إيلي تداوي أحد الجنود المصابين ( لون هاموند) بينما حبيبها ( نوح) غافياً مضمداً بالقرب منه على بعد سريرين دون أن تعرفه وهذه أحدى سخريات الحروب وغرائبها التي تعطي بعدا آخراً عن الحب الأليم إذا ما عاند وأصر على الفراق حتى لوعملنا المستحيل ( وأمر مايلقى المحب من الهوى /قرب الحبيب وما اليه وصالُ) . تنشغل إيلي في تطبيب الجندي الجريح الذي يراها جميلة فسلبت لبه وعقله وهو مريض لايقوى على شيء ، هكذا هو الجندي في سوح المعارك والمشافي ، أول مايفكر به إمرأة تحنو عليه فتأخذه الى عوالم الرومانس والهدأة حيث المراح والحدائق والشوارع وصالات الرقص ، فيدعوها للرقص ضاحكا باكياً وهو في هذا الحال بين الجنان المتمثل بوجه إيلي الملائكي والجحيم المتمثل بدنو الموت . فتقول له كممرضة يتوجب عليها مداراة الجريح بشتى الوسائل فتقول له حسنا كازناوفا سنرقص حتى نمل حين تشفى وهذا وعدا مني فنم الآن واسترح كي تحلم برقصنا الجميل . الجندي هذا يشفى من جروحه فيظهر من أنه يعيش نفس المدينة التي تعيشها إيلي وهو من عائلة ثرية وهو طيب للغاية ووسيم يليق بإيلي كزوج فيحصل النصيب في الحب وإعلان الخطوبة في حفل مهيبٍ لأثرياء البلدة فتنطوي صفحة نوح بالنسبة لإيلي فهي اليوم في عالم جديد ربما قد مات فيه ( نوح) في الحرب كما لاحت لها كل المعطيات ومجريات الأحداث بعد سبع سنواتٍ فراق . لكنّ نوح يعود من الحرب بعد إنتهائها ويرمم القصر فيظهر بمظهرٍ لائقٍ بأميرات مثلما وعد حبيبته إيلي على أمل أن يلقاها ذات يوم فيكون الحلم المنشود قد تحقق وهذا جل مايفكر به ، يبجث عنها في كل مكان حتى يصيبه اليأس ، يحاول أن يجد حبيبة أخرى ليعشقها ويفشل مرارا . وفي يوم بينما يتجول في المدينة بعينين كما عيني الزرازير التي لاتغمض لها عين في البحث عن إيلي بين السابلة وإذا به يلمحها مع خطيبها الجديد ( لون هاموند) وهم في وضع العناق والتقبيل وهنا ينزل الألم وتحل الطعنة المميتة الأخيرة في القلب ويتيقن نوح انّ كل شيء إنتهى والى الأبد . وهنا نستطيع القول من انّ الحب سيلُّ جارف يخرج من مجراه ليدخل مجرىً آخراً وفجيعة أخرى لاتطاق .
بعد الخيبة التي رآها عن حبيبته ، يعود للقصر وينظر الى الباحة حيث الهجيع العاشق مع إيلي والى كل زاوية ومرسمٍ لها تركته في بلاط القصر فتعصره الصبابة والوجد وعندها يصمم أن يعرض القصر للبيع في الصحف ليرحل من هذه المدينة التي أصبحت له مصدرا لتنازع الروح العاشقة . إيلي تقرأ الصحيفة فترى صورة حبيبها والقصر الذي تركت به مضاجعتها الأولى مع الحبيب الأول فتتفجر من جديد طاقتهاالوالهة فتذهب الى بلدته وسط عناد أمها في نسيان هذا المزبلة على حد قولها ، تذهب اليه بعد السكر الشديد ففي السكر بعض الحلول ، تقف في سيارتها الباذخة الخضراء أمام القصر فرأته مثلما وصفه لها بلونٍ أبيض ومثلما طلبت أيام حبهما قبل زمانٍ طويلٍ مضى . تقف باكية صارخة بإسمه فيظهر لها من أعلى شرفة القصر فبدى وسيما بلحيةٍ طويلة بعد ان كبر قليلا ، فتبدأ بشتمه وبكونه جبانا خائنا كاذبا بينما هو كمن أراد البكاء بدمعٍ ظل حسيرا بين مقلتيه . ينزل اليها لغرض شرح ماحصل لكنها تنهره ، تضربه على صدره بضربات النساء الخفيفة المعاتبة المؤنبة وكأنه هو الذي أراد الفراق . يدخلها القصر يريها ماذا أنجز ومافعله من أجلها من المرسم الى شرفة البحر ثم ترى الباحة التي ضاجعها فوقها لأول مرة ، فتقول باكية لماذا رحلت ولماذا لم تكتب لي ، فيقول لها عن رسائلة العديدة كل يوم فتنذهل وتستمر بالنحيب فتعرف الأمر من أنّ أمها هي التي من وراء هذا الإشكال . يحاول أن يمسكها مداعبا فتبعده بدلال وتقول له أنا الآن بحكم المتزوجة فلايحق لك لمسي فدعني أصلح الأمر . تذهب الى أمها لتخبرها عما فعلت من خطأ فادح وهنا تتأكد أمها من حبها الذي لارجعة فيه ، تأخذها في جولة في سيارتها الإرستقراطية وفي الطريق تريها عاملاً بسيطا في تصليح الشوارع كبيرا في السن ، وتقول لها انظري لهذا الفقير الحال ، ذات يوم كان حبي الأول وكان وسيما كما حبيبك الآن وكنت طائرة معه في حلمي المنشود أنذاك ، لكنني فضلت عليه الثري أباك الآن ، صحيح انني لم أحب أباك لكنه وفر لي كل شيء فماذا كان حالك لوكان زوجي هذا العجوز المعدم الذي ترينه يمسك مسحاته للحفر ، وهنا تصمم إيلي وتريد العيش على غرار مارلين مونرو حين قالت ( لاأريد أن أكون ثرية ، أريد أن أكون رائعة ) . فلاتجد الأم سبيلا في الإقناع وتقول لها خذي طريقك في الحب فهو الأسمى فأنت الرابحة وأنا الخاسرة . فتذهب إيلي مرة أخرى الى حبيبها فيتخذون زورقا ليريها بحيرة النوارس ويقول لها انها طيور تهاجر ثم تعود مرة أخرى كما عودتك لي . البحيرة كأنها لوحة رسام وهنا يتفتح الحب من جديد وأكثر وسط تناثر أوراق الخريف الملوّنة بزخرفة الإخراج السينمائي لإظهار جمالات الحب بأبعاده التي تسير بنا الى عالم الخيال مع الموسيقى الضاربة في القلوب للمغني الشهير أد شيران Ed sheeran مع المطر الرذاذ الذي يعطي مشهدا ضبابيا بلون السماء (حب الموسيقى يقود دوما الى موسيقى الحب .. جاك بريفر ) ، فيكون الحب هو الطاغي وليس غيره على تلك البحيرة الجنائنية التي أبدع فيها مصور الفلم بحيث ينحسر المشهد بين اللغة والصورة في أبهى أشكاله . تنتهي جولة البحيرة وفصل الحب هذا ، فتذهب إيلي الى خطيبها فتشرح له ماحصل ، لكن خطيبها رجل في غاية النبل فيقول لها : صحيح انني احبك ، لكنني لا اريد أن اقنعك أن تحبينني فاذهبي الى حبيبك الأول وهذا عين الصواب فيما تفعليه . يقبّلان بعضهما قبلة الثقافة المتأصلة لدى هذه الشعوب وسط القرارات المصيرية في إختيار الزوج والحبيب الأبدي .
وفي النهاية لايصح الا الحب فيكون الزواج السرمدي بعد سبع سنواتٍ فراق فيكلّل بدزينة من البنين والبنات حتى آخر مشوار العمر الثمانيني في المشفى وهي مصابة بالزهايمر بينما هو يريد أن يغذي ذهنها بزق الذكريات لعلها تشفى من فقدان ذاكرتها فيقرأ لها من دفتر ملاحظاته عن حبهما الفنتازي وكيف قضوا أجمل الأيام بحقيقة لاتصدق . وقد مثلت دور إيلي العجوز الممثلة التي أجادت دورها بإتقان (Gena Rowlands ). ثم في لحظة استعادة الذاكرة لثواني تقول له هل تعتقد أن حبنا يصنع المعجزات ، فيقول نعم فهاهو أعادك لي بكل ذاكرتك ، وفي هذه اللحظة تعيش السعادة والنرفانا الحقيقية بكل صورها الماضية والحاضرة في الأوان ، وتغفو على كتفه إغفاءتها الأخيرة وتقول له ليلة سعيدة ، ثم تموت من شدة فرحها بين ذراعيه بينما هو يقول لها سألقاك بعد قليل . فيتمدد بالقرب من جسدها العجوز والساحر بنفس الوقت والذي لازال دافئاً ليناً ويموت هو الآخر متلاصقا معها بعد إن ردّد في أذنيها ماقاله الشاعر الشهير والت وايتمان (لانفقد شيئا في هذه الحياة لاتقلقي ، الجسد ، الشيخوخة ، البرودة ، يبقى لهيب العناق تحت الرماد ، فيمكن اشعاله من جديد) . وفي النهاية أستطيع القول من أنّ الحب أعطى الكثير من صرح العشاق والمحبين في هذا العالم ليلى والمجنون ، شيرين وفرهاد ، رانجا وهير ، روميو وجوليت ، فنستطيع أن نضيف لهم ما صنعته السينما العالمية لعاشقين إسمهما إيلي ونوح .
هاتف بشبوش/شاعر وناقد سينمائي/الدنمارك