … حسناً لا اريد
اجابتكم ، فأنا ها هنا ، مسجون بين هذه الجدران الاربعة الخرساء ،
( يقف على طاولة داخل الزنزانة )
ايها السادة الاحرار او ايها السادة يا من تجلسون الان خلف هذه القضبان ،
هل سألتم يوماً عن سبب مقنع يجعلكم ها هنا … وانا هنا … يا ايها الناس
العبرة ليست من هو الداخل والخارج … الابواب تقفل كي تحافظ على
اسرارها .
( ظلام يلف المسرح الا من ضوء فوق المتهم )
اخاف الظلمة ، الضوء هو الحياة ، بعد الان لا تطفؤوا الاضواء ، دعوا السماء
تفعل فعلتها ، ضوء النجوم ارحم ، اخاف الظلمة ، لا تسلبني الضوء رجاء ،
ارجوك ، ارجوك فك وثاق الضوء ، الظلمة سجن اخر ، سجن اكبر من عمري
وحظي ، سياطك الهوجاء ما عادت تنفع في تهديدي ، انا احمل رأس يابس كما
تقول امي … امي …. امي ، البحر والقضبان تفصلنا عن بعض ، ما كنت اعلم
ان البحر بهذا الجبن ، يختطف الماشين الى الفرح ، البحر هو الاخر سجن لكنه
ملوث بالماء والحسرة والقهر ، البحر والقضبان الان هما سجني ، من ينتصر
على من !…. ( يضاء المسرح ) شكرا للضوء ، خذ كل الاشياء واعطيني
ضوءاً ، العمر اقصر مما اتصور لكنه اطول من عمر الظالمين ، عمر الظالمين
قصير …. قصير … قصير .
( يدخل المحقق وبيده كومة اوراق وشريط لاصق ، ويتبعه الشرطي ، يدخلان الزنزانة )
المحقق ( يخاطب المتهم ) : هي … هي انت … ايها المتهم الملعون . ( المتهم يجلس ارضاً ويداه خلفه تماماً )
المحقق : ان صوتك نشاز … نشاز ايها الحثالة .
( يقترب من المتهم يلف فمه بالشريط اللاصق ، يغدران الزنزانة )
المحقق : من الان سوف لن اسمع صوتك المهبول هذا …. سأنام الليلة بهدوء …. (يضحك ) خذ نفساً
عميقا ، الغرقى مثلك مساكين … ها … ها .. ارى في عينيك عتب ومرارة ، لا تستح قل ..ها
…ها …. لا اسمع
( يقترب من وجه المتهم )
تكلم … قل شيئاً … ما بك هل خرست ؟
( يمشي بخطوات واثقة امام المتهم )
هذا المعتوه ( للجمهور … ويشير الى المتهم ) يطالب بحقوق المظلومين في زمن لا مظلوم ولا
ظالم …. تطالب بحقوق من ؟ ( يخاطب المتهم ) ثم من وكلك محامياً عنهم ؟ ها … من ؟
( المتهم يقف على قدميه ويخرج صوته من خلف شريط اللاصق وسط ذهول المحقق والشرطي )
صوت المتهم : المظلومون ينامون الان بسعادة …. كن مظلوما ….
المحقق ( يدور الى الجهات الاربع ) : من اين يأتي هذا الصوت اللعين ؟
الشرطي : لا ادري يا سيدي … لا ادري ،
المحقق ( يصرخ ) : هل تسمع مثلي ؟ ها …
الصوت ( ضحك ) : هههههههههههههه … صوت المظلومين اكبر منكم ، يخرج كطائر يسبح في
السماء ، صوت المظلومين كنهر يغسل الشواطئ من درن القبح والمرارة والجبن
والعهر …
المحقق ( للشرطي ) : افتح هذه الزنزانة اللعينة …( يصرخ ) افتحها .
( الشرطي يخرج كومة مفاتيح ويجربها بسرعة لكنه لا يستطيع فتح الزنزانة … يتأخر )
المحقق : افتحها ايها الاثول ( بقوة ) افتحها … ( يدفع شرطي ، يأخذ المفاتيح ، يجرب هو )
سأدخل الان … واقتلع هذا الصوت من حنجرتك الكريهة .
المتهم : لا تستطيع ( يضحك ) هههههههههههههه الصوت اكبر منكم …. ما نفع اللاصق والحق
كالشمس ، حاول …. حاول …. ستضل تحاول لكن البقاء للسماء والحرية ( يضحك ) هههههه
المحقق : اسكت … اسكت ، ( لا يفتح الزنزانة ، يرمي كومة المفاتيح من يده )
الشرطي : سيدي دعه …. سنغير كليون المفتاح غدا .
المحقق ( للشرطي ) : او ينتصر علي هذا الجرذ ؟، لا ، لا بد ان هذا اللاصق مغشوش ، او مثقوب ، نعم
نعم ، والا من اين يأتي صوته ان كان اللاصق محكما ؟… اللعنة عليكم حتى هذا
اللاصق مغشوش ( يمسك بما تبقى من اللاصق ) انه مصنوع في ( يسكت )
الشرطي : سيدي دعه الليلة وغدا سنجبره على السكوت .
المحقق : كل المحققين يطلبون من المتهمين الكلام …. الا انا اطلب من هذا السكوت …. فقط ان يسكت ،
صوته يخرم الاذن … احقق معه منذ اشهر …لا اريده ان يتكلم … لا …لا ..اريده ان يسكت
( صوت لجمهور وكأنه في مظاهرة وسط الشوارع … هتافات مختلفة )
اظلام
المشهد الثاني
( الشريط اللاصق يلف كل المكان ….. لونه الغامق يصبغ الجدران والزوايا … حتى قضبان الزنزانة ملفوفة به ، المحقق والشرطي يقفان خلف القضبان وعلى فمهم شريط لاصق، نصف المسرح الاخر خارج الزنزانة ، في احد الزوايا برميل نفط مكتوب عليه بخط عريض -…. لنا – يخرج من خلفه المتهم )
المتهم (يشير الى البرميل ) : القصة هنا … الجرح هنا …. القهر هنا … الخوف هنا …هنا …هنا
( يدور حول البرميل )
تحت هذا الحديد يقبع شيء ما ، ينام شيء ما ، هذا ( يشير الى البرميل )
مثل جسد الميت حالما تلامسه ….. ( يسكت … للجمهور) اكمل انت ، لكن
تحته الف حكاية وحكاية …كل احلام المساكين تنام تحته ، لا تستغرب ، وحده
الوطن يعرف قيمته … يقدره ، يطلب منا ان نتقاسم اشياؤه بالتساوي ،
بالمعقول ، لكن من هذا الذي يقبل بالمعقول ، الآكلون للحوم يفترسون كل
شيء ، كل شيء ( يجلس فوق البرميل يضحك ) هههههههه من يتصور اني
اجلس فوق هذا الشيء … من ؟؟؟؟ على هذه الكتلة الحديدية زهقت اروح
تذابح المتنافسون ، تقاتل السراق والمعتوهون والفجرة .
( يقلب البرميل ، يدور به على الارض … تتساقط منه لعب ودمى اطفال … ملابس عسكرية ملطخة بالدم ، عباءة امرأة ، سعف نخيل ، صحف ، واشياء اخرى يراها المخرج تناسب الحدث …الاشياء تتوزع وسط المسرح )
المتهم ( يغني بصوت حزين وموسيقى مناسبة اغنية غريبة الروح ) : غريبة الروح … غريبة الروح
لا طيفك يمر بيها … ولا ديرة تلفيها
غدت ويميل هجرانك ترد وتروح
وعذبها الجفه وتاهت حمامة دوح
آه غريبة الروح ….
( تكتمل الاغنية بصوت مطربها الاصلي )
( الظلام يلف المكان ….. ليظهر بعد ذلك المحقق يمسك بيده سوطا والشرطي خارج الزنزانة والمتهم داخلها ، الضوء فقط للمحقق والشرطي )
المحقق ( للشرطي ) : ما هذا اللون الذي يلطخ الحيطان ويصعد نحو السقوف ؟
الشرطي : اين يا سيدي ؟
المحقق : انت اعمى …. ( يشير الى كل مكان ) هنا … وهنا … وهناك
الشرطي : عفوا … سيدي ( يقاطعه المحقق )
المحقق ( يلوح بالسوط عالياً ): اسكت يا اثول ، هذا اللاصق اصبح يخنقني ،( للجمهور ) اصبحت واثقا
جدا ان الافواه لا تكممها اللواصق ، لا تخرسها الاشرطة بكل انواعها
( يضع يديه على رأسه وبوجع )
آه … آه رأسي يكاد ينفجر ، جربت كل ما تعلمته من مهارات التعذيب
والتنكيل مع هذا المتهم الارعن لكن دون فائدة تذكر ، انا لا اريده ان يتكلم ،
فالتهمة جاهزة ، لكن اريده ان يسكت … يسكت يا إلاهي ….
صوت المتهم : ستضل تأن …
المحقق : اسكت … ( يضرب بالسوط الارض )
صوت المتهم : الضمير يصرخ دائما .
المحقق ( بوجع ) : اسكت .
صوت المتهم : لن تستريح ابداً .
المحقق : قلت لك اسكت … اسكت …. ( يفر السوط بكل الاتجاهات )
صوت المتهم : لم افعل شيء … كل ما فعلته اني قلبت البرميل ذاك .
المحقق : وهذه وحدها جريمة …. اسكت
صوت المتهم : اني كشفت المستور … كشفت عهركم وقبحكم ونذالتكم .
المحقق ( بتوسل ) : ارجوك … اسكت …. اسكت
صوت المتهم : الى متى ستكممون الافواه ؟
المحقق : مثلك لا يمكن له ان
صوت المتهم ( يقاطعه ) : ان يعيش … ان يتنفس … حتى الكلاب ها هنا تعيش ، حتى الحشرات
المحقق : الحشرة افضل منك ، لأنها لا تكشف الم….
صوت المتهم : جروح المغدورين على ضفاف النهر .
المحقق : من انت ؟
صوت المتهم : صوت الفقراء …. وجع الامهات …. عزاء الاباء ، خوف العشاق ، ذل المحرومين .
المحقق : انت اسخف من ان تكون … اسكت ( يلوح بسوطه)
صوت المتهم : ستموت بسوطك هذا ، سيقتلك حتماً.
( المحقق يرمي السوط من يده وكأنه لمس شيء حار جدا)
المحقق : انت كذبة .. انت مجرد لا شيء … كذبة ( يضحك ) هههههههه .
صوت المتهم : ولتكن كذبة ، لكنها ستحرمك النوم بهدوء .
( يضاء المسرح يظهر المتهم وهو يلف المحقق بشريط كبير حول جسده بالكامل ، فيدخل من كواليس المسرح مجموعة من الممثلين بلباس المحقق ويمسكون بيدهم اسواط ولواصق ، يدورون حول المتهم )
ستارة
اظلام